واشنطن تحارب بكين بنيودلهي

تنزيل.jfif
حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 

 

زيارة تاريخية ومهمة للغاية تلك التي يقوم بها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الولايات المتحدة الأميركية في ظل الحفاوة التي استقبل فيها الرئيس جو بايدن ضيفه الهندي، وسط الحديث عن صفقات تجارية وعسكرية ورفع مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين.
واشنطن مهتمة كثيراً بتعزيز التعاون السياسي والعسكري مع نيودلهي لأسباب كثيرة، أولها الحد من سيطرة روسيا على سوق السلاح في الهند، وكذلك منع الأخيرة من الاتكال الكلي على موسكو في موارد الطاقة التقليدية.
يلحظ أن العلاقات الروسية - الهندية جيدة جداً، إذ استفادت نيودلهي من الحرب الروسية على أوكرانيا بالحصول على موارد الطاقة التقليدية من موسكو بأسعار رخيصة، ومقابل ذلك فضّلت ممارسة سياسة عدم الانحياز في هذه الحرب لتأمين مختلف احتياجاتها العسكرية وخلافه.
سبب آخر يدفع واشنطن لتعزيز علاقاتها مع نيودلهي التي أصبحت الأولى على العالم من حيث التعداد السكاني بحوالي مليار و400 مليون نسمة، إذ ترى الولايات المتحدة في التحالف السياسي والاقتصادي مع الهند مرحلة مهمة في نقل آلاف الشركات الأميركية من بكين إلى نيودلهي.
تحاول الولايات المتحدة منذ فترة نقل شركاتها إلى دول أخرى غير الصين، مستفيدةً من رخص المواد الأولية ورخص العمالة، وكذلك منع بكين من الهيمنة على الاقتصاد العالمي، وتعتبر الهند واحدة من الدول التي ترغب واشنطن الاستثمار فيها.
أما السبب الثالث فهو مرتبط بالعلاقة المرتبكة بين الصين والولايات المتحدة، وكون الأولى مجاورة للهند وتشترك معها في الحدود، فإن واشنطن ترى في الهند حليفا جديدا يمكنه أن ينفذ الأجندة الأميركية ضد التوسع الصيني في العالم.
قبل كل ذلك، يبدو أن السياسة الهندية منفتحة على مسألة الذهاب في العلاقات مع الولايات المتحدة إلى مستويات أفضل من الحالية، بشرط عدم إثارة ملف حقوق الإنسان في الهند، ومن المستبعد أن يثير الرئيس بايدن هذا الملف على الرغم من مطالبة عدد من الديمقراطيين في الكونغرس فتحه خلال زيارة مودي.
نيودلهي التي بدأت تبحث في موضوع تنويع صادراتها من السلاح، وعدم الاعتماد الكلي على السلاح الروسي، ستحاول الاستفادة من واشنطن للحصول على أثمان مرضية، تتعلق بتعزيز الاستثمارات التجارية والعسكرية الأميركية في السوق الهندية، والأهم نقل المعرفة في بعض القطاعات التصنيعية الحيوية المرتبطة بإنتاج المحركات النفّاثة والطائرات بدون طيّار.
ستحاول الولايات المتحدة إرضاء الهند بمختلف السبل، لأن ذلك سيعني بالنسبة لها أولاً: فتح المجال أمام تصدير السلاح الأميركي إلى هذا البلد - الهند، الذي يعتبر الأول على العالم في استيراد السلاح بنسبة تتجاوز 12% من إجمالي واردات الأسلحة عالمياً.
وثانياً: يمكن القول، إن دفع واشنطن لتحسين علاقاتها مع نيودلهي من شأنه أن يؤثر على العلاقات الجيدة بين الأخيرة وموسكو، خصوصاً أن الولايات المتحدة ستحاول إلحاق الهند بالقاطرة الأميركية وضمان تبعيتها للغرب.
ثالثاً: من غير المستبعد أن تلجأ واشنطن لشيطنة الصين أمام الهند وتوليد شرارة قد تؤدي إلى نشوب حرب باردة بين البلدين المجاورين، وبذلك تتحقق الرغبة الأميركية في محاولة إضعاف النفوذ الصيني عبر طرف ثالث هو الهند كما يحصل الآن بين موسكو وكييف.
من مشهد حفاوة الاستقبال التي حظي بها رئيس الوزراء الهندي مودي، يلحظ أن إدارة بايدن ترغب في الاستثمار بهذه العلاقة وتنميتها بما يحقق المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، ويضمن معها إشغال الصين بمسألة الصعود الهندي ومحاولة لجمه.
سيعود مودي إلى بلاده وفرحة الزيارة ممتلئة على وجهه، وكله تفاؤل من أن التعاون الاقتصادي والعسكري مع الولايات المتحدة سيحقق فوائد للهند الواعدة. غير أنه ربما لا يدرك أن واشنطن يهمها أن تكون في الطليعة ومستعدة للتضحية بحلفائها حتى تبقى القوة الأهم والأقوى في العالم.
نعم من المحتمل أن تنفخ أميركا في الهند وترفع من شأنها وتعزز معها الشراكات الأمنية في الصيغ الثنائية وفي محوري "الناتو" والرباعي "الكواد" الذي يضم الولايات المتحدة واستراليا والهند واليابان، حتى تجد اللحظة المناسبة لخلق نزاع بين الصين والهند.
أيضاً تدرك واشنطن أن الهند دولة صاعدة وتملك الإمكانات التي تضعها على مسار الدول المؤثرة بقوة في العالم، ولذلك لن تستنسخ "صين" ثانية في النموذج الهندي حتى لا تصبح أمام دول منافسة على المسرح العالمي، ما يعني أن واشنطن ستكون حذرة للغاية في مراقبة النمو الهندي وإمكانية إخضاعه واحتوائه بالطرق الشرعية وغير الشرعية.