حين يُعلن الصيف عن قدومه، حتى تجد الكثيرين يتلفظون بعدة مصطلحات مرافقة لهذا الصيف، مثل "بطيخ وبحر، ذرة وكورنيش، عنب وتين الشيخ عجلين".
الذرة الصفراء أطلت هذا العام قبل دخول الصيف بشهر تقريباً، وسارع المواطنين لشرائها إما نيئة أو مسلوقة، وخصوصاً المستجمين على شاطئ البحر أو الذين يقصدون المتنزهات العامة.
هذه الفاكهة دوناً عن غيرها تُعدُ مصدر دخلٍ للكثير من العائلات، فأينما سرت في الطريق أو على ساحل البحر حتى تجد إناءًا كبيراً مملوءًا بالماء والذرة تشتعل تحته النيران لطهيها والكثير من المارة يقفون لشرائها سعداء ومستمتعين بطعمها اللذيذ الذي لا يُقاوم.
أدخر جزء من مربح البيع للزواج
البائع "عبد الله" شاب في العشرينات من عمره، يطمح أنّ يتحسن وضعه الاقتصادي ويستطيع إدخار مزيداً من المال من أجل أنّ يتزوج ويُكمل نصف دينه، فبحث وطرق عدة أبواب للعمل لكِنها جميعها كانت موصده في وجهه نظراً لعدم امتلاكه للشهادة الجامعية أو سنوات خبرة في مجال العمل، فكان يُقابل بالرفض من أيّ مؤسسة يطرقها، لذلك فكَّر في شراء بعض من حبات الذرة والاستعانة بإناء والدته الكبير فأشعل النار أمام منزله في معسكر جباليا شمال قطاع غزّة، ووضع قدر الذرة عليه وأخذ يبيع الأطفال ويجذبهم لشرائها بسبب رائحتها اللذيذة، حتى أصبح جميع مَّن في المخيم يشتري منه بالإضافة للمارة الغرباء عن المنطقة.
يقول عبد الله، لمراسلة "خبر": "دخلت في مرحلة من الإحباط نتيجة عدم حصولي على أيّ وظيفة أو عمل يُعينني على هذه الحياة، وقررت أنّ أبدأ بهذا المشروع الصغير كتجربة فبدأت بإناء أمي وبعض من الحطب والورق، وبعد أنّ رأيت إقبال الناس على شراء الذرة وحبهم لها قررت أنّ أشتري قدراً آخر ووضعته بجوار القدر الأول لكي ألبي طلبات الزبائن بسرعة، واستمريت بالبيع في القدرين طيلة الصيف العام الماضي".
"تيسير خلف"، الذي يجلس في متنزه الجندي المجهول بمدينة غزة، وراء عربة صغيرة يجرها ويعود للمنزل حين ينتهي من بيع الذرة للزبائن، يقول: "ليس لي مكان مُحدد أنا اليوم في المتنزه وغداً على كورنيش البحر وتارةً أخرى تجديني في الشوارع أو عند التجمعات أبيع الذرة في أكواب وعليها بعضاً من الفلفل الحار المطحون بناءً على طلب الزبائن، وليس ذلك كل ما أقدمه فقط للزبائن، فأنا أقدم الذرة الممزوجة بالجبنة وعليها التوابل والليمون وأضعها في فخارة صغيرة وأضعها في الفرن ومن ثم أقدمها للزبائن الخاصين الذين يطلبونها مني حين أعود للمنزل، فأنا أطهوها في المنزل وأرسلها لهم للعناوين التي يتركونها لي".
وأضاف خلف، في حديثه لمراسلة "خبر": "تلك المهنة فقط أمارسها في كل صيف، وفي الشتاء أبيع الخضار والفواكه في السوق أنا وابن أخي، أما عن ربحها فهي بالكاد تسترني أنا واخوتي وأمي وأبي، أحياناً يكون مكسبي يتراوح ما بين 20-30 شيكلاً طيلة اليوم، أخرج من الساعة التاسعة صباحاً وأعود للمنزل في الثانية عشر ليلاً أو حين تنتهي كل حبات الذرة التي معي، والحمد لله البيع والتعب الذي أراه في اليوم والجري بالشوارع وراء رزقي، هو أفضل ألف مرة من الجلوس في البيت وجيبي فارغ ولا يوجد في بيتي الطعام".
يُذكر أنَّ الذرة الصفراء تُعتبر من أهم المحاصيل الزراعية الصيفية في قطاع غزّة، نظراً لسهولة زراعتها حيث تحتاج إلى رعاية أقل من باقي المحاصيل، بالإضافة إلى نسبة تسويقها الداخلي المرتفعة، وتتمتع بإقبال من الغزّيين نظراً لمذاقها المحبب وتعدد استعمالاتها وسعرها المعقول، حيث يصل سعر النوع الجيد منها ما بين نصف شيكل إلى شيكل واحد للقطعة الواحدة ويزيد الإقبال على الذرة المزروعة في بيت لاهيا شمال قطاع غزة لجودتها.