ثلاث ساعات كانت أكثر من كافية، لتأكيد المؤكّد الذي أصبح معلوماً للجميع.
المسؤولية الوطنية، هي الغائبة عن اجتماع الأمناء العامين الذي انعقد في العلمين الجديدة في الثلاثين من تمُّوز الفائت.
صاحب الدعوة، ومستوى المدعوّين، ومستوى المتدخّلين من تركيا إلى مصر، كلّ ذلك كان يوحي بجدّية غير مسبوقة إزاء واحدٍ من أخطر الملفات.
وغاب عن الاجتماع، أيضاً، موقف الرأي العام الفلسطيني الذي يكتوي بنيران الإخوة الأعداء، وكأنّ المحتل الإسرائيلي يترك فراغاً لمزيد من الألم والإحباط.
الوفود كلّها حضرت، على مستوى الأمناء العامين، أو نوّابهم ما عدا «الجهاد الإسلامي»، و»الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة»، و»الصاعقة»، وأيضاً في غياب رئيس الحكومة د. محمد إشتية، وعصام الدعليس «رئيس اللجنة الحكومية في غزة».
بغياب هؤلاء لم يكتمل النصاب، الذي ينبغي أن يجمع كلّ أصحاب القرار، وأيضاً الجهات المكلّفة التنفيذ.
بالتزامن مع خواتيم الاجتماع، بالخطاب الضّافي الذي ألقاه الرئيس محمود عبّاس، وقيل إنه بيان نتيجة الحوار كان «الحراك الشبابي» في قطاع غزة، يجوب كلّ المحافظات، يهتف بالدعوة لإنهاء الانقسام.
«الحراك الشبابي» بعنوان «بدنا نعيش» لم يكتفِ بتقديم رسالته، التي وصلت متأخّرة إلى مسامع الأمناء العامين الذين كانوا قد فضُّوا اجتماعهم.
عاود «شباب الحراك» نشاطهم يوم الجمعة المنصرمة، لكنهم لم يُفلِحوا في التجمُّع والخروج، فلقد استعدّت الأجهزة الأمنية، ونجحت في منع التجمهُر. وعد «الحراك» لا يزال قائماً ويتردّد صداه، ولكنني أنصح الشباب بأن لا يُعاودوا الهُتاف والمطالبة بإنهاء الانقسام.
كثيرة هي المبادرات الاجتماعية، التي تأسّست على هدف إنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة، لكنها لا تعدو كونها محاولات للإعلان عن حضور المبادرين ليس أكثر، وهؤلاء، أيضاً، عليهم أن يتوقّفوا عن الانشغال بمثل هذه المبادرات.
«اجتماع العلمين» أقفل الطريق إلى حين أمام إمكانية تحقيق هدف إنهاء الانقسام، فقد لاحظ أحد الأمناء العامين الذين حضروا الاجتماع أنّ الهُوّة تتّسع أكثر فأكثر عن السابق.
كلّ الوقت، الناس تصول وتجول، وتجتهد في معرفة أسباب فشل المحاولات المتكرّرة لإنهاء الانقسام، لكن الأسباب أصبحت أكثر من واضحة بعد خطاب الرئيس في ختام الاجتماع وتصريحات رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» في الخارج خالد مشعل!
خطاب الرئيس يمكن رؤيته على أنّه معاودة التأكيد على سياسة وخطاب سابق، مع جَرْدة حساب للإنجازات التي تحقّقت على خلفية هذا البرنامج.
مُلخّص البرنامج والرؤية، باختصار كما ورد في خطاب الرئيس يقوم على المفاصل الآتية: منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولا ينبغي لأحدٍ أن يفكّر بالنّيل منه أو منافسته.
الالتزام بالشرعية الدولية، بما يعني قراراتها وآليات عملها والتي تحصر الحقوق الفلسطينية في الأراضي المحتلة العام 1967، مع تعديلٍ يمكن أن يكون مقبولاً على قرار (194) في حال جرت مفاوضات.
المقاومة الشعبية السلمية هي الأسلوب الوحيد المعتمد لدى منظمة التحرير والسلطة الوطنية مع رفضٍ واضح وصريح لاستخدام السلاح، بالرغم من أنّ الأمم المتحدة ذاتها تعطي الحق للشعوب المحتلة باستخدام كافة أشكال النضال لتحقيق أهدافها التحرّرية.
طبعاً يمكن أن نفهم أنّ استخدام أشكال النضال، يعتمد على طبيعة الظروف والعوامل، وبالتالي فهي متحرّكة ومحكومة للمصلحة الوطنية والجدوى.
وأخيراً سلطة واحدة وسلاح شرعي واحد، ما يطرح سؤالاً كبيراً لا يملك أحد الإجابة عنه والذي يتعلّق بسلاح «المقاومة» في قطاع غزّة بالأساس وفي الضفة الغربية.
في الخلاصة، الكلّ يريد الانتخابات، لكن هذه طريقها مسدود، أيضاً، طالما لا يسمح الاحتلال بإجرائها بمشاركةٍ كاملة من المقدسيّين.
مشعل قال: إنّ حركة حماس وافقت على إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة العام 1967، لكنّ حركته ترفض الاعتراف بإسرائيل باعتبار ذلك أحد أهمّ ركائز القرارات الدولية وأحد أهمّ الالتزامات التي قدّمتها منظمة التحرير عند توقيع «اتفاقية أوسلو».
أراد مشعل أن يقول إنّ الحركة فوق ذلك تعترف بالمنظمة ممثلاً للشعب الفلسطيني حين تضمّ كافّة الفصائل بما في ذلك «حماس» و»الجهاد».. غير أنّ الأهمّ على ما يبدو حين اعترف أن الخلاف الأساس هو الصراع على السلطة والقرار.
هكذا تكون المسافة واسعة بين أطراف الانقسام السياسي إلى الحدّ الذي لا يترك مساحةً للتوافق بالرغم من احتياج الجميع لمثل هذا التوافق الوطني، لمجابهة مخطّطات صهيونية تعمل ليل نهار لحسم الصراع على الضفة والقدس.
في الحقيقة، فإنّ ثمة إمكانية لا يرغب الجميع بالاقتراب منها إذ يمكن التوافق على إطارٍ عام قيادي لا يلغي اللجنة التنفيذية للمنظمة وصلاحيّاتها، لكنّه يتيح المجال لتبادل وتكامل الأدوار في ظلّ استمرار الانقسام.
تبدد نتائج الاجتماع كل ادّعاء حول الشراكة، والديمقراطية، والمصلحة الوطنية، والإستراتيجية الوطنية، لتكون النتيجة الاتفاق على إدارة الانقسام، واستمرار الصراع حول أشكال النضال، وسلطة اتخاذ القرار في المؤسّسات الوطنية.
شيء واحد فقط تحقّق من «اجتماع العلمين»، وهو إعادة تأكيد شرعية الرئيس في تمثيل الكلّ الفلسطيني، بالرغم من أنّ أحداً لا يُزاحِمه هذه المكانة.
أمّا النتيجة الأُخرى غير المباشرة، وهي أنّ على الوسطاء أن يكفُّوا عن المبادرة والعمل من أجل إنهاء الانقسام، وعلى الشعب أن يتعايش مع هذه الحقيقة المُرَّة.