بايدن - نتنياهو: التراشق بإشارات الخلاف

WptCE.jpg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 

إعلان مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية عن نيّته القيام بزيارة إلى الصين، وذلك بعد زيارة الرئيس محمود عباس لبكين ببضعة أيام فقط، يثير التساؤلات عن الدافع لتك الزيارة التي تعتبر الرابعة فقط لنتنياهو خلال 16 عاماً له في منصب رئيس الحكومة الإسرائيلية، وذلك لأن إسرائيل لا تعتبر دولة مهمة لا على الصعيد الاقتصادي بالنسبة للصين، ولا السياسي بالطبع، كذلك لا تهتم إسرائيل بالصين، لا مثل اهتمامها بأميركا ولا أوروبا ولا حتى روسيا، وذلك لأن الصين كانت قبل عقود مضت، أي ما بين الحربين العالمية الثانية والباردة، دولة شيوعية، ثم لأنها بعد ذلك تنسج علاقاتها مع دول العالم بناء على التبادل التجاري، وإسرائيل لا تجد في الدولة الآسيوية، لا مستورداً لما لديها من بضائع، يتقدمها السلاح، ولا مصدراً، أي أن ميزان التبادل التجاري بينهما ليس قوياً، ولا استثنائياً.
والتساؤل حول الدافع من وراء زيارة نتنياهو، لا يتجاوز أحد اثنين، أو كليهما، أولهما محاولة التخريب على نتائج زيارة الرئيس عباس، وهذا أمر مستبعد، ذلك أن موقف الصين السياسي تجاه ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي تاريخي وواضح ومعروف، ولم يتغير يوماً، كذلك فإن جل ما تم توقيعه من اتفاقيات بين فلسطين والصين، كان ذا طابع اقتصادي، ولم يجر بالطبع لا توقيع معاهدة دفاع مشترك، ولا الصين أصلاً لا على طريقة أميركا ولا روسيا، تخرج من حدودها بهدف السيطرة أو النفوذ السياسي، فهي ظلت دولة عدم انحياز خلال الحرب الباردة، وهي حالياً لا أحد يمكنه أن يشير إلى أن لها أي إصبع في أي صراع إقليمي، وهي لا تشارك في الحروب ولا الصراعات الإقليمية، وفقط هي تدافع عن مصالحها وسيادتها، التي تشمل كلاً من هونغ كونغ وتايوان، وفق منطق الصين الواحدة.
يبقى الدافع الثاني، وهو محاولة نتنياهو الرد على تجاهل الرئيس الأميركي جو بايدن له، منذ أن شكل الحكومة المتطرفة الحالية، وهذا ما أكده على أي حال رد الفعل الأميركي، خاصة أن عدداً من دول المنطقة سارع في السنوات الأخيرة إلى تعزيز علاقاته مع الصين، على حساب علاقاته مع أميركا، خاصة في الجانب الاقتصادي، بما في ذلك السعودية والإمارات، إضافة بالطبع إلى إيران، وأميركا بتقديرنا يمكنها أن تتفهم توجه كل دول الشرق الأوسط للصين، أو حتى لروسيا، لكنها لا يمكنها أن تتفهم أن تنضم إسرائيل بالذات، بعد كل ما قدمته أميركا لها على مدار العقود الماضية لركب المهرولين إلى الصين، وإن كان في إطار الحقل الاقتصادي، الذي تنافس فيه على أي حال أميركا، حيث يعتبر الاقتصاد الصيني الثاني عالمياً بعد الاقتصاد الأميركي، ويتفوق عليه في معدل النمو، وفي اعتماده الذاتي على التصنيع الداخلي، وليس بالتداخل مع ثروات الدول الأخرى.
مبعث حنق نتنياهو على إدارة بايدن، ومحاولته إغاظة البيت الأبيض بزيارته إلى الصين، يكمن في عدم دعوة بايدن له لزيارة واشنطن، كما جرت العادة بين البلدين، كلما جرى انتخاب رئيس حكومة إسرائيلية جديد، وقد وصلت تلك الإشارة للبيت الأبيض، الذي أعلن أن أسباب عدم دعوة نتنياهو إلى واشنطن ما زالت قائمة، في إشارة إلى مشروع الحكومة الخاص بتقويض القضاء، وما أحدثه من شرخ داخلي في إسرائيل، كذلك وبدرجة أقل رفع حكومة نتنياهو كثيراً من وتيرة البناء الاستيطاني، والاستخفاف أكثر من مرة بمواقف واشنطن إزاء أكثر من قرار بهذا الخصوص، خاصة القرار الخاص بالتراجع عن إخلاء مستوطنات شمال الضفة الغربية، ومع استمرار العنف الميداني الذي تمارسه وترعاه حكومة نتنياهو، التي أيضاً تحرج واشنطن وتعاندها فيما يخص الملف الأوكراني - الروسي، فإن واشنطن تجد صعوبة بالغة في تعزيز علاقتها بحكومة نتنياهو، وهي فقط بالكاد تفتح قناة التواصل مع يوآف غالانت، وزير الدفاع، الذي يبدي مواقف سياسية أقل تطرفاً من نتنياهو ووزراء اليمين المتطرف.
وحقيقة الأمر أن بايدن بات مقتنعاً بأن نتنياهو بحكومته الحالية، قد زرع طريق الرئيس الأميركي لولايته الثانية في البيت الأبيض بالأشواك، فهو أفشل حتى الآن سعيه للتوصل مع إيران للعودة للاتفاق النووي، وهو بهذا المستوى من التطرف في حكومته، يجعل من نجاح واشنطن في إبرام اتفاق تطبيع مع السعودية أمراً مستحيلاً، إضافة بالطبع إلى عدم انضمام إسرائيل لحرب أميركا على روسيا، والتي هي والصين تجعلان من بقاء أميركا زعيمة للعالم أمراً غير مؤكد، خاصة أن الأولى لديها قوة نووية منافسة لقوة أميركا، ولديها قوة عسكرية وكذلك سياسية، اتضحت في أكثر من مكان من العالم، مستندة إلى إرث الاتحاد السوفياتي، فيما الثانية أي الصين تنافسها بقوة اقتصادياً، مع تعزيز قوتها الاقتصادية بقوة عسكرية وسياسية، فهي دولة نووية، ودولة عظمى وعضو في مجلس الأمن.
وإسرائيل بعلاقات طبيعية أو حتى جيدة مع روسيا، ثم مع الصين، تجعل من قدرة واشنطن على إقناع دول العالم بمقاطعة هاتين الدولتين أمراً صعباً للغاية، وبذلك فإنه يمكن القول: إن كلاً من بايدن ونتنياهو يعض أصابع أحدهما الآخر، في الوقت الذي يؤكدان فيه أن ذلك لا يؤثر على العلاقة الإستراتيجية بين الدولتين، أي أن نتنياهو يريد القول: إن موقفه من بايدن ليس هو نفس موقفه من أميركا، التي جربها بالطبع أيام دونالد ترامب، أما موقف بايدن من هذه الزاوية فهو أقوى من موقف نتنياهو، ذلك أن الحكومة الإسرائيلية تواجه معارضة داخلية قوية، ليست سياسية فقط، بل مجتمعية، خاصة فيما يخص خطتها تجاه القضاء، والتي يعارضها اللوبي اليهودي الأميركي أيضاً، وباستثناء سياسية نتنياهو تجاه الاتفاق النووي مع إيران والحرب الروسية الأوكرانية، فإن زيارته للصين أثارت انزعاج العديد من المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، خاصة لجهة التوقيت، وحذروا بوضوح من التأثير السلبي للزيارة على العلاقات مع واشنطن.
مع كل هذا، فإن حدة الخلاف أو حتى الاحتقان بين بايدن ونتنياهو، التي وصلت إلى حد لا يمكنهما إخفاءه، دفعتهما مؤخراً لعدم إظهار القطيعة، فقد أكد نتنياهو لوفد الكونغرس الأميركي الذي زار إسرائيل مؤخراً على العلاقة الأمنية قائلاً: إن التعاون الأمني والمخابراتي بين البلدين وصل إلى مستوى أعلى من أي وقت مضى، أي أن زيارته للصين لن تدخل الإطار الأمني. أما على الجانب الآخر، فقد أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية أن بايدن سيوجه الدعوة لنتنياهو قبل نهاية العام، وأن ما يحول دون توجيه الدعوة هو موقف الحكومة تجاه القضاء الإسرائيلي، وذلك في الوقت الذي تلقى فيه الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ الدعوة من البيت الأبيض حيث يتوقع أن يزورها قبل نهاية الشهر الحالي.
هذا يعني محاولة واشنطن الفصل بين امتعاضها من نتنياهو وحكومته وبين إسرائيل، وبما قد يشير إلى أن دعوة هرتسوغ هي بدورها رد على قبول نتنياهو دعوة الصين لزيارتها، وذلك بعد مرور ست سنوات على آخر زيارة لرئيس حكومة إسرائيلي إلى الصين، أي منذ العام 2017.
في الواقع، فإن مثل هذه العلاقة الشخصية بين الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة الإسرائيلية، أو أن الخلاف السياسي بينهما كثيراً ما ظهر في تاريخ العلاقة بين البلدين، وقد بلغ في ثمانينيات القرن الماضي الخلاف حول عقد مؤتمر مدريد بين جورج بوش الأب وإسحق شامير لدرجة أن هدد الرئيس الجمهوري بعدم الموافقة على ضمانات قروض كبيرة كانت في طريقها من واشنطن لإسرائيل، كذلك لم يكن نتنياهو على ود كبير مع باراك أوباما، لكن وحيث أن كلاً من بايدن ونتنياهو بحاجة إلى الثبات من أجل ضمان البقاء في الحكم، الذي إن غادره أحدهما فلن يعود إليه، يجعل قدرة أحدهما على التنازل والاقتراب من الآخر أمراً بالغ الصعوبة.