منذ أن أصبح بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة الإسرائيلية الجديدة التي تشكلت في أعقاب الانتخابات العامة الأخيرة التي أُجريت في الأول من تشرين الثاني من العام الماضي، لم يحظ بدعوة إلى البيت الأبيض ولقاء الرئيس جو بايدن، والسبب هو انزعاج الإدارة الأميركية من سياسة حكومة نتنياهو وخاصة على المستوى الداخلي، وكرد فعل على ما يعتزم تطبيقه من «إصلاحات» في النظام القضائي. هذا عدا عن وجود وزراء غير مرغوب فيهم في الحكومة مثل بتسليئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. فتركيز إدارة بايدن هو على ما تسميه القيم المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وخاصة قيم «الديمقراطية» التي تتبدى في الفصل بين السلطات. وعلى اعتبار أن «إصلاحات» نتنياهو هي عبارة عن انقلاب على قواعد الديمقراطية وتكريس لنظام ديكتاتوري تتحكم فيه السلطة التنفيذية. وهذا من وجهة نظر أميركا وأوروبا أشبه بنظام رئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان الذي يشغل منصبه منذ عام 2010، وسبق له شغل هذا المنصب بين عامي 1998-2002 في طريقته في إدارة البلاد.
الرئيس بايدن غاضب أيضاً من سياسة الحكومة الإسرائيلية الاستيطانية ومن جرائم الجيش والمستوطنين في الضفة الغربية، ومن تصريحات أركان حكومة نتنياهو بمن فيهم الأخير نفسه المناقضة تماماً لمبدأ حل الدولتين، والاستمرار في البناء الاستيطاني المكثف بما في ذلك العودة للمستوطنات التي أخليت في عام 2005 في شمال الضفة الغربية، والإعلانات الاستفزازية المتكررة عن بناء آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية في الضفة، والسعي لترحيل الفلسطينيين في منطقة (ج)، وخاصة في الخان الأحمر ومسافر يطا، وهدم البيوت والمنشآت. وكل محاولات نتنياهو للوصول لواشنطن فشلت، بل أن الرجاء المتكرر لتغيير موقف سيد البيت الأبيض اصطدم بمعارضة شديدة تبررها المواقف الإسرائيلية المتطرفة.
وحتى لا يحدث أي لبس فيما تقدم لا تقاطع الولايات المتحدة حكومة إسرائيل بسبب سياستها تجاه الفلسطينيين حتى لو أغضبت هذه السياسة واشنطن وأحرجتها بشدة، خاصة بعد الحرب الأوكرانية وانكشاف أكاذيب الانتصار لحقوق الإنسان والقانون الدولي، وسياسة الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة في كل ما يتعلق بالجرائم الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني. فالموقف الأميركي والغربي عموماً ضد روسيا يقابله موقف متسامح وداعم لإسرائيل يمنحها حصانة ويشجعها على المضي قدماً في جرائمها رغم الإحراج وعدم الموافقة على سياساتها. فإسرائيل لا تزال البنت المدللة للاستعمار الغربي وإحدى ركائزه المهمة في الشرق الأوسط. وبالتالي لا يشكل الانزعاج من سياسة إسرائيل مبرراً لمقاطعة نتنياهو. والسبب الأساس في تجاهله هو ما يقوم به من اجراءات لتغيير نظام الحكم. وهو ما يغضب اليهود في أميركا الذين تصوت غالبيتهم الساحقة لصالح الحزب الديمقراطي الذي يقوده بايدن.
لقد سئم نتنياهو تكرار الرجاء ومحاولات استرضاء بايدن لكي يوجه له دعوة لزيارة البيت الأبيض التي هو بحاجة ماسة لها. وتعتبر عدم دعوته نقيصة كبيرة ومسألة محرجة جداً أمام المعارضة والرأي العام الإسرائيلي. ويبدو أنه يحاول الآن استفزاز واشنطن علها تغير موقفها من خلال اتصالاته بالصين وطلب زيارة بكين ولقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ الشهر المقبل. وتقول المصادر الإسرائيلية أن الترتيبات لهذه الزيارة تجري بين مكتب نتنياهو ومكتب الرئيس الصيني. وهي محاولة من نتنياهو لاغضاب بايدن خصوصاً وأن الصين أظهرت استعدادها للتوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين في عملية سياسية للتوصل إلى تسوية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. والموقف الإسرائيلي كان طوال الوقت يقوم على عدم قبول أية وساطات غير الوساطة الأميركية لأن الأخيرة مضمونة في الوقوف لجانب إسرائيل وعدم إحراجها أو الضغط عليها بصورة تناقض الموقف الإسرائيلي.
صحيح أن لقاء القمة الصيني- الإسرائيلي إن حصل لن يحدث تغييراً جدياً في الموقف الإسرائيلي تجاه فكرة حل الدولتين والتوصل إلى تسوية على أساسها، فنتنياهو يقول أنه يجب اجتثاث تطلع الفلسطينيين إلى دولة مستقلة. وحكومته قائمة على الاستيطان والضم، ولكن مجرد الحوار مع الصينيين والتعامل معهم كطرف يمكنه أن يكون على علاقة بأي قضية تتعلق بالصراع هو في حد ذاته أمر يستفز واشنطن التي تريد احتكار الملف طبعاً دون القيام بأي دور حقيقي لإنهائه والتوصل إلى حل يمكنه أن يرضي الطرفين.
نتنياهو المحشور بين المعارضة الإسرائيلية، التي تضغط عليه كثيراً وتهدد بإسقاط حكومته من خلال تصعيد حركة الاحتجاج وصولاً إلى شل الاقتصاد والعصيان المدني، وبين الضغوط الدولية المتزايدة وخاصة من طرف الولايات المتحدة، يحاول على ما يظهر أن يغير قواعد اللعبة وحتى لو كان يغامر وإلى حد ما يلعب بالنار. فهل يستطيع استفزازه لبايدن أن يغير موقف الأخير تجاهه أم العكس هو الذي سيحصل؟ هذا ما سنراه لاحقاً في تطور العلاقة بين تل أبيب وواشنطن.