أيام معدودة أو ساعات وتعود الحياة للأحياء والشوارع، حيث تفتح المدارس أبوابها لاستقبال عام دراسي جديد، وتستقبل غرفها وأفنيتها أفواجاً جديدة من الطلبة، بل أفواج جديدة من أجيال يشقون طريقهم ويخوضون حياتهم التعليمية لسنوات قادمة. رحلة جديدة يخوضها طلبتنا بين العلم والمعرفة والتربية والتنشئة الدينية والوطنية، حاملين معهم أحلام وأهداف جديدة ومتجددة، فهل أعددنا العدة لاستقبالهم أم ما زلنا نكرر أنفسنا ونفترض أن الأجيال يجب أن تعيد نفسها أيضاً؟
التغيير حالة صحية وطبيعية فلا ثابت في هذا الكون سوى الحقيقة الإلهية والوحدانية الربانية، أما غير ذلك فلا مسلمات ثابتة، فكل ما في الكون قابل للتغيير، والإنسان جزء من هذا الكون وتطاله أيضاً قوانين التغيير. وبالتالي يجب أن تتغير نظرتنا نحو طلبتنا ونحو طبيعتهم واحتياجاتهم المختلفة، فلم يعد إعداد العدة لاستقبال عام دراسي جديد يرتكز على تجهيز البيئة المادية من غرف صفية، وأثاث مدرسي، ومختبرات، وكتب مدرسية، وتجهيزات مادية أخرى، رغم أهمية هذا الإعداد، ولكن أصبح من المهم بل من المحتم التفكير في إعداد العُدة بتجهيز البيئة النفسية والاجتماعية والإنسانية لطلبتنا ليكون لديهم دافع أكبر نحو التعلم، وإدراك أعمق لأهمية العلم والمعرفة، وقدرة على التخطيط لمستقبلهم وتحديد أهدافهم المستقبلية، عُدة قوية من المهارات التي نسعى لمساعدتهم على اكتسابها لتكون سلاحهم في المراحل القادمة من مسيرتهم التعليمية والعملية، غير متناسين أن تكون مرتبطة بقيمنا وتقاليدنا وثقافة مجتمعاتنا.
من الواضح أن تطور التكنولوجيا وتوسعها بسرعة، وكذلك التغيرات الاجتماعية والثقافية، يؤديان إلى فجوة في الفهم والتواصل بين الأجيال المختلفة. وهذا يمكن أن يكون تحدياً حقيقياً للمربين والمعلمين الذين يحتاجون إلى التكيف مع احتياجات وتوقعات الطلبة الذين نشأوا وتربوا في واقع مختلف عما اعتادوا عليه. وإدراكنا لذلك يجعلنا نغير من نظرتنا نحو طلبتنا، وقناعتنا العميقة بأنه من الضروري العمل على إيجاد بيئة نفسية وإنسانية جاذبة وإيجابية تقوم على بناء جسور من الثقة والعلاقات الجيدة معهم، متقبلين لاختلافهم عنا، لا أن نقف عاجزين متفرجين ونندب الزمن، ونلعن التطور العلمي والتكنولوجي، أو حتى مقاومة التغيير ورفض التكنولوجيا الجديدة، بل على العكس الأحرى بنا مجاراة هذا الجيل في هذا المجال، والاستمرار في تعلم ما هو جديد وإتقانه، لنتمكن من التواصل الإيجابي معهم، وتوجيه بوصلتهم نحو الاستفادة من التطور وما له من مزايا وإيجابيات ونبذ كل ما هو سلبي منه.
لا بد من الإشارة هنا لبعض الأمور التي تسهم في التقليل من هذه الفجوة بين أجيال المربين وأجيال الطلبة، ونبدأها أولا بضرورة التواصل الجيد، وفهم طريقة تفكير الشباب، وتقدير احتياجاتهم، والغوص في أعماقهم من خلال الحوار والاستماع الجيد. ثم العمل على استغلال التكنولوجيا بشكل إيجابي فهي تعتبر الجسر الذي يصل بين الأجيال، بالإضافة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات التعليم الحديثة لتبادل الأفكار والمعرفة، وتطويعها لتكون أداة لينة في أيدي المعلمين والمربين تقربهم من تحقيق أهدافهم بما يتناسب مع الطبيعة الجديدة لطلبتهم.
ومن هنا من الضروري الاهتمام بالتعلم المستمر من قبل المعلمين والمربين، سواء كان هذا التعلم تعلماً ذاتياً أم تعلماً منظماً من خلال المعاهد والجامعات، حيث يمكنهم أن يكونوا مثالاً يحتذى لطلبتهم من خلال الاستمرار في تعلم أشياء جديدة ومواكبة التطورات الحديثة. وينعكس ذلك على التطور في أساليب التدريس لديهم، وتطويع التطورات الجديدة في خدمة العملية التعليمية التعلمية.
وفي إطار الإعداد النفسي والاجتماعي لدى الطلبة، فلا بد من العمل على تأمين بيئة نفسية واجتماعية إيجابية بين جميع الأطراف، ولا بد من الحفاظ على وجود الاحترام المتبادل بين الطلبة والمربين سواء كانوا معلمين أو مديرين أو حتى أولياء أمور، من خلال تعزيز ثقافة الاحترام والتقدير بين الأجيال المختلفة، وأن كل جيل لديه ما يقدمه للآخر فالطالب ليس متلقٍ فقط، فكما أن الطلبة يمكنهم أن يستفيدوا من خبرة المعلمين، فإن المعلمين أيضاً يمكنهم أن يستفيدوا من رؤية الطلبة، ومن أفكارهم المتجددة، والمساهمة من تطوير أفكارهم والاستفادة من طاقاتهم الكبيرة، ومن إمكاناتهم كشباب فتي، ويتطلب ذلك من الطرفين وخاصة المربين باعتبارهم أهل الخبرة أن يكون لديهم التفهم والصبر، والأخذ بالاعتبار أن الأمر يستغرق بعض الوقت للتكيف مع التغييرات. وقد يكون أحد أشكال التقليل من هذه الفجوة التعاون البنّاء بينهم من خلال إقامة ورش عمل مشتركة أو مشاريع يمكن للطلبة والمربين المشاركة فيها سوياً كشركاء في العمل والإنجاز وليس في الصورة النمطية للعلاقة بين المعلم والطالب. وهذا يتطلب وجود بيئة حاضنة لهذه الشراكات رسمية وغير رسمية، وخاصة في مجال المبادرات التربوية، أو البحث العلمي، أو المسابقات العلمية والأدبية.
كما يمكن العمل على تطبيق برامج تعليمية متكاملة تجمع بين التقنيات الحديثة والقيم التقليدية المراد الحفاظ عليها كسمة من سمات المجتمع، لتقديم تجربة تعليمية متوازنة للطلبة، الهدف منها الحرص على تثبيت قيم أصيلة نابعة من ثقافة المجتمع ومرتكزاته الدينية والوطنية والثقافية والأخلاقية، وفي نفس الوقت متوائمة مع المستجدات والتطورات التكنولوجية الحديثة.
في النهاية، يمكن للتغييرات السريعة أن تكون محفزة للتطور والتحسين في نظام التعليم والتربية، إذا تم تعزيز التواصل والتعاون بين الأجيال المختلفة واستغلال الفرص لردم هذه الفجوة. والمسؤولية هنا تكون كبيرة على المربين والمعلمين باعتبارهم قادة للسفينة وصمام أمانها في نفس الوقت .