لماذا تعثرت «جنيف»؟

1453520177_content_thumb
حجم الخط

لماذا تعثرت «جنيف»؟

 

 


كان متوقعاً لمباحثات جنيف التي انطلقت في التاسع والعشرين من الشهر الماضي أن تتعثر بهذه الطريقة وأصعب من ذلك، في إطار الخلاف الكبير بين فرقاء النزاع السوري الذي سبق انعقاد هذه الجولة من المباحثات وحتى أثناء انعقادها.
أولاً كان واضحاً أن فرقاء النزاع جاؤوا إلى جنيف بضغط من القوى الدولية المؤثرة في النزاع السوري، بدليل أن النظام السوري وإن رحب بفكرة المشاركة في جنيف، إلا أنه كان متحمساً للضغط على الزناد والاستمرار في النزاع العسكري لإحداث خلل في موازين القوى لصالحه ومن ثم يأتي إلى المباحثات.
أما المعارضة السورية فلم تكن قادرة على الذهاب إلى تلك المباحثات بصيغة الفريق الواحد مقابل ممثلين عن الحكومة السورية، إلى جانب أنها حضرت في ساعات متأخرة من انطلاق جولة جنيف، بعد أن مارست عليها الولايات المتحدة الأميركية ضغوطاً جعلتها تغير موقفها من الرفض إلى المشاركة.
ثانياً: فرقاء النزاع السوري ذهبوا إلى جنيف وفي ذهنهم أن هذه الجولة ستفشل، يعزز هذا الرأي الحوار غير المباشر فيما بينهم الذي توسطه المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي مستورا، فضلاً عن حضور الشروط الاستباقية التي كان لها الأثر في تعتيم المشهد المباحثاتي.
القصد من ذلك أن المعارضة السورية حين وافقت على الذهاب إلى جنيف، أخذت وعداً من وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بأن يدفع قدماً نحو إيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين السوريين، ووقف محاصرة بعض المناطق السورية التي تشهد نزاعاً عنيفاً بين القوات الحكومية من جهة ومختلف أطياف المعارضة السورية من جهة أخرى.
المباحثات انطلقت في موعدها التاسع والعشرين من الشهر الماضي، بينما لم يتم تلبية طلبات بعض أطراف المعارضة، وهذا يعود إلى أن القوات الحكومية السورية التي حققت مكاسب عسكرية مؤخراً، تجد نفسها في حل من هذه الطلبات التي إن نفذت فإنها ستمنح قوات المعارضة نفساً أو استراحة لإعادة ترتيب وضعها العسكري.
ثالثاً: لم يجر في جنيف أي نقاش سوري- سوري جدي حول قضايا إجرائية أو خلاف ذلك، بل على العكس جرى استهلاك النقاش حول كيفية النقاش وأي الموضوعات سيتم الحديث حولها، وكان تردد دي مستورا إلى أماكن طرفي النزاع السوري إنما بهدف الاستماع إلى آرائهم وليس أكثر.
عملياً لم يتم الحديث عن أي موضوع مهم في أسبوع مباحثات جنيف التي ابتدأت يوم الجمعة الماضي وتعثرت قبل يوم من كتابة هذا المقال، ذلك أن دي مستورا جمّد جولة جنيف لمدة ثلاثة أسابيع، مرجعاً الأسباب إلى تقدم القوات الحكومية السورية في مناطق شمال مدينة حلب.
ويبدو أن المعارضة التي حضرت إلى جنيف طلبت من المبعوث الدولي إلى سورية أن يوقف المباحثات، إلى حين تلتزم القوات الحكومية السورية بتجميد النزاع وكذلك الحال بالنسبة للقوات الجوية الروسية، التي اتهمت هي الأخرى بأنها السبب في تعليق المباحثات السورية.
جون كيري اعتبر أن مواصلة القوات الحكومية السورية النزاع في مناطق تسيطر عليها المعارضة، إنما يشكل مؤشراً على أن الأولى تستهدف حل النزاع بالطرق العسكرية وليس عبر القنوات الدبلوماسية والسياسية.
ويبدو صحيحاً أن الحكومة السورية تستعجل تحقيق إنجازات عسكرية سريعة على الأرض، لأنها تعلم أن الوصول إلى مكتسبات ميدانية من شأنها أن تخفف من وطأة المباحثات عليها، وتجعلها في حل من مواقف تتعلق بالأساس من مصيرها ككيان سياسي.
ميدانياً كل ما يهم القوات الحكومية السورية هو محاربة المعارضة المعتدلة وإضعافها وتهميش وجودها على الأرض، ذلك أن النظام السوري يعتبر أن عدوه اللدود والأول هو المعارضة المعتدلة، طالما أن هناك اتفاقا وتوافقا دوليا على أهمية محاربة تنظيم "داعش".
هذه هي الأولوية التي على أساسها تتحرك القوات الحكومية السورية، التي قد تزيد من ضغطها العسكري في هذه الأوقات بالذات، قبيل الحديث عن عودة استكمال جولة جنيف التي قد تنعقد في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، وكل ذلك مرتبط تحديداً بروسيا والولايات المتحدة الأميركية.
من هذه الجولة "الجنيفية" يتضح أن حبل المباحثات بين فرقاء النزاع السوري سيطول إلى مدة تتجاوز تلك التي حددتها خريطة طريق مجلس الأمن الدولي، ثم إنه بمجرد أن المباحثات جاءت على قاعدة فريقي النزاع فقط، فإنها تحتمل التعليق والفشل أكثر من لو انها كانت مباحثات تستهدف كافة القوى المؤثرة في النزاع السوري.
الدليل على ذلك أن الأمم المتحدة علقت هذه المباحثات واستنجدت بالدول المؤثرة خصوصاً واشنطن وموسكو، حتى تجد حلاً يسهم في إعادة المفاوضات إلى مجراها، ومن المرجح أن يتم التوافق على قضايا إجرائية جد متدنية، مثل تسهيل وصول المساعدات إلى السوريين وتخفيف ضغط النزاع، من أجل العودة مرةً أخرى إلى مسار المباحثات.
غير أن أي اتفاق أميركي- روسي لخلق مناخات إيجابية تنذر بعودة مباحثات جنيف، ربما لن يكون حاضراً في هذه الأيام ولعله يسبق إعلان دي مستورا بأوقات قليلة، خصوصاً وأن روسيا والنظام السوري معنيان بمواصلة النزاع لتعظيم الإنجازات وتقليل أي تأثيرات سياسية على طاولة جنيف.
وعلى كل حال سيركز الاجتماع الوزاري لمجموعة دعم سورية الذي ينعقد في ميونخ في الحادي عشر من شباط الجاري، على تقريب الخلافات بين القوى الدولية المؤثرة في النزاع السوري، ولن يكون موعد دي مستورا لاستكمال المسار السياسي مقدساً، كونه سبق وأن تأجل قبل ذلك.
على أن الخلاف العميق بين القوى الدولية والإقليمية والسورية قد يقود إلى الآتي: أولاً أن هذه الجولة من جنيف تأتي في إطار إدارة النزاع، وثانياً يبدو أن حل النزاع مرهون بالدرجة الأولى لما يجري على الأرض، وثالثاً لن يكون هذا العام هو عام حل النزاع، بل إنه سيمهد الطريق لحل سياسي في سورية مبني على الحل العسكري.
جولة جنيف هذه فشلت بكل المقاييس، لكن دي مستورا أراد إنقاذها بتعليق المباحثات والاستنجاد بواشنطن وروسيا، لعلها تجد طريقاً لإعادة استكمال هذا الحوار بين فرقاء النزاع السوري، وإذا عاد حبل المباحثات من جديد فإنه سيكون حوار الطرشان لأنه يأتي على قاعدة أنت عدوي ولست شريكي.
وطالما أن الإرادة الدولية غائبة عن الحل السياسي في سورية إلى هذه اللحظة، فإنها ستعوض عن إخفاقها هذا بتسكين أوجاع السوريين عبر إسنادهم بمليارات الدولارات التي لا تحوّل الشوك الى عنب.

-