ثرثرة على ضفاف عزل المحافظين والبحث عن بدائل!

تنزيل (16).jpg
حجم الخط

بقلم المحامي زياد أبو زياد

 

ألتمس العذر من نجيب محفوظ إن كان العنوان أعلاه متأثرا ً بعنوان روايته ثرثرة فوق النيل.


أثار قرار الإقالة المفاجئ الذي اتخذه الرئيس محمود عباس بحق اثني عشر محافظا ً في الضفة الغربية وقطاع غزة موجة عارمة من التكهنات والتفسيرات لا تزال تشغل وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص ووسائل الاعلام بشكل عام. ذلك لأن إقالة هذا العدد من المحافظين بالجملة وبشكل مفاجئ ليس أمرا ً طبيعيا ولا يحدث عادة إلا في أعقاب الانقلابات العسكرية وتغيير النظام الحاكم وعدم ثقة النظام الجديد بمن كانوا يدينون بالولاء للنظام السابق، وهذا بالتأكيد لا ينطبق على الحالة الفلسطينية الراهنة لأن النظام لم يتغير والمحافظون المعزولون تم تعيينهم من قبل النظام الحالي ويدينون له بالولاء، وهذا ما فتح الباب واسعا ً أمام الإشاعات والتكهنات.


وبالرغم من محاولة البعض تبرير ما حدث بالقول بأن المحافظين الذين تم عزلهم بلغوا سن التقاعد وبالرغم من الانباء بأن الرئيس سيقوم بتكريمهم وربما تقليدهم الأوسمة إلا أن كل ذلك لا يزيل إشارة الاستفهام التي ارتسمت على وجوه الكثيرين.

 

وعلى أية حال فإن هذا العزل الجماعي إن دل على شيء فإنما يدل أولا ً وقبل كل شيء على حقيقة ان الرئيس محمود عباس وحده هو الأول والأخير في منظومة الحكم وأنه المصدر الوحيد للسلطة ولاتخاذ القرار.


وما حدث يمكن أن يُفسر بأنه رد فعل غاضب على تصريحات أو أفعال أحد أو بعض هؤلاء المحافظين في الآونة الأخيرة وأن قرار العزل الجماعي قد أريد منه ابعاد صفة الشخصنة عن القرار وتقديمه بشمولية ذهب فيها الطائع بذنب العاص، كما يقولون، وأن أحد فوائد هذه الشمولية أنها تحفظ ماء وجه بعض المعزولين ولا تضعهم في بؤرة النقاش العام لأسباب العزل، وبنفس الوقت تسد الطريق أمام أية احتجاجات مناطقية أو عشائرية لإعادة فلان أو علان الى منصبه.


ويمكن أيضا ً أن يُفسر ما حدث بأنه اجراء يأتي في بداية سلسلة من الإجراءات الإصلاحية التي يُراد منها إعادة صياغة أجهزة وأذرع السلطة على أصعدة عدة بعد أن تآكلت وتكلست مفاصلها، وباتت في حالة من الركود العقيم.


وقد ذهب بعض من رأوا في عزل المحافظين خطوة أولى نحو الإصلاح وتجديد الدماء في عروق السلطة، بأن تنبأوا بأن الخطوة التالية ستتناول أعضاء السلك الدبلوماسي الفلسطيني في الخارج الذين بلغ بعضهم من العمر عتيا وأمضى البعض السنين الطويلة في مكانه لدرجة انه لم يعد يختلف عن أي مواطن في الدولة التي يقيم فيها بل وربما استغل وجوده الطويل في مكانه للاشتغال بالتجارة مباشرة أو بالوكالة، ومع ذلك يتباهى بأنه أصبح عميدا ً للسلك الدبلوماسي في تلك البلد، أي أقدم الدبلوماسيين الأجانب فيها، لأن كل الدول تستبدل ممثليها كل 3 – 4 سنوات إلا فلسطين فممثليها في الخارج ينطبق عليهم مبدأ الساكن لا يُخرج!

 

وسواء كان العزل الجماعي للمحافظين ناتج عن حالة غضب واستياء من أداء البعض أو الكل، أو كان خطوة تبشر ببدء عملة إصلاحية شاملة فإنه يجب ألا يغيب عن البال أن كل هذا يجري في ظل غياب القانون. واذا اسعفتني ذاكرتي فقد قام المجلس التشريعي الأول باقتراح مشروع قانون للمحافظين ومناقشته بالقراءتين الأولى والثانية ورفعه للرئيس لتوقيعه ونشره في المجلة الرسمية ولكن الرئيس المرحوم أبو عمار رفض توقيعه وأصر على أن المحافظين تابعين للرئيس ولا شأن للمجلس التشريعي في ذلك، وأصدر المرسوم الرئاسي رقم 22 لسنة 2003 والذي أدخلت عليه عدة تعديلات لاحقا ً إلا أنها لم تستكمل كل الجوانب القانونية اللازمة من حيث مؤهلات وآلية وشروط تعيين المحافظ مثلا.

 

ومع أن وكالة "وفا" ذكرت بأن الرئيس أصدر مرسوما ً بتشكيل لجنة رئاسية تضم عددا من الشخصيات القيادية ذات الاختصاص لاختيار مرشحين لشغل المناصب الشاغرة ورفع توصياتها للرئيس، إلا أنه لا توجد مرجعية قانونية تحدد المعايير التي يجب أن تتوفر في المرشح وبالتالي فإن من الممكن ترشيح أشخاص لأسباب سياسية أو أمنية ولكن ليس في مستوى المهام والصلاحيات المناطة والممنوحة للمحافظ.


فالمحافظ هو أعلى سلطة تنفيذيه في المحافظة وهو يمثل رئيس الدولة ويترأس المجلس التنفيذي للمحافظة والمكون من مدراء جميع المديريات في المحافظة باستثناء النيابة والقضاء، وعدد من رؤساء البلديات ويترأس لجنة التخطيط والتنظيم في المحافظة. لذلك لا يكفي أن يكون المحافظ قادما ً من المؤسسة الأمنية أو التنظيمية الحركية بل يحمل درجة جامعية إضافة الى الخبرة في الشأن العام والإدارة والحركة وقادر على القيام بمهمة رئيس مجلس التنفيذي للمحافظة، دون أن يكون لديه أي إحساس بالنقص أمام الكفاءات التي يترأسها. ويُفضل في الغالب أن يكون من سلك المحاماة لأن معرفته بالقانون هي أمر ضروري للتمكن من أداء مهام وظيفته. وهذا التقليد كان متبعا ً إبان العهد الأردني قبل عام 1967 في الضفة الغربية بما في ذلك القدس. وأذكر أن الذين تعاقبوا على هذا المنصب بالقدس مثلا ً كانوا من أكثر المحامين كفاءة وخبرة أمثال المرحومين المحامي أنور نسيبة وقاضي محكمة التمييز والسفير لاحقا ً داود أبو غزالة والمحامي والسفير والوزير السابق أنور الخطيب التميمي.


وفي المحصلة فإنه لا بد من الإقرار بأن أية عملية إصلاحية هي أمر مرغوب فيه ومرحب به بل وضرورة ملحة، ولكن الإصلاح الحقيقي يجب أن يبدأ بإعادة الشرعية البرلمانية لمنظومة الحكم برمتها من خلال اجراء انتخابات حرة ونزيهة والانطلاق نحو إعادة بناء مؤسسات الحكم على أسس ديمقراطية.