سلوك شيطاني لجنود قوات الاحتلال على مفارق الطرق

image_processing20220918-3459076-v0xtvh.jpeg
حجم الخط

بقلم تيسير خالد

 

لدولة الاحتلال جيش يسمونه جيش الشعب ، ليس هذا فحسب بل هو في لغتهم الجيش الأكثر أخلاقية في العالم . هذا الجيش لا يكتفي باستسهال الضغط على الزناد في سلوكه مع الفلسطينيين وفق تعليمات إطلاق النار ، التي تصدرها له قيادته ، بل يذهب ابعد من ذلك بتوفير الحماية لممارسات قطعان المستوطنين الارهابية بشكل عام وبمشاركتهم ايضا في حالات تتكرر ، أمام وسائل الاعلام ، في تلك الممارست . هذا حدث مؤخرا في حوارة وفي ترمسعيا ، كما في أم صفا . هو جيش توفر له الدولة كل متطلبات الحماية بغطاء ليس من المستوى السياسي وحسب ، بل ومن سلطتها القضائية في المحاكم

 المحلية وفي المحكمة العليا الاسرائيلية ، كما في المحاكم الدولية وخاصة في المحكمة الجنائية الدولية .

 

على امداد الطرق في الضفة الغربية وعلى مفارقها ينتشر هذا الجيش في حواجز ثابتة وأخرى متحركة ، عددها لا يحصى ، وعلى هذه الطرق ومفارقها تمر وسائل الاعلام المحلية والدولية وتمر كذلك البعثات السياسية والديبلوماسية الدولية في تل ابيب كما في القدس ورام الله . هذه البعثات تشاهد هذه الحواجز ،وفي ظني أنها لن تجد مثيلا لها في أي بلد في العالم ، ليس فقط لكثرتها بل ولسلوك جنودها . جنود متحفزون وفوهات بنادقهم مصوبة باستمرار على حركة المركبات على الطرق في منظر يؤشر على مدى المعاناة ، التي يعيشها الفلسطينيون في مناطقهم المحتلة منذ عشرات السنين .

 

جديد ، بل قديم يتجدد ، على تقاطع ومفارق هذه الطرق تشاهد حركة المرور سلوكا شيطانيا لجنود الاحتلال على حواجزهم المتنقلة ، كنت يوم الجعة الماضي ليس شاهدا على هذا السلوك وحسب ، بل أحد ضحاياه . في ساعات ظهر يوم الجمعة كنت أقود سيارتي في طريق العودة من قريوت الى بيتي في مدينة نابلس . عند مخرج قرية يتما الى الشارع الرئيسي المتجه شرقا الى الأغوار وغربا الى ارئيل فكفر قاسم فتل ابيب يطالعك حاجز زعترة ، ثكنة عسكرية ، تحيط بها نقاط مراقبة يحتلها الجنود . ثكنة مفرق زعترة ونقاط مراقبتها تسيطر سيطة تامة على حركة المرور ، هي ممرات اجبارية لحركة المركبات وسيطرتها كاملة وغير منقوصة .

 

رغم ذلك كان جنود الاحتلال يقفون على حاجز متنقل ، حاجز طيار ، على مخرج قرية يتما الى الشارع الرئيسي ، حاجز لا وظيفة له ، على المستوى الاحتياطات الامنية لا يقدم ولا يؤخر ، هو حاجز إضافي . على ذلك الحاجز وقف اربعة جنود ، لا يتدخلون في حركة المركبات ، يراقبنوها فقط ، فهو لا يبعد عن الثكنة والحواجز الأخرى المتشرة في المكان غير عشرات الأمتار . هم يقفون على طرف الشارع فقط ، بعد ان زرعوه من جهتية ، يمينا ويسارا بسلسلتين من المسامير الحادة غير المرئية وتركوا في الوسط ممرا ضيقا للمركبات . كثيرون يلفت انتباههم وجود الجنود ويغيب عن انتباهم ما زرعوه في الشارع ، وإذا ما أخطأت مركبة ما تقدير الموقف وقعت ضحية تلك السلسلة من المسامير الحادة . حظ هذه المركبات يكون جيدا ، إذا وقع العطل في المركبة في أحد إطاراتها لحظة المرور عليها ، والحظ يكون سيئا بالطبع ، إذا تمكنت تلك السلسلة من الاطارات كلها . حظي أنا في ساعات ظهيرة يوم الجمعة الفائت كان جيدا ، فقد تمكنت المسامير الحادة لتلك السلسلة من إطار وحد وقع ضحية لسلوك مشين ، لجنود وقفوا يتفرجون على الذي حدث .

 

مثل هذه الممارسات الشاذة والشيطانية ليست نادرة الحدوث على مفارق ومداخل الطرق في الضفة الغربية . هي تتكرر دائما وكأنها لعبة مسلية لجنود الاحتلال . العطب ، الذي أصاب سيارتي أثار غضبي ، ولكن الغضب سريعا ما تحول الى شعور بالراحة والطمأنينة وأنا اشاهد عددا غير قليل من الشباب الفلسطيني ، الذين يعبرون الشارع الرئيسي بمركباتهم ، يسرعون الى نجدتي ومساعدتي لإصلاح ما افسده جنود الاحتلال . لحظات ثقيلة مرت في تلك الساعة ، ولكنها ذكرتني بذلك اليهودي الرائع ، المولود في بولندا وأحد الناجين من الهولوكست النازي في الحرب العالمية الثانية ، الذي عمل محاضراً في الكيمياء في الجامعة العبرية في القدس وكان رئيسا لأحد الجمعيات الإسرائيلية المعنية بحقوق الإنسان والحقوق المدنية.

 

عرف عن اسرائيل شاحاك ، الكاره لنفسه كما يصفونه في دولة الاحتلال ، نقده الصريح لدولة اسرائيل وللمجتمع الإسرائيلي على وجه العموم . تذكرت كتابه ، الذي سلط فيه الضوء على موقف الديانة اليهودية من الأغيار ( غير اليهود ) . يسهب اسرائيل شاحاك في كتابه المعروف " الديانة اليهودية وموقفها من الأغيار " في شرح ما جاء في " الهالاكاه – الشرائع اليهودية " من قواعد سلوك يجري تدريسها في المدارس والمعاهد الدينية في اسرائيل . هي قواعد سلوك يجري تدريسها هذه الأيام للجنود وفي المعاهد والمدارس الدينية القائمة في المستوطنات ، التي بناها الاحتلال في طول الضفة الغربية وعرضها ، وهي تقوم في جوهرها على بناء غير انساني في العلاقة مع الأغيار ، وفي حالتنا في العلاقة مع الفلسطينيين .

 

من قواعد السلوك التي يرويها اسرائيل شاحاك في كتابه عن الموقف من الأغيار قاعدة تقول : لا تدفع الأغيار للسقوط في البئر ، ولكن إذا سقط أحدهم في البئر ، فاتركه لمصيره ، وقاعدة أخرى تقول : من غير الجائز ان تلحق الأذى بالأغيار بطريقة مباشرة ، ولكن إذا حدث ذلك بطريقة غير مباشرة فذلك أفضل . ما حدث معي في ذلك اليوم ، الذي لم اكن المستهدف فيه بشكل مباشر ، بل كنت احد ضحاياه ، ينطبق عليه إلحاق الضرر بطريقة غير مباشرة ، وهي في ظني أخف وأقل الأضرار ، التي تتسبب بها ممارسات الجنود على حواجز الاحتلال .