غزه والخيار السنغافوري

تنزيل (4).jpg
حجم الخط

بقلم د.ناجي صادق شراب

 

سمعت  لأول مره غزه ستغافورة من الرئيس الراحل عرفات عندما عاد بالسلطة وفتح إلى غزه في أعقاب توقيع إتفاق أوسلو الذي من اهم إنجازاته عودة السلطة وكل القيادات إلى الأراضي الفلسطينية ، لحظتها أعلن أن غزه ستتحول لسنغافورة الجديدة. وقبل المقارنة وما آلت إليه غزة من فقر وبطالة وحروب وحصار ومعاناة بشرية. هل تملك غزة المقومات لتصبح سنغافوره كما قال الرئيس عرفات ولماذا لم يف بوعده؟وإبتداء غزة تملك كل المقومات والإمكانات ان تصبح سنغافورة فلسطين والعرب. فرغم صغر مساحتها وموقعها الجيوسياسي البحري وتواصلها البري مع مصر الحاضنة العربية ومع إسرائيل وهذه حقيقة جغرافية ثابتة تملك قوة بشرية كبيرة بعدد سكان يقترب من المليونين نسمة ونصف جلهم من القوة الشبابية المتعلمة وخصوصا في مجال العلوم الرقمية التي كان من الممكن أن تتخصص فيها غزة بالصناعة الرقمية وتصديرها كسنغافورة، وامتكلت وقبل مجيء السلطة ثقافة مدنية منفتحه ورؤية مستقبلية وهذه الثقافة بدأت تندثر مع قدوم السلطة وإنتشار الفساد الإداري والقمع السلطوي ، وانتهت مع حماس بسيطرتها الكاملة وفرض ثقافتها وأيدولوجيتها المتشددة . ولقد اتيحت الفرصة لنموذج غزة سنغافورة مع بداية السلطة وتدفق الميارات كثمن لأوسلو والتي كان يمكن بإستثمارها في المجالات التنموية الصحيحة وفى بناء قاعدة إقتصادية وخصوصا انه مع بدايات أوسلو والسلطة كانت العلاقات مفتوحة مع إسرائيل في كل المجالات والعلاقات مفتوحة وكاملة مع مصر بمعبرها المفتوح طوال الأربع وعشرين ساعة وأكتمل بالمطار وفي الشروع لبناء الميناء. ما افقترت إليه غزة حتى مع السلطة الرؤية التنميوية الشاملة والمستقلبية التي كانت قادرة على جعل غزة منطقة جذب إستثمارية لكثير من رجال الأعمال وهو ما حدث فعلا وبدأ الكل يفكر في بناء مشروعه والإستثمار في غزة . كل هذه البدايات أنتهت ولم يعد لهاوجود. ولنعد لسنغافورة بعجالة ونربطها بغزة ومن يتحكم فيها.سنغافورة هذه الجزيرة التي خضعت لقرن من الإستعمار البريطاني خرجت تفتقر لكل مقومات الحياة ,لم يكن احد يتصور ان تتحول لنموذج تنموي ونهضوي يستقطب ويجذب كل الشركات الإستثمارية ورجال الأعمال ولتملك اكبر الموانئ في العالم إزدحاما. وتعرف سنغافورة بالدولة النموذج تنمويا ونهضويا وتنويريا.وباني نهضة سنغافورة لى كوان يو والذي تولى منصبه كأول رئيس وزراء في عام 1959، وقد ورث بلدا فقيرا من تركة إستعمارية إستمرت قرنا ، وكانت تعانى من كل شيء بطالة ونقص في السكان والخدمات. ويحكي في كتابه قصة النجاح وهو من الكتب الطويلة يروى فيه قصة النجاح وكيف تحولت من جزيرة صغيرة في جنوب شرق آسيا فقيرة في مواردها وفي سكانها ومتعددة إثنيا من صينيين وملاوييين وهنود ومتعددة اللغات والثقافات والديانات.فهو لم يملك إلا الرؤية التنموية النهضوية التنويرية التي حولت سنغافوره إلى مركز مالى عالمى وتحقق ذلك من خلال الإستثمار في التعليم وألإستقرار السياسي.وخلق بنية جاذبة للإستثمار . والسؤال هل يصلح هذا النموذج لغزة. إبتداء لعل ظروف غزة كانت افضل قليلا من سنغافورة من توفر العامل السكاني والرؤية المدنية لسكانها وبموقعها الجيوسياسي وبعقلية شبابها وإرتفاع نسبة التعليم فيها وبتوفر الظروف المناخية المناسبة والموقع البحري .اليوم غزة تعاني من اعلى نسبة فقر وبطالة وهشاشة البنية التحتية وخصوصا في مجال الماء والكهرباء, ومن إنتشار القيم المتشددة بين الشباب . والسؤال من السبب . غزة تنقصها الرؤية التنموية والنهضوية والتنويرية , فمنذ ان سيطرت حماس على غزة في عام 2007 وتحولت غزة لثكنة عسكرية ,إنتشار الجماعات المسلحة المتعددة.ومنذ ذلك التاريخ شهدت غزة خمسة حروب دمرت خلالها بنيتها الضعيفة أصلا، وراح ضحيتها الآلآف من المدنيين ودمرت أبراجها ومنازلها. وتحولت لمنطقة عدم إستقرار سياسي ، ومع كل حرب تزداد النفقات العسكرية لدعم الرؤية العسكرية التي باتت مسيطرة ، وهذه الرؤية بكل المقاييس لا تصلح لأن تتحول غزه للسيناريو السنغافوري ، وقد يقول قائل وما حاجتنا لهذا الخيار ونحن محتلين محاصرين. بالواقع إسرائيل إنسحبت إنسحابا أحاديا وهذا يعني بالمعنى الضيق ان غزه لم تعد محتله اما مسألة الحصار وليس تبريرا لها يعتمد على الهدنة والدور والوظيفة التي تقوم بها غزة ليس للإحتلال بل لصالح القضية الفلسطينية . والمطلوب امران الأول تبني رؤية مدنية تنموية تنويرية شاملة ، وثانيا تحقيق الاستقرار السياسي ، وهذا من شانه ان يحول غزة لمنطقة جذب إستثمارية إقليمية وعالمية ,من ناحية أخرى هذا الخيار سيدعم قوة الشباب وإمكاناتهم العلمية والعقلية بما يتماشى مع الثورات التكنولوجية التي يمكن ان تكون غزة مركزا لها. ولا شك ان قوة غزة ستكون قوة للقضية الفلسطينية ونموذجا سياسيا ومدنيا يبرهن على قدرة الشعب الفلسطيني على قيام دولته ويمكن لهذه الرؤية ان تمتد للضفة وهذا أحد اهم المقاربات لإنهاء الاحتلال وقيام الدولة , ولعل هذه الرؤية تنطلق من ماهية القضية الفلسطينية وطبيعتها ومكوناتها ومحدداتها وليس من رؤية المصالح الخارجية. غزة بحاجة ان تتحول لمركزا وعاصمة للبناء التنموي والمدني وان تعود لطبيعتها وهذا يتوقف على الموقف من الخيار العسكري وعلاقته بهذه الخيارات. الحرب ليست خيارا لغزه.