خلافة عباس... كيف ومَن؟

08131783070030779318284182254500.jpg
حجم الخط

بقلم نبيل عمرو

 

 

بعد أن بلغ الرئيس محمود عباس الثامنة والثمانين، ازداد الحديث عن خلافته، أو مرحلة ما بعده، مع أنه يتصرف كما لو أنه يعيش أبداً.

الغريب في الأمر، أن أقل من يثير هذه القضية في المعالجات «العلنية» هم الفلسطينيون، وأكثر من يثيرها هم الإسرائيليون، وقد أنتجت هذه الحالة ميزة إسرائيلية ثمينة؛ وهي احتكار المسألة والانفراد في التأثير على الرأي العام، حتى على مستوى طرح الأسماء والفرص، وكيف يتعين على الدولة العبرية التصرف، إذا غاب عباس فجأة عن المشهد تاركاً وراءه حالة فلسطينية تسودها الفوضى والصراع الداخلي؟

وحين تغيب المعالجة الإعلامية بفعل الحذر وعدم الرغبة في الارتطام بالزجاج، تزدهر النقاشات الشعبية؛ ليس فضولاً وإنما بفعل القلق من الغموض والخوف من الفراغ الذي ستملأه الفوضى. وفي كل النقاشات لا يُستبعد شبح اقتتال مسلح بين المتصارعين، سواء داخل الحركة الوريثة «فتح» أو على مستوى أوسع، وهنا تدخل «حماس» كطرف متربص لا يتحدث كثيراً في الأمر، ولكنها تعمل أكثر عليه.

وفي الحالة الفلسطينية، فإن كل صغيرة وكبيرة فيها تتصل بصورة مباشرة وغير مباشرة بإسرائيل، التي بوجود عباس وبغيابه صاحبة النفوذ والتأثير في المسارات والمآلات، ولعل في ذلك يكمن الاهتمام الملح فيما سيجري بعد عباس، وكيف تتدخل إسرائيل في الأمر؟ الأسماء المتداولة في أمر الخلافة مصدرها ترشيحات إسرائيلية، يبدو من السذاجة اعتبارها بريئة أو موضوعية، فإسرائيل التي تسعى للسيطرة طويلة الأمد على الحالة الفلسطينية بإجمالها، تعد من سيأتي بعد عباس جزءاً من رؤيتها لسياسة وترتيبات السيطرة، لهذا تعرض سيناريوهات متعددة، تطرح فيها كل الاحتمالات المتصلة بالأشخاص المقترحين من قبلها، والشيء الوحيد الذي تتجنبه ويتجنبه غيرها من اللاعبين في الحلبة... هو الانتخابات، التي تخشى إسرائيل أن تأتي برئيس غير ملائم لأجندتها، بعد أن توفر الشرعية الشعبية التي حظي بها... مساحة استقلال تعترض المسار الإسرائيلي المتقدم بقوة نحو السيطرة المنشودة، كما ستوفر له دعماً دولياً مؤثراً حتى من قبل أصدقاء إسرائيل الذين لا يملكون إلا التعامل مع رئيس منتخب، اختاره الفلسطينيون بمحض إرادتهم، وعبر أرقى الوسائل... صندوق الاقتراع.

الظاهرة الملفتة التي تتميز بها المواقف المختلفة من مسألة الرئاسة الفلسطينية، أن شرط الانتخابات يغيب تماماً... وأن الخوف مما ستنتجه الانتخابات هو المبرر المتفق عليه لتجنبها، لذا يُطرح «تخويف» أن يتولى رئيس المجلس التشريعي المنتخب، وهو من «حماس»، الرئاسة المؤقتة حسب النظام الأساسي الذي هو دستور السلطة، ولو تم تجاوز هذه المسألة باتفاق أو تفاهم ضمني على أي بديل، فستظهر حكاية أن يفوز «حمساوي» بالرئاسة، وهذا يكفي لاستبعاد فكرة الانتخابات. مع أن الجميع يقر من جهة أخرى بأن استمرار الوضع الراهن وسحبه على مرحلة ما بعد عباس... يكون الأخطر والأشد إلحاقاً للأذى.

السلطة الفلسطينية... الضعيفة والمرتبطة وجوداً وعدماً بالحبل السري الإسرائيلي... هي الخيار الإسرائيلي الأول؛ أي الأخير كذلك، لكونها تفيد في أمر سيطرتها المنشودة حاضراً ومستقبلاً.

إلا أن استمرار السلطة وفق ما تصممه إسرائيل لها، يبدو أمراً غير مضمون، إذ إنها بذلك تتكرس كعبء ثقيل على الملايين الفلسطينية، التي تجمع على رفض حكمها وشرعيتها ما دامت تستمد وجودها ومساحة عملها مما تسمح به إسرائيل، وستكون كذلك مرشحة دائمة للانهيار، وهذا يضع الجميع أمام حالة تستحيل السيطرة عليها، ولن تنجو إسرائيل من الضرر حين تجد نفسها وجهاً لوجه مع ملايين الفلسطينيين وقد أزيل الحاجز الذي كانت تستفيد منه في مجال السيطرة.

الوضع الذي يُفرض على الفلسطينيين، من خلال بقاء السلطة ضعيفة، وبقاء الاحتلال والاستيطان والسيطرة الإسرائيلية على الحياة والمقدرات والآفاق، سيجر حتماً إلى كوارث ينتجها الفراغ والفوضى وانعدام المرجعية.

فلا إسرائيل قادرة على ابتلاع الحالة الفلسطينية مهما بلغ ضعفها، ولا الإقليم قادر على تفادي التداعيات الكارثية للحالة الفلسطينية «الفوضوية»، ولا العالم المرتاح كثيراً على الجمود الراهن، سيواصل ارتياحه حين يتحول المسار الفلسطيني - الإسرائيلي إلى حالة مستحيلة من الفوضى والعنف وفقدان السيطرة.

إن أقرب مسافة بين نقطتين هو الخط المستقيم والمباشر.

ولكي لا يقع المحظور الخطر فلا بد من عمل استباقي لا ينتظر وقوع الكارثة حتى يفكر في إيجاد حلول لها، ويكون ساعتها قد فات الأوان.

ولأن الحالة الفلسطينية لم تعد فلسطينية فقط، فلا مناص من تدخل عربي إقليمي دولي يشجع الفلسطينيين أولاً على استعادة نظامهم السياسي الذي يملك شرعية اتخاذ القرار، وهذا ما كان متوفراً زمن منظمة التحرير القوية والفعالة، وإزالة المعيقات التي تمنع الفلسطينيين من التوجه إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمانهم ورئيسهم وإنتاج حكومتهم وفتح أفق سياسي يرى فيه الفلسطينيون أملاً ومساراً يستحق أن يتبع، وإذا كان ذلك صعباً فبقاء الوضع الراهن أصعب.