لماذا تعذّر حلّ الأزمة الداخلية الإسرائيلية؟

D2EE8231-76C0-4BE1-866C-C276BEEBC922-e1601304572733.jpeg
حجم الخط

بقلم عبد المجيد سويلم

 

 

 

عليَّ أن أوضّح أوّلاً وقبل كلّ شيء أنّ عنوان هذه المقالة يحمل في طيّاته لفظ "تعذّر" وهو ــ أي هذا اللفظ ــ هنا لا يقتصر من حيث زمن الفعل على الماضي، بل إنّما على الماضي المستمرّ، والمضارع والمستقبل، أيضاً.
فلو قُلنا يتعذّر ــ على سبيل المثال ــ أي بصيغة المضارع، يصبح لزاماً علينا أن نحدّد بأنّ هذا "الحلّ"، الذي يستمر تعذّره ليس مطلقاً في المدى الزمني.
أقصد أنّ استمرار تعذّره ــ حتّى الآن ــ يحمل ضمناً أنّ مثل هذا الحلّ قد يُصبح ممكناً بعد حين من "الآن".
ولو قلنا: لماذا يتعذّر حتّى الآن؟ لحَمَلَ المعنى ضمناً بأنّ ثمة مُعيقات آنية أو مُؤقّتة، أو حتّى طارئة حالت، وما زالت تحول دون الوصول إلى هذا الحلّ.
وحتّى لو قُلنا: لماذا سيتعذّر حلّ الأزمة الداخلية الإسرائيلية لحَمَلَ المعنى وتضمّنَ، بأنّ ثمة ما سيُعيق هذا الحلّ ــ ما دام لم تتوفّر بعد ــ الظروف والشروط المناسبة لهذا الحلّ!
فَـ(لماذا تعذّر) إذاً التي أقصدها، وأراها هي أنّ هذا الحلّ لم يعد ممكناً، ولا وارداً على ما أظنّ.
طبعاً الحديث هنا يدور عن (الحلّ) وليس عن المَخْرَج أو المَخَارِج، لأنّ الحلّ يعني زوال أو تنحية، أو تحييد، أو تهميش الأسباب التي "فجّرت" هذه الأزمة، وأدّت بها أن تصل إلى درجة معيّنة من التفاقم والاستفحال، أو إلى الاستعصاء، وأظنّ أنّ لفظ الاستعصاء يحمل في طيّاته حتمية "الإزاحة" للعودة إلى الحركة والسيران، بصرف النظر عن الاتجاه.
والفرق بين الحلّ وبين المَخْرَج كبير في الجوهر والمضمون، وفي الشكل غالباً.
المَخْرَج لا يفترض بالضرورة زوال المُسبّبات، وقد يصل الأمر إلى "التوافق" على تجميدها، ما يعني أنّ الأمر هو "إجراء" مؤقّت، يطُول أو يقصُر، دون ضمانات للعودة عنه، وعودة الأزمة للانفجار من جديد، وقد ينطوي الانفجار "الجديد" على أبعادٍ جديدة، وآلياتٍ جديدة، تُعيد الأزمة إلى حالة أخطر من سابقتها، وإلى وضعٍ أكثر صُعوبة، وأعمق بما لا يُقاس!
هذا لا يعني في الواقع أنّ ثمة مَخْرَجا سهلا أو مَخَارِج مُتاحة حتى الآن، ولكنّه يعني بأنّ أحداً في إسرائيل لم يمتلك الشجاعة "الأدبية" حتّى الآن ليقول للإسرائيليين، إنّ أقصى ما يُمكن التوصل إليه هو مَخْرَج من هنا، ومَخْرَج من هناك، وليس هناك من حلّ حقيقي للأزمة الإسرائيلية.
الإدارة الأميركية تبحث عن مَخْرَج أو مَخَارِج، وليس عن حُلول، لأنّها باتت تُدرك في أغلب الظنّ أنّ الحلّ قد مضى زمنه، وأنّ "المَخْرَج" هو "الحلّ" الممكن قبل خراب مالطا، ودمار البلاد والعباد، وحتّى بعض "عقلاء اليمين" ممّن يبحثون عن "حلّ" للأزمة هم وكما يصرّحون علانيةً هي مجرّد "مَخَارِج" ليس إلّا، ويهربون، ويتهرّبون من البحث عن حلول حقيقية تتعامل مع الأزمة من حيث جوهرها وكلّ محتواها، وغالباً ما يتحدثون عن اللعب والتلاعب بأشكال إعادة تنظيم المحتوى وليس أكثر، وعلينا أن نتذكّر هنا بأن الشكل في العلوم الفلسفية ليس سوى "الهيئة" التي يتواجد بها، وينتظم من خلالها هذا المضمون.
وحتى بعض أقطاب المعارضة ممن ترتعد فرائصهم (في الواقع) من تبعات استفحال الأزمة، والمخاوف من وصولها إلى عصيانات مدنية كبيرة، فإنهم، أيضاً، بدورهم يبحثون عن مَخَارِج تحفظ لهم "ماء الوجه" في "تبرير" "معارضتهم"، ولكنها تحفظ لهم قبل كلّ شيءٍ عدم الوصول إلى تلك العصيانات، لأنّ الشلل في حينه سيؤدّي إلى تحوّل الأزمة إلى طور جديد لن يعود سهلاً على هذه "المعارضة" "السيطرة" عليها.
أمّا "اليمين" بكلّ تلاوينه، وبغالبيته ما زال المَخْرَج الوحيد للحلّ الوحيد هو قبول أو تقبُّل "الإصلاحات القضائية"، وهو ما يعني ــ حتى الآن ــ أنّه (أي اليمين) ليس بوارد البحث عن مَخَارِج، لكي نتحدّث عن الحلول.
باختصارٍ شديد، هناك محاولة مُستميتة من الإدارة الأميركية للبحث عن مخارج دون جدوى حتى الآن، وهناك محاولات أخرى للبحث عن مَخَارِج كهذه من بعض "عقلاء الليكود"، وهي دون جدوى، أيضاً، وهناك "مُساومات" تبحثها "المعارضة" على خجلٍ واستحياء، وفي أوساطٍ مُغلقة، ومستويات معيّنة فقط، وذلك تحضيراً لما ستقدّمه لهم الإدارة الأميركية في قريب الأيام، وقبل فوات الأوان!
أمّا بنيامين نتنياهو فيعيش أصعب أيّام حياته على الإطلاق.
أوساط الجيش والأمن تحذّر من أخطار كارثية إذا ما اندلعت حرب متعدّدة الجبهات، وتواصل "الاستنكاف" عن الالتحاق بالمعدلّات الحالية، والمرشّحة للازدياد مع كلّ يوم من أيّام الأزمة، والجيش وأذرعة الأمن تعرف في قرارة نفسها أنّ "تبجُّحات" وزير الدفاع، ورئيس الأركان لا تعكس الواقع الذي يسود في هذه الأوساط، وقد جاءت معركة مخيم البطولة في جنين لتعكس الحال "المايل" للدولة بكاملها.
الحلّ للأزمة الإسرائيلية يكمن "بإزاحة" نهجٍ، وانتصار نهجٍ على نهج.
أي أنّ الحلّ لم يعد يقبل، ولم يعد يحتمل حلولاً وسطاً بين نهج الدولة المدنية، العلمانية، "في الظروف الإسرائيلية الخاصة"، و"الدولة الديمقراطية"، والتي هي دولة ديمقراطية خاصة باليهود أساساً (أي ديمقراطية إثنية)، وبين دولةٍ للشريعة الدينية اليهودية تقبل في الظروف الإسرائيلية الخاصة، ببعض الشكليات الديمقراطية، لأسباب سياسية مؤقتاً، على أن يتمّ تقليص محتواها تباعاً، وبقدر ما تسمح "الظروف" بذلك.
ليس هذا فقط، وإنّما "استحالة" قبول "اليمين" الفاشي بأقلّ من "الحسم" مع الشعب الفلسطيني، وتيقّن هذا "اليمين" باستحالة "الحسم" للصراع قبل "حسم" طبيعة الدولة برنامجها الأساسي لهذا الاتجاه، وهروب "المعارضة" بالذات من هذا "الربط المُحكَم" بين "الحسمين"، وخوفها ــ أي المعارضة ــ من أنّ طرح هذا الرابط بالذات هو صاعق تفجير الحرب الأهلية في إسرائيل.
إعادة تعريف طبيعة الدولة في إسرائيل أصبحت توازي وتساوي فتح الباب على حرب أهلية، وأمّا إبقاء الباب مُوارِباً على هذا التعريف فهو المَخْرَج الذي يبحث عنه الجميع.
والحقيقة أنّ الأمر كلّه لا يتعلق بإبقاء الباب مُوارِباً، لأنّ هذا الأمر هو مُجرّد أُمنية حتى الآن، وإنّما إبقاء الباب مشقوقاً فقط لكي لا تقع الكارثة التي تحدّث عنها "الجميع" دون أن يمتلكوا شجاعة الإفصاح التام عن حقيقة هذه الكارثة.
وإذا كان من كلمةٍ تُقال للقيادات الفلسطينية كلّها ودُون أيّ استثناء فهي أن اتّقُوا الله في شعبكم، وكفى ما هَرَبْتُم، وما تهَرَّبْتُم منه حتى الآن، لأنّ إسرائيل التي يتسابق الكلّ في الإقليم لإرضائها واسترضائها، وعقد "التفاهمات" و"الصفقات" معها لم تعد قادرة كما كانت، ولم تعد تحمي كما كانت، ولم تعد ترغب في أن تحافظ على أيّ شيء، ولا أيّ أحد كما كانت تخطّط وتُعدّ وتستعدّ، لأنّها هي ــ أي إسرائيل ــ بطولها وعرضها وكامل جبروتها تحتاج إلى من يُخْرِجها من أزماتها بما في ذلك امتثالها وانضباطها لبيت الطاعة الأميركي.