أعلنت سلطة الطاقة بغزة عن تشغيل مولد الكهرباء الرابع، وذلك في أعقاب الاحتجاجات الشعبية الرافضة للأداء الحكومي، في التعامل مع أزمات القطاع؛ خاصةً "أزمة الكهرباء" التي تفاقمت خلال موجة الحر الراهنة، بالإضافة إلى تركيب العدادات الذكية التي لم تراع الوضع الاقتصادي لسكان قطاع غزّة المحاصر مع تجاوز معدلات الفقر والبطالة نسبة الـ60%، في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض منذ العام 2007 مع سيطرة حركة حماس على القطاع بعد الانقسام السياسي مع حركة فتح آنذاك.
المولد الرابع.. تسكين للأزمة
وتشغيل المولد الرابع، جاء بتمويل من دولة قطر بقيمة 13 مليون دولار أمريكي، وسيستمر حتى مطلع شهر سبتمبر القادم، ومن المتوقع أنّ يُحدث تغيراً إيجابياً على جدول الكهرباء، إذا سيعاد العمل بجدول الثماني ساعات وصل وثمانية قطع، كما صرح المهندس جلال إسماعيل رئيس سلطة الطاقة.
وأرجع إسماعيل، أسباب أزمة الكهرباء في قطاع غزّة إلى عدم توفر الوقود الكافي لتشغيل المولدات الأربعة في محطة الكهرباء، مُستدركاً: "لكننا أُبلغنا بتزويدنا بكميات من الوقود لتشغيل التُربينة الرابعة في المحطة".
وتفاقمت أزمة الكهرباء في قطاع غزة منذ بداية فصل الصيف، حيث يحتاج القطاع إلى نحو 400 ميغاوات من الكهرباء.
وترى شركة الكهرباء، أنَّ مبرر وجود العدادات الذكية هو توجه وطني لحل أزمة الكهرباء بغزّة، لتحسين الإيرادات المالية بدل الإسراف الجائر في سحب التيار، وبالتالي إجبار المواطنين على ترشيد استهلاكهم بدلاً من الفوضى الراهنة، وفق رؤية الشركة.
ويعتمد سكان غزّة على عدادات لقراءة كمية سحب التيار، وفي نهاية الشهر تُرسل شركة توزيع الكهرباء فاتورة تتضمن حجم الاستهلاك وثمنه، على أنّ يُسدد أصحاب الاشتراكات القيمة المترتبة عليهم، لكِن في القطاع لم يلتزم جزء كبير من السكان بدفع قيمة الفاتورة منذ سنوات طويلة، وذلك بسبب تردي الواقع الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر.
وقد بلغت فاتورة ديونهم المستحقة لمصلحة "كهرباء غزة" 1.4 مليار دولار مسجلة على جميع المشتركين، نصفها على المواطنين والنصف الآخر على المؤسسات الحكومية والأهلية، بحسب بيانات كهرباء غزّة.
العدادات الذكية.. ربما تصبح اختيارية
بدوره، رأى الخبير الاقتصادي، محمد أبو جياب، أنَّ تشغيل شركة كهرباء غزّة، المولد الرابع، خطوة مهمة، لكِنها غير كافية لعلاج الأزمة، حيث إنها ستؤدي إلى ضبط جدول الوصل كما كان سابقاً بمعدل ثماني ساعات وصل ويُقابلها الرقم ذاته بالفصل، مُردفاً: "أقصى ما يمكن أنّ يتحقق من هذه الخطوة هو الالتزام بجدول 8 ساعات وصل ويقابلها 8 ساعات فصل، وبالتالي التشغيل يُساعد على زيادة إمدادات الطاقة للمواطن وله انعكاسات على مستوى المؤسسات، الأمر الذي سيخفض من استهلاكها للطاقة البديلة عن الطاقة الأصلية".
وحول تداعيات استمرار الحكومة في فرض العدادات الذكية على سكان غزّة، توقع أبو جياب، في حديثه لوكالة "خبر"، أنّ يُصبح تركيب العدادات الذكية اختيارياً، لأنَّ تركيبه جاء كجزء من هيكلة وتنظيم شبكات النقل والتوزيع المحلية للاستهلاك وضبط الفاقد على الشبكات.
وأكمل: "لكِن هناك استخدامات سيئة من شركة كهرباء غزّة؛ بفرض العدادات الذكية على الفقراء والطبقات المهمشة"، داعياً إلى خطوات أكثر إيجابية في هذا الشأن، بتحويل عملية التركيب طوعيةً وبشكل اختياري.
وخلص أبو جياب، إلى أنَّ الضغط الشعبي -تظاهرات يوم 30 يوليو- أدت إلى الإسراع بتشغيل المولد الرابع، لافتاً إلى أنّه يتم في كل عام تشغيل المولد الرابع، في وقت الأزمات بتمويل قطري، لذلك التشغيل مؤقت وستتجدد الأزمة في كل صيف.
العدادات الذكية.. عودة للعصر الحجري
من جهته، رأى الخبير في الشأن الاقتصادي، مازن العجلة، في حديثه لوكالة "خبر"، أنَّ "تشغيل المولد الرابع؛ لن يؤدي إلى علاج الأزمة المستفحلة، لأنَّ علاج الأزمة يتطلب توفير كميات كهرباء تُساوي الطلب عليها".
يُذكر أنَّ قطاع غزّة المحاصر، دخل في أزمة كهرباء خانقة منذ تعرض محطة التوليد لقصف إسرائيلي عام 2006، وتشتد هذه الأزمة وتنخفض وفقاً لتوفر إمدادات الوقود المخصص لتشغيل المحطة، فيما أسهمت المنح القطرية في تخفيف حدتها خلال السنوات الماضية.
ويعتمد مليونا فلسطيني في غزة حالياً على مصدرين رئيسيين للكهرباء، الأول عبر الخطوط الإسرائيلية التي توفر 120 ميغاوات، والثاني ما توفره محطة التوليد المحلية ويقدر بـ70 ميغاوات، فيما لا يزال خط الكهرباء المصري الذي كان يُوفر نحو 30 ميغاوات متوقفاً منذ عام 2018.
ويحتاج القطاع لنحو 450 ميغاوات من الكهرباء في الوقت الطبيعي، وتزداد احتياجاته إلى 550 ميغاوات في فصل الشتاء.
وبالعودة للعجلة، لفت إلى تطلع المواطنين في غزة لعودة جدول ثماني ساعات وصل كهرباء، مُعتقداً أنَّ تشغيل المولد الرابع قد يوفر هذه الفرصة، وهو الأمر الذي قد يُخفف الضائقة التي تعصف بالمواطنين نتيجة الحر الشديد، خاصةً أنَّ الكهرباء لها أبعاد اجتماعية واقتصادية.
وأردف: "عدم توفر الكهرباء يعني اعتماد المواطن على المولد التجاري الذي تبلغ تكلفة الكيلو الواحد منه 4 شيكل، وذلك في حال وجود راتب للسداد"، لافتاً إلى أنَّ معظم المواطنين غير قادرين على شراء الكهرباء بـ4 شواكل للكيلو، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم مشكلاتهم الاجتماعية؛ لذلك جاء خروجهم للشارع من أجل تذكير المسؤول سواء كان يملك حلاً أولا يملك بقضيتهم، وبالتالي يجب حل الإشكاليات والتخفيف عن المواطنين.
وبشأن تداعيات فرض شركة الكهرباء في غزّة، العدادات الذكية القائمة على فكرة الدفع المسبق، رأى العجلة، أنَّ العدادات الذكية تتبعه شركة الكهرباء من أجل تنظيم الاشتراكات بعملية الدفع؛ لكِن لكل حل تكنولوجي تداعيات مختلفة.
وتابع: "العدادات الذكية على حساب الفقراء، لأنَّ العداد الذكي يتضمن خصم أموال التغذية السابقة والكهرباء الحالية، وبالتالي كم سيدفع الفقير معدوم الدخل، لذلك هناك مواطنين عادوا إلى العصر الحجري".
واستدرك: "سلطة الأمر الواقع- يقصد حكومة غزة- تتعامل مع أزمة الكهرباء برد بإستراتيجية رد الفعل، وليس باستراتيجة الحلول طويلة الأجل"،لافتاً إلى أنَّ كل الحلول تحتاج إلى تمويل، والحكومة ليس لديها نية فقط وبالتالي لا حلول طالما تعتمد سياسية الجباية فقط.
وختم العجلة حديثه، بالقول: "إنَّ ما تستورده حكومة غزة، من كهرباء ومياه من إسرائيل تقوم السلطة بدفعة عن طريق الخصم من أموال المقاصة (40 مليون $)مباشرة من إسرائيل، عدا عن حوالي 10 مليون دولار تحصل عليها من المنحة القطرية لقطاع الكهرباء، وبالتالي أين العبء؟!"، مُردفاً: "هناك الكثير من علامات الاستفهام يجب الإجابة عليها، وبالتالي ليس هناك حل لأيّ مشكلة طالما تعتمد الحكومة في غزة استراتيجية الجباية فقط".