بغض النظر عن إن كتب النجاح لاجتماع أمناء الفصائل خلال أيام في القاهرة وفق عزام الأحمد ام لا ، فإنه لا بد من الذهاب أعمق قليلا في تحليل الغور وما تحت سطح الامر : هل كل الفصائل جادة ومخلصة في موضوع وحدة الصف الوطنية ورأب الصدع الذي طال واستطال حتى كاد يلامس العقدين. هناك فصائل وإن كان لسانها يلهج بلازمة الوحدة الوطنية فإنها في حقيقة الامر تضمر عكس ذلك تماما ، و تصلي لربها ان لا يوفق المختلفين وان يبقي على هذا الوضع المتشرذم القائم حيث ليس بالإمكان افضل مما هو كائن، حتى مقياسا بأيام العز الكفاحي التي كانت عليه هذه الفصائل، وكانت تتمتع بمسمع نضالي محترم نتيجة لبعض العمليات النوعية التي تنجح في تنفيذها هنا او هناك . بعد أوسلو، حيث جنحت، توقفت عن تنفيذ أي عمليات، فانحدرت جماهيريتها مع انحدار دورها، لا شهداء ولا حتى أسرى، لكنها حظيت بمكاسب سلطوية، بعضها حصل على مقعد في اللجنة التنفيذية للمنظمة، ووزارة في السلطة، هؤلاء يدركون ان هذه الامتيازات ستنتهي في اليوم الثاني من توقيع أي اتفاق وحدوي .
المتكسبون، الانتهازيون، الطفيليون، وهؤلاء اصبحوا شريحة عريضة ، لمسوا الفرق بين ماضيهم النضالي الفقير على نظافته، وحاضرهم السلامي الغني على وساخته، اصبحوا في غمرة وقت قصير من أصحاب الملايين والعقارات والأراضي والمشاريع والامتيازات والجاه والسلطان، والخدم والحشم، هؤلاء بدورهم ضد الوحدة الوطنية التي ستضع حدا لمطامحهم / أطماعهم ، وقد تقودهم الوحدة الى منطقة المساءلة و السجن ومن اين لك كل هذا .
أما الفئة الثالثة فهي صاحبة الإسلام السياسي التي لا تؤمن بالنضال ولا بالوطن ، الوطن بالنسبة اليها هو الدين ، والحاكمية ليست لهذا الحزب او ذاك الفصيل ، بل لله وحده، لا تؤمن بالاختلاف ولا بالتعدد، بل بدفع الجزية، والانتخابات بدعة ضلالية مصيرها في النار، وحتى وقت قريب كان هؤلاء يعدوا الشهداء "فطايس" و العلمانية كفر ، و"خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود" . جزء من هذا الإسلام في فلسطين ، بدأ يخطو خطوات ملموسة متقاطعة مع نهر الحياة الفياض والنضال الفلسطيني العارم ، فوطد علاقته مع ايران واعادها مع سوريا وغرفة عمليات مع فصائل يسارية ، واحترام المرأة ... الخ ، لكن ما تزال بعض قياداته الأولى ضد الشيعة ، أزالوا صور سليماني في غزة رغم تسميته "شهيد القدس" ، بعضهم ما زال يطرح "معركة وعد الآخرة" التي اقتربت ، ولربما يوطّن نفسه انها ستقوم قبل ان يموت .
وبغض النظر عن أي شيء، فإن الاجتماع المزمع، إذا لم تكن ارضيته وجنباته و سمائه مخيم جنين ، فهو مجرد اجتماع آخر في سفر التيه الفصائلي، ومدى مصداقية هذا من ذاك ، وتوافقية لسانه مع قلبه، تشكيل قيادة وطنية موحدة فورية.
وكما قال الشاعر الكبير مظفر النواب : طبقوا وحدة البندقية / وحدة اعدائكم تنهزم / أو فأنتَ الذي أتَهِمْ .