أقل من 24 ساعة تفصلنا عن عقد اجتماع القاهرة المقرر يوم 30 يوليو الجاري، بحضور القيادة الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس، والأمناء العامون للفصائل الفلسطينية. ولم تحسم حركة الجهاد الإسلامي التي صعد نجمها عسكرياً في المرحلة الأخيرة بخوضها آخر جولتين تصعيد "إسرائيلي" ضد قطاع غزة، مشاركتها في الاجتماع، بسبب اشتراطها الإفراج عن عناصرها المعتقلين لدى السلطة الفلسطينية على خلفية مشاركتهم في أعمال المقاومة ضد الاحتلال في الضفة الغربية كما تقول، بينما تُؤكد السلطة أنَّ خلفية الاعتقال "جنائية" وليست سياسية.
حضور الجهاد اجتماع القاهرة.. لم يحسم بعد
وفي الوقت الذي لم تحسم الجهاد مشاركتها كما سبق الإشارة، حسمت حركة حماس، أمر مشاركتها في اجتماع القاهرة. حيث لا تزال تُجرى اتصالات في محاولة لإنجاح الاجتماع في القاهرة من خلال التوصل إلى اتفاق يهدف للإفراج عن بعض المعتقلين، مقابل حضور حركة الجهاد الإسلامي للاجتماع، إلا أنّه لم يحدث تقدم في الملف حتى ساعات، مساء أمس الجمعة.
وسيُركز اجتماع القاهرة، الذي دعا له الرئيس محمود عباس، في أعقاب الاجتياح "الإسرائيلي" لمخيم جنين في الثالث من يوليو الجاري، على عدة قضايا تتعلق بالشأن الفلسطيني منها ملف الوحدة والمصالحة والتعامل مع العدوان "الإسرائيلي" المتكرر، ومحاولة وضع استراتيجية شاملة.
لكِن، بالمقابل هناك حالة من اعدم المبالاة تسود الشارع الفلسطيني في الآونة الأخيرة، بشأن اجتماعات المصالحة للفصائل، تترجم بعدم متابعة مجريات الاجتماعات ومخرجاتها التي لا تتجاوز بيان ختامي بتوصيات تبقى حبيسة الحبر الذي كُتبت به.
تاريخ اتفاقات المصالحة من 2005 حتى اليوم
يُذكر أنَّ القاهرة رعت أول اتفاق مصالحة قبل الانقسام في 19مارس 2005، ينص على إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وضم حماس والجهاد الإسلامي إليها. ولم ينجح بشكل كبير، إلا أنَّ وصول حماس للحكم في 25 يناير 2006 استدعي وثيقة جديدة عُرفت "بوثيقة الأسرى" لكنها لم تنجح أيضاً في توحيد الصف الفلسطيني بسبب رفض حماس الاعتراف بـ"إسرائيل" والتخلي عن المقاومة المسلحة كما أصر على ذلك الرئيس عباس.
وفي 11 سبتمبر، اتفق الرئيس عباس، ورئيس الوزراء آنذاك إسماعيل هنية على اتفاق مبدئي لتشكيل حكومة وحدة وطنية، تقوم على وثيقة الوفاق الوطني "الأسرى". وفي 16 سبتمبر 2006 أصدر الرئيس عباس من جانب واحد نداء لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكّرة، ما أدى إلى استياء حماس، في الوقت ذاته كانت الأمور ميدانيًّا قد تطورت بين الحركتَين حيث تصاعدت الاشتباكات بشكلٍ كبير.
وفي فبراير 2007، دخلت الرياض على خط الأزمة الفلسطينية الداخلية، وتم توقيع "اتفاق مكة" بين حماس وفتح، والذي نص على وقف الاشتباكات وتحريم الدم الفلسطيني وعلى تشكيل حكومة وحدة وإصلاح المنظمة التحرير، لكِنه لم يصمد إلا 4 أشهر، حيث عادت المواجهات على الأرض وانتهت بسيطرة حماس على غزّة.
وفي 23 مارس، 2008 وقعت حركتي حماس وفتح اتفاقاً جديداً للمصالحة في صنعاء عاصمة اليمن، والذي دعا إلى عودة غزة إلى ما قبل يونيو2007، وظهر الخلاف حول التفسير على الفور، حيث طلبت فتح من حماس التخلى عن حصتها في غزّة أولًا، وطالبت حماس بإعادة حكومة الوحدة بقيادة حماس أيضاً.
وفي 27 إبريل 2011، أعلن ممثلو فتح وحماس عن اتفاق رسمي، بوساطة مصرية لتشكيل حكومة مؤقتة مشتركة مع إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2012، حيث وفّر الاتفاق أساساً لتشكيل حكومة انتقالية تُحضّر للانتخابات التشريعية والرئاسية للسلطة الوطنية الفلسطينية في سنة واحدة، كما سمح بدخول حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية وإجراء انتخابات لهيئة صنع القرار التابعة للمجلس الوطني الفلسطيني. لكِن الاتفاق فشل بسبب إصرار فتح على استمرار سلام فياض رئيساً للوزراء؛ الأمر الذي رفضته حماس وأصرت أنّ يكون رئيس الوزراء من غزّة.
في فبراير/ شباط 2012 ، وقعت حماس وفتح اتفاقاً في العاصمة القطرية الدوحة، وُصف بأنّه خطوة إلى الأمام، في التنفيذ المتوقف لاتفاق المصالحة الفلسطينية الذي وقّع في القاهرة في أبريل/ نيسان 2011.
وفي 1 أبريل 2012 وُصف تنفيذ المصالحة بأنّه متعثر مع عدم إحراز أيّ تقدم في مخطط الانتخابات المشتركة، بالإضافة إلى ذلك ألقت فتح باللوم على حماس بأنَّ قواتها الأمنية أقامت حواجز على الطرق، واعتقلت عشرات من أعضاء فتح وأفراد في غزة اتُّهموا بنشر الشائعات.
وفي 23 أبريل/ نيسان 2014 وقّعت فتح وحماس اتفاقاً جديداً للمصالحة في مخيم الشاطئ للاجئين، يتمّ بموجبه تشكيل حكومة وحدة في غضون 5 أسابيع تليها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في غضون 6 أشهر، وفي 2 يونيو/ حزيران 2014 أقسم رامي الحمد الله اليمين الدستوري كرئيس وزراء للحكومة.
بعدها بأسابيع قليلة نُفّذت عملية اختطاف لـ3 مستوطنين في الخليل، ليكتشَف معها أنَّ حركة حماس هي من تقف وراء العملية لتتابع الأحداث ويشنّ الاحتلال حرباً جديدةً على القطاع عام 2014، بعد ذلك وقّع الطرفان في القاهرة في 25 سبتمبر/ أيلول 2014 اتفاقاً حدّد مهام ومسؤوليات الحكومة الجديدة.
ومع فشل الحكومة في أداء مهامها على أرض الواقع، ودمج الأجهزة الأمنية وتحقيق الوحدة الوطنية، بقيت السيطرة عمليًّا لحركة حماس على الأرض في غزّة والسلطة في الضفة الغربية دون تقدُّم، وباءت كل المحاولات بالفشل.
وفي 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، تم توقيع اتفاق بين فتح وحماس، وكالعادة واعتبارًا من يناير/ كانون الثاني 2018، فشلت الأطراف في تنفيذ الاتفاق بحجّة تفسير تفاصيله والمواعيد النهائية المفقودة التي حددها، والمسألة الأكثر إثارة للخلاف بين حماس وفتح هي مستقبل أسلحة الفصائل في غزّة.
وبشكلٍ مفاجئ ودون وساطات عقدت الحركتان اجتماعًا ثنائيًّا في تركيا انتهى بإعلانهما الاتفاق على "رؤية مشتركة"، حيث أصدرت كلا الحركتَين بيانًا مشتركًا بتاريخ 24 سبتمبر 2020.
وبموجب هذه الرؤية تمَّ التوافق بين وفدَي الحركتَين على إجراء الانتخابات العامة في الضفة الغربية وقطاع غزّة على قاعدة التمثيل النسبي الكامل في غضون 6 أشهر، حيث سيصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا بذلك.
وفي أبريل/ نيسان عام 2021، ومع انطلاق الاستعدادات لإجراء الانتخابات، أصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا جديدًا بتأجيل الانتخابات بذريعة عدم وجود موافقة "إسرائيلية" لإجراء الانتخابات في القدس، في خطوة وصفتها حماس وبعض الفصائل بالتهرُّب من الاستحقاق الانتخابي.
وفي 13 أكتوبر2022 وقّعت فصائل فلسطينية على وثيقة "إعلان الجزائر" في ختام أعمال مؤتمر "لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية" الذي تم تنظيمه في الجزائر على مدار يومين. لكِنه بقى حبيس الأدراج وفشل في إنجاز ملف إنهاء الانقسام الفلسطيني.
ما سبق يطرح تساؤلات حول فرص نجاح اجتماع القاهرة؟ وهل تمارس القاهرة ضغوطاً على الفصائل لمغادرة مربع الانقسام؟ وما المخرج لحالة الانقسام المتجذر؟.
اجتماع القاهرة.. تكرار ما سبق من اتفاقات
من جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، أنَّ اجتماع الفصائل الفلسطينية المقرر غداً في القاهرة، سيُكرر ما سبق من اجتماعات، حيث لا يوجد أيّ اهتمام بمخرجات الاجتماع أو أمل في انتهاء الانقسام من خلاله.
ورأى عوكل، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر"، أنَّ "مسألة ربط حركة الجهاد الإسلامي، مشاركتها في اجتماع القاهرة بالإفراج عن معتقليها لدى السلطة ليس بسيطاً وعادياً أو يمكن تجاوزه، حيث ربطت الجبهة الشعبية القيادة العامة والصاعقة مشاركتها بإفراج السلطة عن معتقلي الجهاد أيضاً".
وأضاف: "رغم ما سبق الإشارة إليه، ليس هناك مؤشرات على إمكانية نجاح هذا الاجتماع المقرر ليوم واحد، وحتى إذا امتد ليومين، حيث إنَّ الرؤى والبرامج- يقصد بين طرفي الانقسام حماس وفتح- لا يوجد بها نقاط التقاء".
وبالحديث عن إمكانية اتفاق المجتمعين حول أدوات النضال الوطني في ظل تعمق وتجذر الانقسام الفلسطيني، قال عوكل: "إنَّ الأمر ليس ممكناً، لأنَّ الرئيس عباس يُصر على مقاومة شعبية سلمية لا يُمكن استخدام السلاح فيها، بينما المقاومة ترى ما تقوم به إسرائيل لا يمكن أنّ يُجابه فقط بالمقاومة السلمية بل لابد من استخدام كافة أشكال النضال، خاصةً مع التغول الإسرائيلي الهائل الذي لا يُجدي معه المطالبات والاحتجاجات والبيانات والتصريحات".
وحول إمكانية ضغط مصر على طرفي الانقسام "فتح وحماس" خلال اتفاق القاهرة المقرر غداً، لإنهاء ملف الانقسام، أوضح عوكل، أنَّ مصر لم تتخل عن هذا الملف، وُتتابعه باستمرار لكِن الجهود لم تنجح، مُتسائلاً: "كم اتفاق جرى توقيعه في القاهرة، الكثير من الاتفاقات ولكِن دون نتيجة، وبينها أيضاً رعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاتفاق مصالحة في اسطنبول، حيث التقى طرفي الانقسام بشكل جماعي ولكن لم يتم التقدم في الملف".
وخلص عوكل، إلى أنّه ما لم تتوفر الإرادة لدى الطرفين، فلن تُجدي الاجتماعات أو أنّ يذهبوا إلى اتفاق مرغمين، مُردفاً: "بعد 17 عاماً من الانقسام لم ينتهي أمره بعد، وإنهاء هذا الملف بيد الشعب الفلسطيني وحده".