قصص مروية

تقرير: نساء "معلقات" في ظل تنصل شريك الحياة من حقوقهن المادية والمعنوية!

النساء المعلقات
حجم الخط

غزّة - خاص وكالة خبر - مارلين أبو عون

تجلس امرأة تنتظر دورها في مقابلة المحامي الذي وكلته لكي يجد حلاً لها مع زوجها، الناظر لها من الوهلة الأولى يعتقد أنّها في الأربعينات من عمرها، وجهٌ شاحب وهالات سوداء حول عينيها، وقد مرَّ عليها قطار الزمن سريعاً حتى بدت كسيدة عجوز تنتظر أنّ تبتسم لها الحياة، لكِنها في الحقيقة شابة في منتصف العشرينات من عمرها، تزوجت قبل خمس سنوات حين أنهت تعليمها في الثانوية العامة، وارتأت العائلة أنّ تزوجها لابن أحد المعارف، بعد أنّ أشاد الكثير في أخلاقه واتزانه، ولوضعه المادي الممتاز أيضاً دورٌ في موافقة العائلة عليه. 

التقت مراسلة "خبر" بالشابة "منى" وهو اسم مستعار، حيث فضلت عدم ذكر عائلتها أو اسمها الحقيقي، لحساسية الموضوع، فقالت: "إنّها عاشت السنة الأولى من الزواج في ثبات ونبات، لكِن الحال تغير وانقلب إلى الأسوأ في السنة الثانية، حتى أنّها بدت تشك بأنَّ من اختارته زوجاً لها ليس هو من يقسو عليها"، مُضيفةً: "مرت السنة الأولى من الزواج بشكل طبيعي، ولأنني أقطن في الشقة العلوية من بيت العائلة، كنت كلما أردت أنّ أشتري شيئاً أو أذهب لأيّ مكان جميع مَّنْ يقطن في العمارة يعرف بذلك، حتى أنني تفاجئت بأنهم يعلمون تفاصيل خاصة بي وبزوجي لم أحكي عنها لأحد منهم، وكل الحكاية أنّ زوجي لا يخبئ عن أمه أيّ تفاصيل خاصة بنا إلا ويُخبرها بها، وكثير من المرات زادت المشاكل بيننا من وراء هذا الموضوع، وهو يعدني أنّ يُحافظ على أسرار بيتنا، ورغم ذلك تمر السنة تلو الأخرى وفي كل مرة أكتشف أمراً أو يحدث شيئاً سيئاً".

وتابعت: "أراد الله أنّ يرزقني بطفلة وفرحت بها كثيراً وهو في البداية لم يُظهر لي شيئاً لا فرحاً ولا غضباً، كل الحكاية أنّه ظلَّ صامتاً، وخرج من المنزل ولكِنه حين يعود يكون غاضباً ويُسمعني كلاماً لا أحد يقبله على نفسه، ويعايرني بأنني سأنجب بنت، وكأنّ لي يد في خلقها، وكنت في كل مرة أسكت وأتحمل، وبدأت حماتي في التدخل بشؤوننا، وكنت كلما أكون جالسة في المنزل لوحدي أجدها تفتح عليَّ باب الشقة وتدخل، وحين أسألها تُخبرني أنَّ العمارة كلها ملكها ولا توجد أيّ شقة يمكن أنّ تُقفل في وجهها، وتطورت الأحداث حتى وصل الحال بأنَّ تدخل غرفتي هي وبناتها المتزوجات والغير متزوجات ويقمن بالتفتيش في أغراضي الخاصة وأخذها دون الاستئذان مني، وعندما أعود للبيت أجد ملابسي على أخوات زوجي، وحين شكيت هذا الأمر له كان دائما يقول (وايش يعني هما بدهم ياكلوهم، بيلبسوهم وبيرجعوهم، وبعدين هادي الأواعي من مال أخوهم هو من حدا غريب)، ولم أملك إلا أنّ أشكو همي لله فقط، ومرت السنين وأصبح عندي ابنتين وكل يوم يمر أقاسي المرار والعذاب منه ومن أهله، حتى وصل به الحال لأنّ يمد يديه عليا ويضربني أمام ابنتاي وعلى مسمع من والديه وإخوته ولا أحد منهم يُحرك ساكناً، بل كنت أسمع أبشع الألفاظ منهم وهو يضربني، وفي يوم خرجت بابنتي الصغرى لأعرضها على الطبيب، وبعد أنّ وصلت شقتي تفاجأت بأنَّ مصاغي لم يكن موجوداً في غرفتي وكنت أخبئ في الخزانة بعضاً من النقود وهو مبلغ لابأس به، وهو كان نصيبي من ميراثي في أرض أبي، وبحثت عن زوجي ولم أجده في المنزل، وبعدها علمت أنّه ذهب ليخطب أخرى من مالي ومصاغي، فلم أتحمل الإهانات والسرقة وصرخت بهم وقمت بتكسير الغرفة، وهم بدورهم ضربوني وطردوني من المنزل وقالوا لي خذي معك بناتك يا أم البنات".

وختمت حديثها بالقول: "أنا الآن ومنذ سنة لم أحصل على ورقة الطلاق والمحكمة حكمت لي بنفقة مقدارها مئة وعشرين ديناراً أردنياً لي ولبناتي، وهو بدوره يدفع شهر ويتنصل من آخر، ويُهددني بأنّ يحرمني من بناتي، عدا عن أنّه لا يريد تطليقي، وفي كل مرة يقول للمحامي، أنا لا أريد أنّ أطلقها ولتعود للمنزل، أما إذا أرادت الطلاق فلتتنازل عن كل حقوقها بالإضافة لموضوع النفقة وتكتب ورقة خطية بهذا الأمر".

قصة "منى" لم تنتهي بعد، فهي تجري بين أروقة المحاكم وبين مكاتب المحامين لتطلب العدل من القانون ولتطلب مزيداً من الأمان لها ولابنتيها، في ظل تعنت زوج لا يعرف عن الإنسانية والأخلاق سوى اسمها، وترفع أكفها للسماء ليأخذ حقها منه. 

وقدمت بطلة العذاب في هذا التقرير نصيحة للنساء بعدم السكوت عن الظلم، بحجة أنّها تُريد أنّ تُساير الحياة، فمن لا يملك المروءة والأخلاق لن تستطع الزوجة تغييره مهما كان.

"فرح" والتي لا تملك من اسمها نصيب ولا تقل معاناتها عن "منى"، والتي لخصتها لنا بعدة سطور لكِنها مليئة بالوجع والألم، تقول: "تزوجت شاباً من يراه من الوهلة الأولى يقول إنه ولي من أولياء الله الصالحين، فهو يخرج من المسجد للبيت، ولا يشرب السجائر ويُعامل الناس بما يُرضي الله، وبعد زواجي منه بأشهر اكتشفت أنّه يشرب الحشيش، وينصب على الناس ويأخذ المال منهم بحجة أنَّ وضعه المادي سيء هذه الأيام، ويعدهم بالسداد لكِن تمر الأيام ويبدأ الديانة بالمطالبة بأموالهم منه، وكان كلما تقسو عليه الدنيا يقوم بإهانتي وضربي، وفي مرة من المرات أقسم عليَّ بيمين غليظ، أنّ لا أبيت في المنزل إذا لم أذهب لاستدين من أختي بعضاً من المال، وذلك لأنَّ زوجها مقتدر، فكان يذلني عند كل الناس، والجميع يعلم بأنّه "نصاب" ولم يشأ الله أنّ نُرزق بطفل والحمد لله على هذه النعمة طبعاً، ومرت الأيام وكنت أتمنى أنّ أموت فيها ولا أنّ تستمر الحياة هكذا، وفي نفسي الوقت لم أكن قادرة على العودة لمنزل والدي وأنا (حردانة) فأبي لا يستطيع تحمل مسؤوليتي، فلديه أربع بنات غيري، ويُريد أنّ يسترهن مثلما زوجني أنا وأختي، واستفقت يوماً ولم أجد زوجي في فراشه مثلما عودني أنّ يظل طوال النهار نائماً، بحثت عنه ولم أجده ومضى على غيابه أسبوع حتى علمت بأنّه هاجر لدول أوروبا، واستدان مالاً من الناس ولم يكونوا يعلموا بأنّه يُريد الهرب بها، وهو الآن خارج البلد وأنّا لا أعلم عنه شيئاً، بالإضافة إلى أنَّ الناس طالبتني بما أخذه منهم، وهي مبالغ غير بسيطة وصاحب الشقة التي كنا نعيش فيها طردني منها لعدم مقدرتي على سداد الإيجار، وأهله تبرأوا منه وكلما ذهبت إليهم أطلب منهم المساعدة، يقولون لي إنّهم هم أيضا لا يعلمون شيئاً عنه، ولا يستطيعون مساعدتي، وطرقت أبواباً كثيرة حتى أعلم شيئاً عن مكانه فلم أستطع، هو هرب من الناس ولكن أين سيهرب من الله، طلبت من المحكمة أنّ تُطلقني وحتى الآن لا جديد، سوى أنني أصبحت معلقة بين السماء والأرض لا أنا متزوجة ولا أنا مطلقة أستطيع أنّ أمارس حياتي". 

كلمة القانون

بدوره أوضح المحامي الشرعي، أحمد أحمد، أنَّ "هناك نساء معلقات كُثر سواء في فترة الخطوبة أو بعد الزواج، أما التعليق في فترة الخطوبة فهو "يتم كتب الكتاب، وبعدها لا يذهب الخاطب إلى خطيبته نتيجة خلافات، وبذلك تُصبح الفتاة مُعلقة".

وأردف المحامي أحمد، في حديثه لمراسلة "خبر": "أما في فترة الزواج، فيهجر الزوج زوجته، والمقتضى القانوني في هذا الجانب يقول إنّه إذا أرادت الزوجة الطلاق، تتوجه إلى المحاكم، وترفع دعوة هجر وتعليق، حيث يشترط القانون أنّ تكون الزوجة قد مضى عليها مدة لا تقل عن العام في فترة التعليق، وأنَّ الزوج لديه بيت، ويرفض طلبها لبيت الزوجية".

وأكّد على أنّه "من حق الزوجة في القانون التقدم بقضية هجر وتعليق ضد زوجها إذا مر عام على الهجر، لكِن أقل من ذلك لا يجوز، أما في حال ثبتت الدعوة ورفض الزوج أخذ زوجته إلى بيت الزوجية، تحكم المحكمة بتطليقها طلقة واحدة حسب الحالة، فإذا كانت مخطوبة فتطلق طلقة واحدة بائنة".

وبيّن أحمد، أنّه إذا ثبتت دعوة الهجر والتعليق في المحاكمة الشرعية، فإنَّ الزوجة تحصل على كافة حقوقها، وذلك حسب عقد الزواج.

ولأن قضية النساء المعلقات من القضايا الحساسة والجوهرية والإنسانية المهمة، فيجب على مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات ذات العلاقة، أنّ تُساهم في مساعدتهن في استقرار حياتهن بعيداً عن مَّن ارتضينه يوماً زوجاً ولكِنهم لم يتقوا الله فيهن ولا حتى في أطفالهم، وتسليط الضوء على معاناة المرأة بكافة أشكالها في المجتمع ونقل قضاياهن للرأي العام والإعلام والمسؤولين حتى لا تبقى رهينة قوانين وتشريعات بحاجة لتعديل.