القيق نموذج لإنهاء الانقسام

عبد الناصر النجار
حجم الخط

عندما قرّر الأسير الصحافي محمد القيق الإضراب عن الطعام، لم ينظر الكثيرون إلى هذا الأمر بجدية، بل اعتبروه مجرد مناورة، ولم يقتصر رأي البعض على التفكير السابق، بل إن حزبيتهم وانغلاقهم الفئوي أثّر، أيضاً، على طريقة تعاطيهم مع هذه القضية، فحاولوا قولبتها حزبياً... بمعنى أن انتصار القيق في معركة الأمعاء الخاوية... ربما يعتبر نصراً لحركة سياسية بذاتها... وبالتالي يجب الحذر في كيفية التعاطي مع هذه القضية.


في الأسابيع الأولى لإضراب القيق عن الطعام كان الأهم هو تشكيل الرأي العام مع هذه القضية، ولهذا ركّزت وسائل الإعلام وعائلته وهيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير والمؤسسات العاملة في قضايا الأسرى وحقوق الإنسان على تأطير العمل الجماهيري كرافعة أساسية للضغط على سلطات الاحتلال، وتحميلها المسؤولية عن تبعات ما سيحصل للأسير القيق. 
وعلى الرغم من ذلك، فإن سلطات الاحتلال تمادت بشكل لم يسبق له مثيل في التعامل مع قضية إضراب الأسرى عن الطعام، وبدأت الرسائل الإسرائيلية، وخاصة من جهاز المخابرات تركّز على قاعدة أن القيق سيكون درساً للآخرين، برفض مطالبه حتى لو استشهد... أو بالأخص هي رسائل إحباط أصابت البعض وبدأت الأحاديث الجانبية تأخذ طابع «اللّوم» أو «عدم ملاءمة الوقت» أو «الاستعجال» و»عدم أخذ مشورة أهل المعرفة»... وكأن النضال بأشكاله كافة أصبحت له خصوصيات وشروط ومعوّقات يجب أخذها بعين الاعتبار... وهذا يعني السير على نهج يؤسّس للاستسلام للأمر الواقع، والتكيُّف مع المستجدات على قاعدة الاستكانة لمفهوم القوة مرتبطاً بعدم المقدرة.


المدّ الجماهيري توسّع خلال الأسبوعين الأخيرين، ومعه الانتقادات التي وُجِّهت إلى القيادات بمسمياتها «مع كثرتها»، وإلى السلطة، والأحزاب، وخاصة حركة حماس التي ينتمي الأسير القيق إليها فكرياً، وحركة فتح، أيضاً... وإلى القطاعين الخاص والأهلي، ما أدى إلى تغيّر في مجرى الأحداث... وأصبحت قضية القيق قضية وطنية تمثل الكل الفلسطيني، ولا تمثل شخصاً أو حزباً أو هيئةً خاصةً أو أهليةً؛ ما انعكس إيجابياً على الفعاليات التي تكثفت وبدأت تأخذ طابع الاستمرارية والحشد، وهذا أمر في غاية الأهمية.


الأمر الآخر أن الشعارات التي رفعت وما زالت ترفع في الفعاليات المناصرة والضاغطة هي شعارات فلسطينية وطنية جامعة للكل دون تمييز. حتى الكلمات التي يتم إلقاؤها في هذه الفعاليات تعبر عن الموقف الفلسطيني الجامع لا المفرق، وهذا، أيضاً، ساعد في زيادة قوة الضغط على الاحتلال... حتى أن «الشاباك» الإسرائيلي اضطرّ أخيراً للتعامل مع القضية على أنها تمثل بعداً أكثر من كونه فردياً، وأصبح يعي حجم المخاطرة في هذه القضية. بمعنى أنه لا سمح الله لو حصل مكروه للأسير القيق، فإن رد الفعل لن يكون بسيطاً على الجانب الإسرائيلي... وهذا ما لاحظناه حتى في مواقف المحكمة الإسرائيلية العليا، التي بدأت تتراجع وإن لم تصل إلى الحدّ الأدنى المقبول من الأسير القيق.
ما نريد قوله هو أن الوحدة الوطنية الجامعة القائمة على أساس العطاء لفلسطين الأرض والإن

سان هي الضمانة الوحيدة لتحقيق مكاسب سياسية وغيرها... وأيضاً، عندما تكون الوجهة نحو فلسطين تذوب الخلافات الثانوية ليعود التناقض الأساسي مع الاحتلال.


ولهذا فإن استمرار الانقسام وتجزئة الوطن سببه الرئيس قصر النظر إلى الوطن فلسطين والتركيز على المكاسب الحزبية والفئوية. وربما المصالح الفردية... ولهذا كنا نلاحظ أن التعبئة الحزبية والفئوية خلال العقدين الأخيرين، خاصة لدى فئة الشباب خلّفت دماراً وخراباً في التعاطي مع فلسطين الوطن والأرض... وأصبح الانتماء الحزبي عند كثير من الناس أهم من الانتماء للوطن... بحيث وصلت هذه التناقضات الداخلية إلى درجة خطيرة طغت على التناقض الأساسي وهو الاحتلال، وأصبحت المناكفات الثنائية بين أكبر قوتين سبباً في تفتيت الرأي العام واستكانة كثير من القطاعات تجاه مفهوم المقاومة أو النضال بصرف النظر عن الأسلوب... حتى وصل الأمر إلى أن يجرؤ إرهابيو الاستيطان على الوصول منازلنا وقرانا ومقدساتنا وحقولنا الزراعية ليعيثوا فيها خراباً ودماراً، ونحن نقفل بيوتنا جيداً حتى لا يصيبنا الضرر... في الوقت الذي كان فيه إرهابيو المستوطنين يرتعدون وهم يمرُّون من أمام هذه القرى والتجمُّعات الفلسطينية، والسبب هو فرقتنا السياسية القائمة على الانقسام والهوان والمصالح الشخصية ابتداءً من الوظيفة إلى الترقية، إلى القرض البنكي...!!!.


القيق وحّد الموقف، وأكد أن فلسطين الجامعة هي القادرة على إنهاء الانقسام على أي مستوى كان، فهل تتعلم القيادات والأحزاب من هذا الدرس، وتنهج طريق الجماهير الموحدة... أم أن المصالح في النهاية ستؤدي إلى خراب بيوت هذه الأحزاب والقوى والفئات؟!!! المستقبل سيجيب عن هذا التساؤل.