16عاماً مضت على التاريخ الأسود في حياة الشعب الفلسطيني، 14 حزيزان/ يونيو 2007، يوم اقتتل الأخوة على سلطة وهمية تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي. فبسيطرة حركة حماس على غزّة كسلطة أمر واقع ورفض العالم الاعتراف بشرعيتها عاني ولا زال القطاع من حصار ممتد حتى الآن على مدار سنوات الانقسام. بينما يعمل الاحتلال الإسرائيلي طول الوقت على إضعاف حركة فتح التي تتولى مقاليد السلطة الفلسطينية باقتحام المدن واحتجاز أموال المقاصة التي تُشكل العمود الفقاري لميزانية السلطة.
في المحصلة يتعامل الشعب الفلسطيني مع سلطتين في غزّة والضفة. وقد فشلت كل جهوده رغم تضحياته الجسام بعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى والمبعدين في دفع قيادات "حماس وفتح" نحو وضع نهاية لهذا الانقسام، فجولات المصالحة التي امتدت على مدار سنوات الانقسام في كل عواصم العالم فشلت في إنجاح هذه المهمة.
بينما هرولت أطراف عربية وإقليمية إلى تغذية الانقسام بالمال والاستفراد بالقرار السياسي الفلسطيني الذي أصبح رهينةً لبعض هذه الأطراف؛ الأمر الذي أدى إلى تجذر الانقسام واستحالة العودة إلى ما قبل تاريخ 14 من حزيران 2007.
ما سبق يطرح تساؤلات حول وجود أفق لنهاية الانقسام في ظل الظروف السياسية الراهنة من عدمه؟!، وأيّ تداعيات للحديث عن دولة غزّة في ذكرى الانقسام، وما مستقبل الضفة في ضوء تواصل الانقسام؟!.
لا أفق لنهاية الانقسام
بدوره، رجّح الكاتب والمحلل السياسي، أحمد رفيق عوض، عدم إنهاء الانقسام الفلسطيني في الفترة المقبلة؛ لأنُه تحول إلى مؤسسة كبيرة يستفيد منها الكثيرون، لافتاً إلى أنَّ الاحتلال الإسرائيلي أول المستفيدين؛ لذلك يُغذي الانقسام ويمنع تسويته بالقوة.
ورأى عوض، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر"، أنَّ مؤسسة الانقسام أصبحت قوية وتُدافع عن نفسها، تارةً بالشروط وأخرى بالأفكار وأخرى بالأجندات وليس أخيراً بالمطالب المالية، وبالتالي مؤسسة الانقسام أصبحت لا تُدافع عن نفسها فقط بل تُبرر نفسها أيضاً، بمعنى الانقسام قائم لأنَّ هناك خلافات كبيرة وعميقة حول التعامل مع المحتل وحول منظمة التحرير الفلسطينية وتقاسم السلطة وتقاسم الوظائف وهكذا.
وأشار إلى أنَّ مؤسسة الانقسام التي أصبح عمرها 16 عاماً، بات لها تاريخ ومؤسسات، مُوضحاً أنَّ سبب قوة مؤسسة الانقسام يعود إلى عدم وجود أطراف لديها القدرة على تمويل المصالحة التي تحتاج إلى دعم سياسي وأمني ومراقبة ولوبي عربي قوي لحمايتها.
وبيّن عوض، أنَّ الانقسام بات يُغذى بالبعد الجغرافي، بالإضافة إلى عدم توفر إرادة حقيقية لإنهاء الانقسام؛ وبالتالي المصالحة بعيدة.
أما عن الحديث عن تسهيلات لغزة مقابل هدنة بالتزامن مع ذكرى الانقسام، قال عوض: "إنَّ حديث الهدنة، يجب التعامل معه بحذر لأنّه جاء من مصادر إسرائيلية، لكِن ربما يأتي يوم وهو قريب يتم القول إنّه بسبب الظروف السياسية الراهنة وعدم وجود مصالحة، سيتم التعامل في غزّة ككيان منفصل له تحديات مختلفة بسبب البعد الجغرافي والواقع السياسي وبالتالي يتحول الانقسام إلى انفصال بسبب الظروف الموضعية ووجود أطراف تُغذي الانقسام نحو الانفصال السياسي".
وكانت مصادر إسرائيلية، قد أشارت إلى اتفاق من ثمانية بنود تتركز كلها على تسهيلات تتعلق بمعبر رفح، واستخدام مطار العريش، وتوسيع مساحة الصيد إلى عشرين ميلاً، بالإضافة إلى مزيد من العمال ودخول بضائع، مقابل الموافقة على هدنة مزعومة.
وبالحديث عن تبعات الانقسام السياسي على المشروع الوطني الفلسطيني، رأى عوض، أنَّه سيؤدي إلى عدم وحدة تمثيل الفلسطيني، وإمكانية انفصال سياسي حقيقي؛ بمعني كيانية في غزّة وإدارة فلسطينية في الضفة الغربية.
وخلص إلى أنَّ إمكانية تقديم إغراءات كبيرة؛ ليتم التعامل مع الكيانية في غزّة، على حساب الحل النهائي، بمعنى الانقسام بديل عن أيّ حل نهائي للقضية الفلسطينية، لأنّه يُمكن تغذية كيانية غزّة بأنّها الحل؛ وهو الأمر الذي له انعكاسات خطيرة جداً.
اختراق "إسرائيلي" خطير في ملف الانقسام
من جهته، رأى الكاتب السياسي في جريدة الأيام، عبد المجيد سويلم، أنَّ الانقسام بشكله الحالي، أقرب إلى الانفصال عن الواقع، مُعتقداً أنّه إذا ما تمت التفاهمات بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي كلاً على حدى وما بين إسرائيل بوساطة مصرية، يستحيل الذهاب إلى تفاهمات لتصبح "هدنة طويلة الأمد"، بمعزل عن تفاهمات مع السلطة الفلسطينية.
وقال سويلم، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ الأمور تتجه نحو انفصال من نوع جديد يختلف من حيث الشكل عما هو قائم اليوم، بحيث يكون كيانين بصورة أو بأخرى، لكِن من الضروري التعاون فيما بينهما؛ لأنّه كيف يمكن الحديث عن السياسات المالية والمقاصة أو مسألة الغاز ووجود عشرات القضايا التفصيلية بين غزّة والضفة، وبالتالي لابد من التواصل ما بين غزّة مع رام الله لكي يكون للحديث ثمار".
وأردف: "حتى مصر ستحاول بطريقة أو بأخرى أنّ تكون التفاهمات ذات طابع شرعي ورسمي، بمعنى الذهاب للمرة الأولي لنوع من الشرعية لكيان ودولة غزّة وللدولة في الضفة على أنّ يكون بينهما هياكل معينة ومنسقة بالكامل".
وأشار إلى أنّ ما سبق ذكره من تفاهمات يُعزز دولة غزّة، ويعكس رغبات المجتمع الدولي، مُعتقداً أنّه يتم المضي نحو انقسام وانفصال مشروع، بمعنى وجود سلطتين معترف بهما، حتى لو كانت هناك حكومة عليا تُشرف على السلطتين وهي الاحتلال.
كما رأى أنَّ الأفق الذي سيذهب نحوه الشعب الفلسطيني هو انفصال شرعي بين سلطتين يوجد بينهما نوع من التنسيق الضروري، وبالتالي إنهاء الانقسام بالمعني الوطني لن يتحقق، الأمر الذي يُشكل خطورة كبرى على المشروع الوطني القائم على دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس.
وفي ختام حديثه، أوضح سويلم، أنَّ "إسرائيل" حققت ضربة استراتيجية من خلال البدء بالانقسام، وتُحقق اختراق كبير، بتحويل سلطة غزّة إلى سلطة معترف بها ومتعاونة مع السلطة الفلسطينية المعترف بها في الضفة، وذلك إذا مع أخذنا بعين الاعتبار التفاهمات التي تنص على إنهاء الحالة العدائية وهذا الأمر سينتقل للضفة وسيكون بين حماس والجهاد من جهة والسلطة في الضفة من جهة أخرى، ما يعني شرعنة الانقسام والانفصال وهذا هو أخطر ما في الأمر.
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، نشأت الأقطش: "إنّه لا يوجد أفق لإنهاء الانقسام؛ لأنَّ المصالح الكبيرة لأطراف الانقسام تدعم ذلك، وكذلك الاحتلال لديه مصلحة في استمرار الانقسام، مُضيفاً: "الانقسام سيتواصل إلى الأبد".
واعتقد الأقطش، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إسرائيل تُغذي الانقسام وهناك أطراف عربية تُغذيه أيضاً"، مُستدركاً: "لكِن توحد شباب المقاومة في نابلس وجنين في الميدان يُعطي إشارة قوية، أنَّ هناك حركة شعبية رافضة وغير مؤمنة باستمراره".
مشروع تحييد غزّة
وبالانتقال إلى الحديث عن دولة غزّة في الذكرى الـ16 للانقسام، قال الأقطش: "إنَّ الحديث صدر عن مصادر إسرائيلية، لكِن صالح العاوروي نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، نفى هذا الطرح"، مُوضحاً في ذات الوقت أنَّ الهدنة مقابل تسهيلات مطروح مُنذ العام 2014، حيث طرحته "إسرائيل" ورفضته حماس وفصائل المقاومة في غزّة.
وأكمل: "إعادة طرح الهدنة مقابل التسهيلات بغزّة في هذا الوقت، يُعبر عن رغبة إسرائيل في تحييد غزّة عما يجري في الضفة؛ لكِن بما أنّه لا يوجد تأكيد من حماس والفصائل في غزّة، فليس كل ما يُكتب في الصحافة الإسرائيلية صحيح".
وخلص الأقطش، في ختام حديثه، إلى أنَّ وحدة الشباب والفصائل في نابلس وجنين، تُعطي إشارة قوية بوحدة الشعب رغم الظلام الدامس الذي خلفته سنوات الانقسام، مُستدركاً: "لكِن تبقي هذه حركة تحرر وطني تحتاج إلى سنوات حتى تُحقق أهدافها في الوحدة الوطنية والاستقلال، ولا يجب حصرها في إطار أمني؛ لذلك الفجر قادم رغم كل العجز واليأس الذي نعيشه، والدليل انتفاضة الأفراد التي تُعد الأكثر خطورة على الاحتلال حيث يصعب السيطرة والقضاء عليها".