المُعجزة بيد الفلسطينيين

image_processing20220528-1757358-ivs3ys.jpeg
حجم الخط

بقلم: تمارا حداد.

 

 

 على مدى التاريخ البشري ابتكرت الشعوب المُضطهدة أساليب بُغية تحقيق مآربها وانتزاع مصيرها من القوى المُحتلة، والشعب الفلسطيني لم يكن أقل حظاً في مسيرته النضالية إذ مر تاريخه من المُنعطفات الرئيسية التي تعتبر شواهد في محطات الكفاح الفلسطيني حيث كان أبرزها انتفاضة الحجارة التي استطاعت أن تُحقق نتائج باتت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق مشروع الدولة لولا التآمر الدولي والتشرذم الفلسطيني الذي أنهك المشروع.
حيث أن القضية الفلسطينية دخلت بتفجير الانتفاضة مرحلة الإبداع الفلسطيني كعملاً سياسياً ساخناً في إطار حركة جماهيرية واسعة النطاق ذات طابعاً تنظيمياً وتأطيري للوصول لأهداف مُتعددة ذات أبعاد استراتيجية تتجاوز المطالب الإدارية والمعيشية وتفرض مطالب سياسية، انتهت الانتفاضة وبدأ الشعب الفلسطيني باختراع أساليب أخرى إما عبر المقاومة سواء بعمليات فردية أو مُنظمة لمواجهة المُحتل أو أساليب سياسية دبلوماسية قانونية، ولكن بعد مرور السنين تحولت القضية من مطلب سياسي إلى مُعاشي بحكم الأمر الواقع من قبل الاحتلال الذي أنهك المشروع ولم يبقى أي أمل لإقامة دولة فلسطينية مترابطة الجُغرافيا والديمُغرافيا وهذا إشارة إلى عدم توافق الأدوات من قبل الفصائل بمشروع وطني مُحدد نتيجة الانقسام السياسي بين أطراف النزاع (الفلسطيني_الفلسطيني).
لم يعد هناك خيارات لإنقاذ الموقف إلا بتعزيز وسيلة تشابه الانتفاضة الشمولية قبل حدوث العملية العسكرية الشاملة من قبل الاحتلال كونها مسألة وقت بالنسبة له فهي في الأجندة الروحية الحالية، لكن وجود التهديدات المُختلفة يريد الاحتلال حاليا تحييد كل تهديد على حِدة حتى يتسنى الوقت المُناسب لشن عملية عسكرية شاملة هدفها إنهاء الكينونة الفلسطينية تماماً وهذا أيضاً مسألة وقت ما بين خمس لعشر سنوات وقد يكون أقل من ذلك بسبب التشرذم (الفلسطيني-الفلسطيني) وتغليب المُحاصصة والمُغالبة على المصلحة العامة وأمام غياب واضح من قبل المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال بإيجاد حل عادل للقضية رغم اليقين أن من بنى القاعدة الصهيونية لن يقف إلى جانب الواقع الفلسطيني.
إن المبدأ العام لتحقيق نتائج إيجابية لا بد من مقومات نضالية لبلوغ الأهداف العليا من بينها استخدام كافة أساليب المقاومة طويلة الأمد والوحدة الوطنية جماهيرياً وتنظيمياً لإنقاذ ما يمكن انقاذه بعد تحويل مشاريع الاستيطان بيد سموتريتش المسؤول عن الإدارة المدنية وهذا يعني الضفة الغربية "يهودا والسامرا" والتي تُعتبر أهم من تل أبيب حسب العقيدة الدينية التي تُؤمن بلا تنازل عن الضفة الغربية والقدس فهما في صلب المشروع الديني التوراتي ويؤمنون بقيام حرب شاملة لقيام السيد المسيح فحسب ايمانهم هو من سيخلصهم من العرب والفلسطينيين.
ما يحدث من إبداع وبسالة الأفراد الفلسطينيين في مقاومة المحتل رغم ضعف الإمكانيات ليس الهدف منه استمرار دوامة العنف في المنطقة بل لإيجاد حلول سياسية للقضية وردات فعل طبيعية لما يقوم به الاحتلال من جرائم إبادة حرب واقتحاماته المستمرة لمناطق الضفة الغربية لإنهاء الحالة النضالية وتعزيز مشاريعهم بالقوة العسكرية وفرض واقع بأن يستسلم الشعب الفلسطيني وان يقبل بثلاث خيارات طرحها سموتريتش وهي إما العيش بسلام وكعبيد من الدرجة الثانية تحت اطار دولة الاحتلال واما الهجرة واما الموت وهذا ما يريد تعزيزه المحتل امام غياب واقع وطني موحد فصائلياً وتنظيمياً رغم وحدة الميدان في ميادين المواجهة والصدام مع المستوطنين الذين يعربدون بحماية ودعم الاحتلال في مناطق الضفة الغربية .
لذا ليس غريباً أن يُبدع الشعب لتحطيم القيود وافشال مؤامرات التصفية والاجهاض مرسخين قيم نضالية حضارية مكفولة في القانون الدولي، ما يحتاجه الشعب الفلسطيني تشكيل كيان معنوي وسياسي وكفاحي جماهيري في كل بقاع الجغرافيا الفلسطيني مستمراً لتحقيق هدف الخلاص والاصرار على الحياة والحرية والكرامة والاستقلال الوطني عبر انتفاضة مرهونة بتحقيق أهداف وما يساعد ذلك استحالة احباط الجماهير الفلسطينية مهما طال أمد الصراع (الفلسطيني_الاسرائيلي) وامام استحالة تصفية القضية سياسياً وامام استحالة الحسم العسكري وقلع جذور المقاومة مهما ضعفت إلا أنها تُعاد لتنهض أمام مظلومية ما يحدث في الواقع الفلسطيني.
الواقع الحالي يتطلب مزيداً من الجرأة والشجاعة السياسية للقيام بخطوات جوهرية لبناء رؤية وطنية لتثبيت المواطن الفلسطيني مُتجاوزاً الخلافات الفصائلية على الساحة ادراكاً منه لأهمية الحفاظ على وحدة الجماهير لانهم الأساس للثورة بكل تشكيلاتهم وتعزيز الغطاء السياسي لاهداف ثورة تخدم الاهداف الوطنية اضافة الى تأمين حماية دولية وفق القوانين والاعراف الدولية للجماهير الفلسطينية نتيجة الضرر والقمع من الاحتلال وخلق جبهة واسعة من العلاقات مع المؤسسات الدولية للتضامن مع اي واقع جديد يُعزز ثورة شعب، فقرار المواجهة وارادة الصمود وممارسات الشعب بالامكانيات المتوفرة خير ألف مرة من سياسة الرهان على العامل الزمني والتستر والاختفاء وراء شعار التوازن الاستراتيجي محدثة انقلاباً في فهم معادلة التوازن في الصراع مع الاحتلال واسقاط مفاهيم بان الشعب الفلسطيني لن يتحرر طالما لا يملك الطائرات تفوق طائرات العدو عدداً ونوعاً ودبابات تفوق دباباتهم فالمعارك لا تقاس بهذا المنظور اذا كان هناك ارادة وطنية سياسية فعلية موحدة على ارض الواقع وامتلاك القرار بقيادة وطنية كون الرهان على عامل الزمن لا يمكن ان يكون ضمن أحادي الجانب فعامل الزمن الآن في صف الاحتلال وليس القضية الفلسطينية ضمن منظور التوازن الاستراتيجي فالاحتلال قائم في جل تفكيره على الاهتمام الاستراتيجي ضمن عامل الزمن والتفكير لابعد الحدود.
أمام فهم الشعب هذه الحقيقة لابد من مواصلة طريق النضال بكل الوسائل لعدم ادخال الصراع في حالة جمود بانتظار معجزة اقليمية او دولية بعد التفكير بمصالحهم دون النظر الى القضية الفلسطينية بانها مفتاح السلام في المنطقة، ان فعالية اي جهد فلسطيني له تأثير اكبر من الرهان على مجتمع دولي لانه هو الوحيد الذي يُقلق المحتل ويُوقع خسائر في اوساطه.
ان انتفاضة جديدة ولو برؤية مختلفة عن انتفاضة الحجارة بمثابة العنصر الحاسم الذي يفك رهان الانتظار كونها تُحقق الردع وتخلق حالة من الانهيار النفسي والمعنوي للمُحتل وتُزعزع النظريات الامنية وتنقل المعركة الى داخله وتُجبره لتحقيق اهداف سياسية من خلال التميز الفلسطيني والاعتماد على جماهير الشعب وطاقاته والمقدرة على المبادرة والاعتماد على الذات الفلسطينية عبر تراكم الفعاليات الوطنية في الوطن المحتل وتعميق الانتماء الوطني وتنمية الوعي السياسي وبلورة وزيادة الالتفاف الجماهيري حول البرامج الوطنية بعد تصويبها سواء على مستوى منظمة التحرير وانتخاب قيادة بشكل ديمقراطي لاختيار قادة تُحقق لهم الاهداف دون التذرع بذرائع واهية بعدم جدوى العملية الديمقراطية فهي على الاقل تُعيد التواصل ديمغرافياً بين القطاع والضفة والبدء في انقاذ ما يمكن انقاذه عبر تصويب مشروع وطني لمؤسسات وطنية بحاجة الى تجديد.