منذ بدايات التدخل الروسي، في الأزمة السورية، بدأت موازين القوى، في الاختلاف، وتمثل هذا بتدخل عسكري، عبر سلاح الطيران، والصواريخ بعيدة المدى، وتركز بشكل أساس، شمال سورية، بمحاذاة الحدود السورية ـ التركية.
كان واضحاً للعيان، أن تلك الحدود، الطويلة والمتشابكة، هي مصدر سلاح ومتطوعين، من جميع أصقاع الأرض، وأن ثمة مساعدات لوجستية تركية مباشرة تأتي عبر الناتو، ودول إقليمية أخرى، وهدفها الأساس، تجزيء الجغرافيا السياسية السورية، وهدم البنية للحكومة المركزية في سورية.
كانت روسيا، من أوائل الدول التي دعت لحل سياسي في سورية، بل ودعت لاستبعاد الحل العسكري.
بذلت روسيا جهوداً مشهودة في هذا الطريق، لكن جهودها تلك لم تصل إلى نتائج محددة.
جاء القرار الروسي في التدخل الجوي الاستراتيجي، كآخر الكي، ولوضع حد حازم وحاسم، لوقف مخطط حلف الناتو، وإسقاط برنامج تجزيء الأراضي السورية، لمصلحة داعش والنصرة، وغيرهما. في حروب ذات طبيعة استراتيجية، كالحرب في سورية، من الصعب التمييز بين الأهداف، بين مواقع الجيش الحرّ، وبين مواقع داعش، مثلاً، كما يصعب التمييز أحياناً، بين ما هو عسكري ـ ميليشيا، وبين ما هو مدني.
تمكنت الإغارات الجوية الروسية ـ السورية، من قطع معابر المرور اللوجستي، بين تركيا وشمال سورية، ومن هنا بات حصار حلب وقراها شمالاً، أمراً ممكناً، ومع استمرار الضربات الجوية، أخذت معنويات داعش والنصرة، وغيرهما في التراجع والانهيار، وبات انهيارهم قاب قوسين أو أدنى.
في مؤتمر جنيف 3، اشترطت المعارضة السورية، وقف اطلاق النار أولا، وقبل البدء بالمفاوضات، وهذا ما رفضه الوفد الرسمي السوري، ذلك أن ضبط الحدود، خاصة الشمالية، هو أمر لا بد منه، للتوصل إلى حل يكفل وقف الحرب الداخلية. باتت الحرب الداخلية في سورية، مرشحة جدياً للانطفاء، لكن ذلك لا يعني أن سورية المستقرة باتت على الأبواب.
الحرب الداخلية، الممولة والمدعومة لوجستياً في سورية، بدأت بالانحسار، لكن مسلسل المشكلات الداخلية، وما ترتب على هذه الحرب الضروس، لا يزال قائما، ويحتاج إلى جهود ودعم دولي وإقليمي كبير، لتجاوز نتائجها.
أولها وأخطرها، إعادة نحو 7 ملايين مهاجر سوري، بعضهم في الأردن، ولبنان، وتركيا، ومعظمهم في أوروبا... هنالك دمار في المدن السورية، تقدر بعض الجهات الاقتصادية، إعادة إعماره، بنحو 170 مليار دولار!!! هناك النسيج الاجتماعي في سورية، قد أصابه الدمار، ومن الصعب إعادة بنائه.
هذا النسيج الذي تعود بدايات بنائه ووضع قواعده، لبدايات الفتوحات الإسلامية.
هنالك ملفات عميقة وخطرة، أبرزها إعادة الإعمار، وإعادة الحياة المركزية السياسية (الحكم). وقف الحرب والدمار والنيران، مهمة أساسية ومركزية، ويمكن القول بالمعنى الاستراتيجي، إن بداياتها قد بدأت، والسؤال هنا: وماذا بعد ذلك؟!! هل الحكم القائم، بأجهزته وإداراته، وما خلفته الحرب السورية عليه، لا يزال قادراً على إدارة حكم رشيد؟!!
بالتأكيد، لا.... لا بد من شفافية، ومن إرساء قواعد حكم ديمقراطي، فيه تعددية سياسية وتداول للسلطة.
وهذا ما يحتاج حقاً، لتوافقات داخلية واسعة وواضحة، لا لبس فيها ولا إبهام... دون ذلك، قد تنجح روسيا، في وقف الإمداد الخارجي، للداخل السوري، ووقف نزيف الحرب الداخلية، في وقت ستشهد به سورية، وطأة الملفات الكبرى، التي خلفتها تلك الحرب، ما سيسرع عمليات التفتيت الداخلي، مع ما يحمله هذا التفتيت من مخاطر الجريمة الداخلية، بأنواعها وألوانها، في ظل غياب حكم مركزي، يمثل السوريين جميعاً، ودون تدخل خارجي!