الحكومة الإسرائيلية تزعزع "الوضع الراهن" في الضفة: تداعيات خطيرة (2)

حجم الخط

بقلم: تامير هايمن وعيدن كدوري

 


حظي الدمج ما بين عوامل ناعمة وقاسية، من أجل خلق توازن، بانتقاد في أوساط قادة الرأي العام، سياسيين وعسكريين ومن يميلون الى مقاربة محافظة صقورية. بالنسبة لهم، فقط القوة العسكرية هي الأمر المهم في الحرب ضد انتفاضة شعبية، فثمة حالات عديدة طوال التاريخ أظهرت ان محاولة حسم معركة كهذه، وخاصة عندما يكون في الخلفية مطامح وطنية، بوساطة استخدام قوة عسكرية فقط، محكوم عليها بالفشل.
ثمة مثال على ذلك نجده في تداعيات عملية "الدرع الواقي" في سنة 2002 والتي جرت في اعقاب موجة عمليات، كان ابرزها واكثرها عدداً في الإصابات العملية التي وقعت عشية عيد الفصح في فندق بارك في نتانيا. خلافا للفهم السائد لدى الجمهور اليوم في إسرائيل فانه على الرغم من ان العملية واسعة النطاق والتي سيطر الجيش الإسرائيلي في اطارها وفي اعقابها على معظم المدن الفلسطينية في "يهودا" و"السامرة" فانها لم تحقق هدفها - هزيمة "الارهاب" في المنطقة. في الواقع كان للعملية نجاحات عديدة في ضرب البنى التحتية لـ "الارهاب" وفي تقليل عدد العمليات في الفترة التي تبعتها، كما أنها خلقت حرية مناورة لقوات الجيش في كل ارجاء "يهودا" و"السامرة". ولكن اقتضى الامر ثلاث سنوات اخرى منذ انتهاء العملية وحتى انهاء الانتفاضة الثانية.
من وجهة نظر قيادة المنطقة الوسطى فانه خلال هذه السنوات تطورت نظرية الأرجل الاربع؛ وتجمعت عوامل دفاعية؛ جدار الفصل الذي اقيم على طول الخط الاخضر بهدف منع اختراق "مخربين" فلسطينيين الى اراضي إسرائيل، وعوامل مدنية؛ تطوير الاقتصاد الفلسطيني، وكذلك عوامل تنسيق امني؛ اعادة الشرطة الفلسطينية للعمل واستئناف التنسيق الامني.
كانت هذه العوامل حاسمة لانهاء الانتفاضة الثانية، وأثبتت أنه المعركة العسكرية وحدها لا تكفي من اجل هزيمة "الارهاب". علاوة على ذلك، حتى بعد إنهاء الانتفاضة الثانية، فإن "الارهاب" والنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني لم ينتهيا. ثمة عامل آخر في خفوت "الإرهاب" في السنوات التي أعقبت ذلك، وهو تعيين محمود عباس في منصب رئيس السلطة الفلسطينية في سنة 2004 بعد موت ياسر عرفات، وتفضيله النضال الشعبي على "الإرهاب". بالإضافة إلى خطوات سياسية نُفذت في تلك السنوات وعلى رأسها نشر "خارطة الطرق" لحل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني في حزيران 2002، ومبادرة جنيف التي نشرت في سنة 2003 ومؤتمر أنابوليس في سنة 2007 والتي تطرقت إلى البعد الوطني للمواجهة، وكذلك أعطت أملاً لمجموعات كبيرة في المجتمع الفلسطيني. في نهاية المطاف يتمركز النزاع الإسرائيلي- فلسطيني المعقد حول قضايا وطنية، وتطلعات قومية فلسطينية، تشكل أرضاً قيمية ومعنوية لصعود "الإرهاب". لهذا، فإن مواجهة عسكرية وحدها لا تكفي لوقف العنف و"الإرهاب".
يجدر التطرق لتداعيات بعيدة المدى لعملية "الدرع الواقي"، والتي عكست انعطافة في الرؤيا الإسرائيلية فيما يتعلق بالطريقة المطلوبة لـ"السيطرة" على مناطق "يهودا" و"السامرة". بعد العملية، كانت الرؤيا الرائدة في إدارة المعركة في "المناطق" هي "مواجهة محدودة"، من خلال إدراك القيود على استخدام القوة النابعة من اتفاقات سياسية. أي أن حرية عمل قيادة المنطقة الوسطى في "المناطق" كانت محدودة. ولكن العملية في فندق بارك في نتانيا، وعملية "الجدار الواقي" في أعقابها طمست الحدود والقيود من ناحية عملية. لقد تجذرت الرؤيا القائلة بأن حرية العمل العملياتية في "المناطق" هي أمر ضروري لكبح "الإرهاب"، وهي التي مكنت من إنهاء الانتفاضة الثانية في سنة 2005. ومنذ ذلك الحين، وعلى الرغم من استئناف التنسيق الأمني مع الفلسطينيين، ورغم فترة قصيرة عملت خلالها قوات الأمن الفلسطينية بصورة أكثر نجاعة، فإن هذه الرؤيا لم تتغير. هنالك من يرون في هذه الرؤيا التي تؤيد الحفاظ على حرية عمل عملياتية للجيش الإسرائيلي، والتي ساهمت في الجمود السياسي، وأدت إلى طريق مسدود في العملية السياسية، بأنها خلقت للحكومة إمكانية لتجنب اتخاذ قرارات سياسية صعبة.
من أجل الحفاظ على استقرار أمني في "يهودا" و"السامرة"، ومنع تصعيد يتم تحريكه على أساس أيديولوجيا وطنية عميقة، يجب استخدام عوامل أخرى من القوة إلى جانب القوة العسكرية واستخدام القوة الناعمة. وجهت هذه الرؤيا قيادة المنطقة الوسطى للعمل حسب مبدئين رئيسيين- فصل السكان المدنيين عن عوامل "الإرهاب"، واستخدام القوة المطلوبة طبقاً لهدف محدد وطبقاً للوضع، تطلعاً لتقليل استخدام القوة إلى الحد الأدنى المطلوب. كل هذا من خلال الفهم بأن استخدام القوة الذي يتجاوز المطلوب يخلق تصعيداً أمنياً. علاوة على ذلك فإن استخدام القوة غير المتناسب يعارض مبادئ نظرية القتال القائلة: (استنفاذ القوة والتوفير في القوة)، وكذلك يناقض مبادئ قانونية وقيمية دولية.
هكذا يجري تكييف استخدام القوة طبقاً للواقع التكتيكي والعملياتي على الأرض. أي مطلوب تكييف القوة وطرق العمل بصوة تعكس استراتيجية مركبة- استخدام أدوات عملية من التنسيق الأمني إلى جانب أدوات اقتصادية ومدنية تعكس قوة ذكية. الاستخدام الواسع لأدوات اقتصادية كان مكوناً أساسياً في استراتيجية التهدئة التي اتبعتها قيادة المنطقة. بنظرة كلية، فإن عمل العمال الفلسطينيين في إسرائيل يخلق اعتماداً للسلطة الفلسطينية على الاقتصاد الإسرائيلي بصورة من شأنها أن تجعل الأمر صعباً من أجل بلورة وتطبيق حلول سياسية تؤيد الانفصال. ولكن هذه السياسة حسنت الاقتصاد الفلسطيني، وهي تخلق مجالاً من المصالح المشتركة مع الفلسطينيين على الرغم من الخلافات العميقة التي هي بعيدة عن الجسر. من خلال فضاء المصالح المشتركة هذا تم كبح "الإرهاب" بدرجة ما، وتعززت الروافع الإسرائيلية المؤثرة على الساحة الفلسطينية. ومكنت هذه الروافع على مدار السنين من منع تصاريح عمل في إسرائيل للفلسطينيين كعقوبة على تصعيد أمني، وزيادة عددها مكافأةً للهدوء في "يهودا" و"السامرة". هكذا تم خلق آلية تكافئ كلا الطرفين بتهدئة أمنية وحفاظ على الاستقرار.
على المستوى الميداني ومن وجهة نظر قيادة المنطقة الوسطى فقد وُجدت منظومة توازنات تضمنت ضبطاً للنفس إلى جانب إزالة القيود، بصورة تناسب الحالة. تحسين هذه المقاربة والأسلوب مكّن من تنفيذ عمليات بصورة تفضيلية من ناحية جيوغرافية وأمام تنظيمات فلسطينية بصورة تتناسب مع الاستراتيجية في ذلك الوقت، مثل المس بتنظيم "حماس" بصورة وبدرجة أشد مما بالتنظيمات "الإرهابية" الأخرى العاملة في "يهودا" و"السامرة". استهدفت منظومة التوازنات التمكين من محاربة مركزة لـ "الإرهاب" وفي الوقت ذاته تجنب المس بالسكان الفلسطينيين غير المتورطين قدر الإمكان.
قائد المنطقة الوسطى هو صاحب السيادة في مناطق "يهودا" و"السامرة"، وهو المسؤول عن الأمن وإنفاذ القانون والنظام في المنطقة. بناء على ذلك فإن مجمل الأجهزة العاملة في مناطق القيادة - "الشاباك"، والإدارة المدنية، والشرطة يتم تنسيقها من قبل القيادة، حتى وإن كانت غير خاضعة لها مباشرة. يشمل هذا التنسيق الخضوع لسلطات القائد العسكري من أجل أن يصادق على كل النشاطات المختلفة التي تنفذها في منطقته. مجمل الأجهزة والجهات العاملة اليوم في "يهودا" و"السامرة" هي "الآلية الممكّنة" للانقلاب التنظيمي متعدد المجالات للقيادة، والتي تشمل: مجتمعا مدنيا واقتصادا، تنسيقا أمنيا ونشاطا عملياتيا. الآلية الممكّنة مكونة من مخابرات نوعية، وقوة عملياتية تنفذ النشاطات، وإدارة مدنية متزامنة مع القوة العملياتية، وخبرة مهنية محددة لشرطة إسرائيل وحرس الحدود.




المخابرات

في قيادة المنطقة الوسطى يعمل جهازا مخابرات رئيسيان -"الشاباك و"أمان" (المخابرات العسكرية). العملية التنفيذية على ضوء المعلومات التي يتم الحصول عليها من الاجهزة المختلفة يتم تقريرها من قبل القائد العسكري في القيادة، وصورة المخابرات ضرورية لتشكيل مجمل النشاطات التي تحدث في المنطقة، ابتداءً من العمليات الهجومية مرورا بالمواجهة الدفاعية امام التحذيرات وانتهاء بتنسيق وتقييد نشاطات أجهزة مدنية. من مسؤولية قيادة المنطقة الوسطى التأكد من ان مجمل الاجهزة العاملة في مناطق القيادة تعرف المعلومات ذات العلاقة، وانها لا تشوش نشاط وكالات المخابرات. كل عملية لا تنسق مع القيادة هي عملية خطيرة وممنوعة، ومن هنا من الواضح ان إخراج مكونات من سلسلة القيادة العملية خطير. هكذا على سبيل المثال فإن عملية غير منسقة لوحدة الرقابة للإدارة المدنية من شأنها ان تعرض للخطر أعضاء الوحدة، او ان تشوش نشاطات استخباراتية وعمليات خاصة وسرية. كل عملية لشرطة اسرائيل، كما يبدو ليست مرتبطة بمكافحة "الارهاب"، تقتضي معلومات وتؤثر على جمع المعلومات. فقط الربط ما بين حرس الحدود والادارة المدنية في منظومة حميمة للقيادة والسيطرة العسكرية تسمح بنشاطات عملية سليمة وناجعة، بالاستناد على جمع معلومات متزامنة ومنسقة الهدف.

تنسيق مدني

الادارة المدنية في "المناطق" مسؤولة عن تقديم خدمات الحكومة المدنية المختلفة للسكان الفلسطينيين. في الشهور التي اعقبت حرب 1956 في قطاع غزة وفي شبه جزيرة سيناء وبعد حرب "الايام الستة" وحتى تشرين ثاني 1981 كان السكان الفلسطينيون خاضعين للحكم العسكري الاسرائيلي في "المناطق". في تشرين ثاني 1981 فصلت القضايا المدنية عن الحكم العسكري، حيث أخضعت مباشرة لوزير الدفاع بهدف الفصل بين مهام الجيش الإسرائيلي العادية - حماية من تهديد خارجي - وبين مهمة الإدارة المدنية والتي هي الاهتمام بالسكان المدنيين مع حفاظ على وحدة القيادة الضرورية لتنفيذ المهمة.
لكل عملية رقابة مدنية في منطقة ج، اي تنفيذ قوانين التخطيط والبناء وكذلك مواضيع جودة البيئة وجوانب بنى تحتية اخرى أُعطيت اهمية امنية واستخباراتية. وبالتالي، ليس بالامكان القيام بدورية رقابة دون مرافقة وحماية، وليس بالامكان تنفيذ نشاط إبعاد "اقتحام غض" (هدم بناء غير قانوني) دون تنسيق عملياتي استخباراتي مسبق. لهذا، مطلوب تنسيق امني وثيق بين مجمل الجهات ذات العلاقة، والذي يتم على يد قيادة المنطقة الوسطى. في كل بناء على ارض خاصة لفلسطينيين، فان الجيش الاسرائيلي ملزم حسب القانون بإخلاء البؤرة الاستيطانية. من أجل الاستعداد لتنفيذ الاخلاء، حيث تعطى التعليمات بشأن تنفيذه من قبل قائد قيادة المنطقة الوسطى، فان الجيش وحرس الحدود يوفران الغطاء، وتنفذ الشرطة الاعتقالات، والادارة المدنية هي المسؤولة عن الاخلاء نفسه بجانبه العملي: احضار المعدات المناسبة والاشراف.
في غضون ذلك، وطوال السنين، فقد تعرضت الادارة المدنية الى نقد شديد من يمين ويسار الخارطة السياسية بسبب عدم المساواة بين القطاع اليهودي والقطاع الفلسطيني في الاخلاء او في المصادقة على مبان وبؤر استيطانية غير قانونية. تؤكد هذه الانتقادات أهمية تطبيق القانون وإنفاذه بصورة متساوية في مناطق "يهودا" و"السامرة" قدر الإمكان في الإطار القائم، من اجل الحفاظ على الاستقرار الأمني وعلى ثقة المجتمع بمهنية الإدارة المدنية.

تنسيق أمني

في سنة 2000 وبعد اندلاع الانتفاضة الثانية، الغيت وحدة التنسيق الامني العسكري (DCO-RSC) ونقلت الى مسؤولية منسق اعمال الحكومة في "المناطق"، حيث كانت مسؤولة عن تشغيل الدوريات المشتركة مع الشرطة الفلسطينية، وتوقفت عن العمل من اللحظة التي انضم فيها رجال شرطة فلسطينيون الى القتال ضد الجيش الاسرائيلي. مع استئناف التنسيق الامني في اواخر سنة 2002 تقرر أنه سيكون تحت سلطة الادارة المدنية. خلق هذا الوضع الجديد ازدواجية في الادوار لرئيس الادارة المدنية ولممثليه على الارض. هم مسؤولون عن السياسة المدنية البيروقراطية في المنطقة، ولكن ايضا يشكلون جهاز الارتباط مع اجهزة الامن الفلسطينية. هذا التغيير قادر على بلورة تنسيق افضل أمام الفلسطينيين. الإدارة المدنية كجهة واحدة تركز مجمل الاتصالات، وتحولت الصلاحيات مع الأيام الى جسم حيوي كجزء من التنسيق الأمني. مكانتها تعززت، وخاصة قوتها الشرعية في نظر الفلسطينيين. وقدرته على تنفيذ السياسات أصبحت مدماكاً ذا تأثير أمني. هكذا فإن الإدارة المدنية هي الجهة التي تجري الحوار مع السلطة الفلسطينية بخصوص تسهيلات في المجالات المدنية مقابل هدوء امني.
اليوم، يقتضي كل نشاط للجيش الاسرائيلي تنسيقاً امنياً. كل دخول عسكري الى منطقة أ يتم ابلاغه للقوات الفلسطينية من اجل منع احداث اطلاق نار متبادل. وكل نشاط لتنفيذ القانون والنظام للشرطة الفلسطينية يقتضي تنسيقاً عسكرياً، على سبيل المثال حركة رجال شرطة فلسطينيين في مناطق ج ونشاطهم في مناطق ب. على مر السنين تحول التنسيق الامني الى عنصر في النشاط العملياتي، حيث يغذي المخابرات وايضا يتأثر بها.

قوة عسكرية ذات خبرة مهنية متخصصة

الجيش الإسرائيلي مسؤول عن عدد متنوع من القدرات العملية، فقط جزء منها له علاقة بمحاربة "الإرهاب". ان محاولة تأهيل كل وحدات الجيش لمحاربة "الإرهاب" مصيرها الفشل. ثمة دليل على ذلك وهو المستوى المتوسط الذي اظهره الجيش الإسرائيلي في حرب لبنان الثانية، والتي جرت فورا بعد انهاء الانتفاضة الثانية، نظرا لأن المهنية الكبيرة لوحدات الجيش الاسرائيلي، والتي طبقت في "يهودا" و"السامرة"، لم تترجم الى قتال مهني في الساحة الشمالية. أحد العبر التي تم استخلاصها هي الحاجة الى مهنية متخصصة للوحدات العسكرية. شكلت وحدات ومن بينها لواء كفير (لواء 900) في سنة 2003، ولكن فقط تحت قيادة رئيس الاركان، الجنرال جادي ايزنكوت، تقرر ان يركز هذا اللواء على النشاطات في "يهودا" و"السامرة"، مع إلغاء مجمل المؤهلات والوسائل المخصصة له للقتال في القطاعات الأخرى. كما تم إنشاء وحدات تكتيكية بارزة للقتال في الميدان، من بينها "ياماس"، هي وحدة خاصة تابعة لحرس الحدود، و"دفدفان"، والتي تشكل وحدات خاصة لهذا القطاع.

عن موقع "معهد بحوث الأمن القومي"