أتابع الأخبار الرسمية، وكثيرا ما تتكرر عبارة مطالبة المسؤول الفلسطيني للضيوف بحماية وإنقاذ حل الدولتين والحفاظ عليه!
يعتقد المسؤول الفلسطيني وخاصة صانع القرار السياسي على مستوى الحكومة ومنظمة التحرير ان عليه ان يكون دبلوماسيا وحذرا في طرحه مع الضيوف الرسميين والدوليين منهم. الرسالة من هذا المقال هي ضرورة إعادة النظر والتفكير بما يقوله ويطرحه المسؤول!
لماذا يطالب المسؤول الفلسطيني بحماية حل الدولتين بعد ٣ عقود من بدء عملية السلام في الشرق الأوسط والتراجع الذي نشهده على الأرض من مصادرة للأراضي وتوغل استيطاني واعدامات ميدانية ومخالفات أخلاقية وقانونية لأبسط حقوق الانسان, المتوقع من المسؤول الفلسطيني ان يذكر الضيوف من صانعي القرار والبرلمانيين ان حل الدولتين هو خيار ومقترح المجتمع الدولي وهو يعتبر "تنازلا" على المستوى الفلسطيني, هذه هي الحقيقة التي يجب ان يتذكرها كل مسؤول فلسطيني ويذكّر العالم والضيوف الكرام بها. نحن نستجدي الحرية والسلام, لا نستجدي مزيدا من التنازل, لقد وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على حل الدولتين ليس لأنه يعيد كل الحق الفلسطيني ولكن "م.ت.ف" وافقت على مقترح المجتمع الدولي من بادرة حسن النوايا وإظهار موقف واستعداد لتحقيق السلام لشعبين.
بعد ٣٠ عاما, الرسالة الأساسية التي يجب ان يتبناها كل مسؤول او أي متحدث باسم الفلسطينيين ان حل الدولتين هو خيار تم طرحه وتبنيه من المجتمع الدولي بالدرجة الأولى، وعليه من غير المقبول الاستمرار بالترويج والحديث عن هذا الحل دون روية خطوات عملية والتزام من قبل هذه الدول: يجب ان نضع هذه الدول تحت المجهر ونقدم لها خيارين لا ثالث لهما: اما ان تطبق هذا الحل فورا لإظهار حقيقة النوايا وجدية الطرح واما ان تتوقف عن الدفاع والترويج لهذا الطرح والاعتراف بقبول الحقائق التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على الارض.
اما ان نقدم قاعدة للمماطلة واللف والدوران في حلقة مفرغة من الحل بعد ثلاث عقود، فهذا غير مقبول أبدا, هذا التوجه أصبح جزءا من التضليل على الحقيقة والـ Status Quo على ارض الواقع، وهذا غير مقبول وليس من الطبيعي ويجب ان لا يكون مقبولا وطنيا ان يستمر هذا الطرح لأنه مدعاة للمماطلة وحرف البوصلة عن أي هدف وطني.
ليس من الحكمة التركيز على شكل الحل وليس من الحكمة ولا الوطنية اليوم ان نستمر بالمناداة بحل الدولتين, الحكمة والعمل الوطني يدعو الجميع لاحترام التزاماتهم القانونية والأخلاقية حول تنفيد الحل بدلا من الاكتفاء بالحديث عن الحل دون ان التزام حقيقي.
هناك مدرستان، واحدة تنادي بحل الدولتين كخيار أمثل للشعبين الفلسطيني والاسرائيلي، وأخرى تنادي بحل الدولة الواحدة الديمقراطية للشعبين. لقد قبلت منظمة التحرير الفلسطينية رؤية حل الدولتين المطروحة من قبل المجتمع الدولي وبناءً عليها خاضت تجربة المفاوضات، تجربة بدأت منذ ٣ عقود باعتراف فلسطيني بدولة إسرائيل أملا بإحقاق السلام للشعبين في ظل دولتين تضمن الحرية والكرامة والسيادة، الا ان التجربة لم تحقق المأمول، حتى ان حكومات المجتمع الدولي التي تتبنى وترعى وتتغنى بحل الدولتين باستثناء مملكة السويد لم تعترف بالدولة الفلسطينية حتى يومنا هذا لأسباب عديدة لا أراها منطقية. ولكن الخلاصة ان حل الدولتين اليوم يبدو عقيماً تماماً كما المفاوضات كأداة وحيدة لحل في الشرق الاوسط. فمنذ بدء العملية السلمية، زادت أعداد المستوطنات لأكثر من ٢٢٠ وتضاعفت اعداد المستوطنين لأكثر من ٧٥٠ ألف مستوطن في الضفة بما فيهم ٣٠٠ الف في القدس الشرقية، مصادرة الأراضي مستمرة، فرض الحقائق والسياسات العنصرية مستمرة، الاعدامات الميدانية ضد الشعب بحجج الأمن الواهية مستمرة، الاعتقالات الإدارية غير القانونية وصلت ٢٠٠٠ منذ بداية ٢٠٢٣ فقط ! إرهاب المستوطنين والجرائم اليومية بحق شعبنا, أشكال الاحتلال مستمرة من الاذلال الى الاحتجاز الى الأسر إلى الاعدام وصولاً لاقتطاع أموال المقاصة والضغط المستمر على القيادة الفلسطينية لترضى بالوضع الراهن مقابل الاستمرار بالوجود!
حل الدولتين الذي لم يرَ النور لم يكن خياراً فلسطينياً بل هو التنازل الذي رضي به الفلسطينيون حين قبلوا ب ٢٢٪ من فلسطين الانتدابية. وهنا يلجأ البعض للتخلي عن حل الدولتين والدعوة لحل الدولة الواحدة الذي يمثل السيناريو الحضاري الذي نحلم به ولكن الواقع السياسي Real Politik يعكس غير ذلك، فإسرائيل دولة عنصرية يقودها مجموعة من مجرمي الحرب على رأسهم نتنياهو، دولة تستمر بسن القوانين العنصرية من قانون القومية اليهودي وقانون احتجاز جثامين الشهداء وقوانين الإرهاب وخطط الضم وصولا للتغيرات القضائية اليوم، هذه الدولة لا تعترف بحقوق لغير اليهود، لا يريدون حل الدولتين ولا يريدون دولة واحدة ديمقراطية، يتجهون للفصل العنصري. وهنا ليس من مصلحة الفلسطينيين تكرار المطالبة بحل الدولتين، بل عليهم التركيز على إلزام الدول باحترام مواقفها في إنفاذ هذا الحل والعمل على رسم حدود دولة إسرائيل المعترف بها مند ٧٥ عاما.
العنصريّة في جنوب افريقيا لم تكن مشكلة افريقيا فقط، ولكنها كانت مشكلة العالم، اذا استمر نتنياهو في سياساته العنصرية, فهو يقدم اسرائيل كمشكلة العالم...
- دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.