إعلان المملكة العربية السعودية عن تعيين نايف السديري سفيراً مفوضاً وفوق العادة غير مقيم لخادم الحرمين الشريفين لدى دولة فلسطين، وقنصلاً عاماً في القدس، في يوم السبت الماضي، خطوة مفاجئة أثارت الكثير من ردود الفعل والتكهنات الإسرائيلية والفلسطينية. ومن بين ردود الفعل السريعة والسلبية ما قاله وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، في مقابلة مع إذاعة «103» العبرية، إن إسرائيل لن تسمح بفتح أي تمثيل دبلوماسي أو فتح قنصليات في القدس، وإن السعوديين يريدون إرسال رسالة للفلسطينيين بأنهم لم ينسوهم. بالإضافة إلى أن السعودية لم تنسق معهم. كما أن القضية الفلسطينية ليست قضية رئيسة في محادثات التطبيع.
وقد توصل «الليكود» بقيادة بنيامين نتنياهو إلى اتفاقات سلام دون علاقة بالفلسطينيين الذين لم يكونوا عائقاً أمام السلام.
الموقف السعودي أربك إسرائيل التي تطمع في التوصل إلى اتفاق تطبيع معها، وهذا بالنسبة لنتنياهو يمثل درة التاج والإنجاز التاريخي ربما الأهم في حياته السياسية.
فما الذي يفعله السعوديون الذين يضعون شروطاً صعبة على إسرائيل والإدارة الأميركية للوصول إلى اتفاق تطبيع العلاقة مع إسرائيل وعودة علاقاتها مع الولايات المتحدة إلى ما كانت عليه سابقاً. إنهم يطالبون بالحصول على أسلحة متطورة جداً لم تمنح لهم في السابق، وتعهد أميركي بضمان أمن السعودية وإنشاء مفاعل نووي للأغراض السلمية مع قدرة على تخصيب اليورانيوم في السعودية، وأخيراً حدوث اختراق جدي في الملف الفلسطيني مثل وقف الاستيطان وتعزيز وضع السلطة الفلسطينية والتزام بعدم تقويض حل الدولتين.
والآن السعودية تذهب خطوة إلى الأمام بالإعلان عن تعيين سفير فوق العادة وقنصل في القدس.
قسم كبير من الإسرائيليين يرفض تقديم تنازلات بعيدة المدى للسعودية في مجال السماح بالحصول على قدرات نووية قد تشجع سباق التسلح النووي في المنطقة. وهذا موقف رئيس المعارضة يائير لابيد الذي يرفض قطعياً فكرة السماح للسعودية بالحصول على أي قدرات نووية. كما أن العديد من القادة الأمنيين يخشون من هذا التطور. وبالنسبة لنتنياهو فالمحظور من جانبه كما من جانب حلفائه هو التعهد بوقف الاستيطان أو أي مسألة تناقض مواقف الحكومة القاضية بتشجيع الاستيطان والضم الفعلي لمناطق (ج). وأي «تنازل» من قبل نتنياهو سيسقط حكومته.
الآن، هناك عدم وضوح رؤية فيما يتعلق بما هو المطلوب سعودياً في الملف الفلسطيني حتى يمضي قطار التطبيع طبعاً بعد أن تحصل السعودية على مطالبها الأخرى من الولايات المتحدة. ولكن ما يزيد الضبابية وعدم الوضوح هو القرار السعودي الأخير الذي رحبت به السلطة الفلسطينية واعتبرته خطوة لتأكيد التزام المملكة بالحقوق الفلسطينية وخاصة الاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس. والسفير السديري تحدث عن الأبعاد السياسية والمادية والمعنوية لهذه الخطوة. وعدا الترحيب الرسمي الفلسطيني، هناك من يعتقد بأن تعيين سفير سعودي فوق العادة لفلسطين هو خطوة معنوية تهدف إلى تسهيل الذهاب نحو التطبيع مع إسرائيل من جانب الرأي العام الفلسطيني والعربي أي للتغطية على هذه العملية.
على كل حال، تختلف العربية السعودية عن دول الخليج الأخرى في أنها هي من صاغ مبادرة السلام العربية التي اعتمدتها قمة بيروت في العام 2002، وهي الراعية لها والملتزمة بها منذ ذلك الوقت، وبالتالي هي لن تذهب للتطبيع مع إسرائيل دون تحقيق شيء ما للفلسطينيين، ولكن هذا الشيء الممكن في الظروف الحالية هو دون شك أقل من الحد الأدنى المطلوب عربياً لتطبيق المبادرة العربية. فالوضع في الولايات المتحدة لا يسمح بالضغط على إسرائيل إلا في مسألة واحدة تتعلق بالإصلاحات القضائية، وهذا الضغط هو في حدوده الدنيا.
وبعض المحللين الإسرائيليين يذهب إلى فكرة أن إدارة بايدن تريد منع نتنياهو من استكمال التشريعات التي تمس بالقضاء مقابل الحصول على التطبيع مع السعودية.
أي أن الضغط سيكون على الجانبين الإسرائيلي والسعودي فيما هو مطلوب أميركياً ولكن ليس إلى مستوى تغيير السياسة الإسرائيلية بشكل جوهري ضد الفلسطينيين.
نتنياهو قد يضطر لتقديم بعض التنازلات لواشنطن بخصوص تجميد التشريعات مقابل علاقة مع السعودية، وأميركا قد تكون مستعدة لتزويد السعودية بما تريد بما في ذلك قدرات نووية سلمية، ولكن على حساب التقدم في الملف الفلسطيني الإسرائيلي.
ومن الواضح أن إسرائيل ليس لديها ما تقدمه للفلسطينيين في هذه المرحلة على الأقل في ظل الائتلاف الحكومي الحالي.
لهذا علينا ألا نحلم كثيراً بتغيير الواقع، فالمشروع الاستيطاني هو الحقيقة الساطعة التي لا تتغير مع تغير الحكومات في إسرائيل أو في الولايات المتحدة ومهما كانت برامجها منسجمة مع مبدأ حل الدولتين أم لا. وأي تغيير في الموقف الإسرائيلي يجب أن يحدث على الأرض من خلال مقاومة فلسطينية شعبية ميدانية وعمل سياسي ودبلوماسي موحد ومنسق فلسطينياً وعربياً ودولياً، وهذا يحتاج لوحدة فلسطينية أولاً.