بينما تسعى روسيا إلى التعافي من التمرد الفاشل لمجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية بقيادة يفغيني بريغوجين، تحول مصير هذه المجموعة إلى همّ غربي أيضاً، مع انتقال بريغوجين إلى بيلاروسيا المجاورة لبولندا وليتوانيا، البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي.
في هذا السياق يسأل الرئيس البولندي أندريه دودا: "ما الغاية فعلياً من (وجود) قوات مجموعة فاغنر، أي عملياً الجيش الروسي، في بيلاروسيا تحديداً؟ هل هدفها احتلال بيلاروسيا أو إيجاد تهديد إضافي من الشمال نحو أوكرانيا، عبر التلويح بهجوم محتمل على هذا البلد من بيلاروسيا؟ أم إن هذا شكل من أشكال التهديد المحتمل لبلادنا في حلف شمال الأطلسي، لبولندا؟".
وسعى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، إلى توفير جواب عن التساؤل البولندي، بالتأكيد أن الحلف سيقر تعزيز دفاعاته في قمة ستعقد الأسبوع المقبل في ليتوانيا بغية حماية كل أعضائه، خصوصاً أولئك المحاذين لبيلاروسيا.
وشرعت الولايات المتحدة في فرض عقوبات على مجموعة "فاغنر" في أفريقيا، وبدأت تطرح تساؤلات عن التأثير الذي سينجم عن قرار روسيا دمج مقاتلي المجموعة في الجيش الروسي. ومعلوم أن هناك مقاتلين لـ"فاغنر" في سوريا وليبيا ومالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى. كيف سيجري التعامل مع هؤلاء عندما يصيرون تابعين لوزارة الدفاع الروسية؟ هذا محور تركيز المسؤولين الدبلوماسيين والاستخباريين في واشنطن، على ما كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية الأربعاء.
في بداية التمرد الذي قاده بريغوجين السبت الماضي، ربما اعتقد الغرب لوهلة أن من شأن ذلك إضعاف الرئيس فلاديمير بوتين، والتعجيل في إنهاء الحرب الأوكرانية. وسرعان ما تبين أن بريغوجين لو نجح فعلاً في دخول موسكو، فإن مضاعفات مثل هذه الخطوة الخطيرة، لن تقتصر على روسيا فحسب بل على أوروبا والعالم.
من هذه الفرضية يمكن النفاذ إلى طرح سؤال أكبر حول ما يمكن أن ينشأ على هامش الحرب في حال استمرارها على ما يعمل له الغرب، من طريق شحن المزيد والمزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، من دون أن يترافق ذلك مع أي حديث عن تسوية دبلوماسية؟
هل يتخيل الغرب ماذا كان ستكون عليه الحال لو فعلاً سيطر بريغوجين على القرار في أكبر دولة نووية في العالم؟ ليس معروفاً عن بريغوجين أنه رجل مسالم. إن جوهر النزاع بينه وبين قيادات الجيش الروسي، يكمن في أن الجيش لا يمارس ما يكفي من القوة للانتصار في الحرب، فضلاً عما كان يصفه بالتلكؤ في تزويد مقاتليه بالأسلحة المناسبة كي يحققوا اختراقات أكبر على الخطوط الأمامية.
0 seconds of 0 secondsVolume 0%
إن تركيز الغرب على إضعاف بوتين، لن يؤدي إلا إلى كارثة في المستقبل قد تكون أخطر بكثير من ظاهرة بريغوجين.
ثم أين المصلحة الفعلية للغرب في نشوب حرب أهلية في روسيا؟ من السذاجة الاعتقاد أن حرباً أهلية روسية لن تنجم عنها أخطار تفوق أضعافاً مضاعفة كارثة الحرب الروسية-الأوكرانية.
إن تفتيت روسيا، سيكون مختلفاً عن تفتيت الاتحاد السوفياتي. تفتيت الاتحاد السوفياتي نجمت عنه حروب بين جمهورياته السابقة، التي لا تملك أسلحة نووية. أما تفتيت روسيا فلن يقود سوى إلى كارثة ربما كان الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو محقاً في التحذير منها عندما قال "إذا سقطت روسيا فسنبقى كلنا تحت الأنقاض".
الخيار الأكثر واقعية والأجدى لروسيا وأوكرانيا وأوروبا والعالم، هو التعجيل باعتماد الدبلوماسية والحوار سبيلاً إلى إنهار النزاع الروسي-الأوكراني.
إن نظاماً ضعيفاً في روسيا يمكن أن يكون أخطر بكثير من نظام قوي. وإذا كان المقياس هو خسارة بوتين للحرب في أوكرانيا، كما يفاخر الرئيس الأميركي جو بايدن، فإن ذلك يفتح الباب على أكثر من بريغوجين.