تتجدد الرؤى والمواقف الإسرائيلية المبنية على التطرف والإرهاب والتنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية، منذ احتلال أرض فلسطين عام 1948م والتي على أثرها هُجر شعبنا من أراضيه ومورس بحقه أبشع العذابات والويلات، كما تشرد في بقاع الأرض، إلى ما وصل إليه اليوم من حرمان لإقامة دولته المستقلة وعاصمتها الأبدية القدس، حيث تستكمل حكومة الاحتلال الحالية تحقيق هدفها بالسيطرة على الأرض من خلال ممارساتها العنصرية والمتطرفة.
يأتي هدف السيطرة على الأرض في إطار برنامج الضم الذي تجسده حكومة الاحتلال من خلال استهدافها لمناطق الضفة مثل (أ، ب) وتقسيمها بقواعد عسكرية، أما منطقة (ج) التي تأخذ قرابة الـ60% من مساحة الضفة يستفحل فيها التوسع الاستيطاني، وابتلاع مقدراتها وثرواتها الطبيعية التي ستؤثر على حياة الفلسطينيين وتجعلهم في موضع الحاجة والعوز مستقبليًا مثل قضية السيطرة على المياه بنسبة تفوق الـ80%، وذلك لمنعهم إقامة دولة فلسطينية على حدود الـ67 وفق ما أقرت الشرعية الدولية.
ويأتي هذا اليوم تجسيدًا لما تسمى «خطة الحسم»، التي تهدف لإنهاء الصراع مع شعبنا الفلسطيني دون تلبية حقوقه المشروعة في الحرية والعودة وتقرير المصير، حيث بات مطلوبًا أن نكون على استعداد لخوض مرحلة جديدة يكون عنوانها «الوحدة والمقاومة»، خاصة وأن مجيء حكومة الاحتلال المتطرفة قد أوضحت السياسة الإسرائيلية (المكشوفة أصلًا) بأنها ستزيد من التصعيد العدواني ضد شعبنا والتقدم بخطى متسارعة في سياسة الضم والتهويد ومصادرة الأراضي والاجتياحات، واتخاذ العديد من العقوبات والقرارات العنصرية والتهديد بطرد شعبنا الفلسطيني من أرضه في أراضي 48 وفي القدس والضفة الفلسطينية، معتقدةً أن المواطن الفلسطيني سيقبل بالأمر الواقع أمام حالة التطبيع في إطار «تحالف أبراهام«.
لذلك عملية الاجتثاث (كما أطلق عليها قادة الاحتلال) التي تُنفذ بحق المقاومين، تعكس أن ما تسمى «خطة الحسم» ضد الفلسطينيين قد انتقلت من خطة منهجية إلى خطة ميدانية لوقف كل أشكال المقاومة بالضفة، وهذا ما يجعل الفلسطينيين على المحك في ظل الواقع الذي يعيشونه من انقسام وتشتت وغياب للإستراتيجية النضالية الجامعة، ناهيًا عن سياسة «تقسيم المقسم» التي تحاول إسرائيل من خلالها أن تعمل على فرض واقع جديد وتعامل خاص مع المواطن الفلسطيني من أجل إحكام السيطرة على الأرض، ومنح المستوطنين تصريحًا معلنًا في الإحلال على أرض الواقع من خلال عمليات التهويد والاستيطان والقتل والخراب في الأراضي الفلسطينية.
فإسرائيل أدركت بعد عملية جنين الأخيرة أنها مضطرة للتعاطي مع الوضع الحالي بالضفة إزاء النشاط الميداني لعناصر المقاومة الذي ربما أربك الحسابات كافة، فيما تحول لظاهرة نبيلة تحتاج إلى احتضان وطني جامع وتوفير الغطاء السياسي لها بما يخدم المرحلة الجديدة، الأمر الذي يجعل إسرائيل تتبع طريقة خطوة خطوةstep by step) ) لتحقيق أهدافها على المستوى الأمني والعسكري، ولضمان عدم تأجيج الرأي العام ضدها، وفي ذات الوقت تحاول كسب رضا الإدارة الأمريكية. وبصورة أو أخرى، أدان الخطاب الأمريكي العدوان الإسرائيلي على جنين، بحثه على إعمار البنية التحتية لها، والتي بالطبع تُظهر خلالها أنها حريصة على مصلحة الفلسطينيين كما تفعل مع السلطة الفلسطينية في كل معترك مع الاحتلال بتوفير بعض المكاسب والامتيازات دون العودة لأساس الصراع وهو «الوجود»، لكنها في حقيقة الأمر تحاول بهذه الطريقة أن تخفي دورها الحقيقي في توفير الدعم السياسي للشعب الفلسطيني والضغط على إسرائيل، وهذا يتطلب من المجتمع الدولي التحرك فورًا لوقف هذا الانتهاك الممنهج للقانون الدولي، حيث أوضح خبراء الأمم المتحدة في أحدث مطالبة لهم بإنهاء ضم أراضي الضفة لـ«إسرائيل» التي صادرت وصادقت على مصادرة الأراضي والموارد الفلسطينية ما أدى إلى أكثر من 750 مستعمرة، تضم 750 ألف مستوطن إسرائيلي، كما أشاروا إلى توطيد نظام الفصل العنصري التي تقوم عليه إسرائيل.
نستطيع أن نقول بأن برنامج الضم هو ليس فكرة جديدة، إنما ضمن خطة متكاملة عبر إجراءات ميدانية و«قانونية» مهدفة، في استغلال جشع للحالة الفلسطينية المشتتة، والحالة الإقليمية المستكينة ولسياسة الولايات المتحدة القائمة على النفاق والوعود السياسية الكاذبة، وهذا ما جعل «نتنياهو» أكثر بجاحة حين تفاخر بأنه منذ تشكيل حكومته المتطرفة قد زادت عمليات القتل ووصل عدد الشهداء الفلسطينيين منذ مطلع العام إلى أكثر من (200) شهيدًا من بينهم نساء وأطفال، والاعتداءات على حياتهم بشكل عام، ليؤكد مواصلة إرهابه، وعلى الفلسطيني إما الرحيل أو أن يقبل بنزيف دمه يوميًا.
فالحوار الوطني للأمناء العامين المرتقب فرصة يجب التقاطها لترتيب البيت الفلسطيني، لأن الفشل في تطبيق مخرجاته سيمنح الاحتلال خطوة متقدمة في تحقيق هدفه بالضم، لذلك لا بد من بناء إستراتيجية وطنية شاملة تقوم على تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي ووقف الرهان الموقف الأمريكي، وإنهاء حالة الانقسام المدمر، وتفعيل كل أشكال المقاومة، وتوفير عناصر الصمود لشعبنا.