يعود عشرات آلاف الطلاب الى مدارسهم في قطاع غزة المحاصر يوم السبت الموافق ٢٦ اب للعام ٢٠٢٣ مع بداية رحلة اكاديمية جديدة تجلب الامل بمستقبل اكثر اشراقا لتثير الحماس داخل المجتمع الغزي المترابط والمتماسك وسط شعور بالترقب والتفاؤل يسود اوساط الطلاب والمعلمين واولياء الامور ..
تفتح مدارس غزة الحكومية الرسمية والخاصة والمدارس التابعة لوكالة الغوث لتشغيل واغاثة اللاجئين ابوابها من خط الحدود والسياج الفاصل شمالا حتى الجنوب ..من شمال غزة الى جنوب رفح وسط تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية تفرضها طبيعة الاوضاع السائدة في القطاع نظرا لاستمرار الحصار الجائر للعام السابع عشر على التوالي ورغم ذلك فان الالتزام بالتعليم يبقى نموذجا ثابتا واصلا مقدسا لدى الغزيين الذين يؤهلون سنويا عشرات الاف الخريجين من الجامعات بعد نهاية دراستهم الثانوية ..
وتمر الدراسة في غزة بمرحلتين اساسية وعليا في نهايتها يذهب الناجحون الى الجامعات لتحصيل درجات علمية متوسطة ( دبلوم وبكالوريوس) الى درجات جامعية عليا ( ماجستير ودكتوراة) وجزء كبير منهم لا يجد فرصة عمل في مجاله فيضطر اما للهجرة الى الخارج او العمل بوظيفة اخرى في سوق العمل المتضرر كثيرا في قطاع غزة بسبب الحصار وعدم فتح آفاق جديدة وغالبية عظمى من الخريجين لا تجد فرصة للعمل على الاطلاق فتضيف الى اجواء الفقر مزيدا من البطالة المنتشرة الى حد كبير ..
وللعودة الى مدارس قطاع غزة فانها تعتبر اصلا ثابتا ونموذجا يحتذى به من خلال اصرار الطلبة واولياء امورهم على مواصلة رحلة التدريس بقيادة جهاز تربوي متميز يضم عشرات المدراء ومئات بل آلاف المعلمين الحريصين على تحقيق نهضة تربوية شاملة بالاستناد على رسالة واضحة ان العلم يبني مداميك الوطن ويرفع صروحه الى اعلى مقام ..
في غزة تفتح المدارس ابوابها لتقديم رسالتها التربوية العميقة المستندة على التربية الاسلامية الحقيقية والتربية الوطنية على حب العلم ، لذا تجد المدارس عامرة بالنشاطات الثقافية والاجتماعية والرياضية والكشفية والانتظام بطابور العرض الصباحي وترديد الاناشيد والهتافات الوطنية والدينية فيشعر مواطنو غزة بالفخر وهم يشاهدون فلذات اكبادهم وابنائهم في رعاية أياد امينة حريصة علىً تقديم افضل سبل التربية والتعليم بالاستناد على المنهاج الفلسطيني الذي يركز على تاريخ وجغرافيا وارث الوطن واقتصاده في الوقت الذي تتعرض فيه مدارس القدس الى حملة اسرائيلية كبيرة لتشويه العلم واستبدال المناهج الفلسطينية بمناهج اسرائيلية لكن مسألة الوعي لدى الادارات التربوية في كل انحاء الوطن من غزة وضفة وقدس تجعل المحاولة الاسرائيلية لغسيل دماغ الطلبة بعيدة عن المنال .
ويسعى مجتمع غزة لاستغلال الهدوء الحالي وحالة الامن المستتبة مرحليا لتحقيق استقرار جديد يساهم برفع وتيرة ومنسوب العلم والاطمئنان على ابنائهم وبناتهم وهم في طريق الذهاب الى المدارس والعودة منها ورغم ذلك تبقى الاخطار محدقة بهم لا سيما المدارس القريبة من منطقة الحدود الشرقية لقطاع غزة التي تتعرض في اوقات كثيرة وخصوصا خلال الدوام المدرسي لاطلاق النار او قنابل الغاز المسيلة للدموع من قبل جنود الاحتلال المتمركزين في الابراج العسكرية على خط السياج الحدودي الذي فرضته اسرائيل وهو ما يهدد حياة الطلبة بشكل كبير ويجعل هناك مساحة من القلق رغم الهدوء والاطمئنان في ظل الابتعاد عن لغة الحرب ..
كان عدد من طلاب قطاع غزة ضحايا للعنف الاسرائيلي في السنوات الاخيرة ما بين الشهادة او الاصابة او الاعتقال ومن هنا فمسؤولية كافة الجهات مضاعفة لتوفير الحماية والامان لطلاب غزة والسماح لهم ببدء موسمهم الدراسي الجديد وسط اجواء آمنة وهادئة بعيدة عن لغة العنف والحروب التي تؤثر على نفسيات الطلاب وتهدد مستقبلهم ايضا ..
رغم كل هذه الظروف فان ابداع السكان في قطاع غزة كان ملحوظا في السنوات الاخيرة من خلال استغلال التكنولوجيا فمع التطور التكنولوجي المتسارع، والحلول التي تُقدمها تقنيات الذكاء الاصطناعي لروادها التي كان يُعتقد بأنها مستحيلة، فُتحت الآفاق أمام اليافعين في غزة للتفكير خارج الصندوق، والإجابة عن تساؤلات كثيرة وذلك بابتكارات تخدم البيئة، والصحة، والإنسان، وتمضي في طريقها إلى الحضور العالمي.
وكغيرها من المشاريع التي تشقّ طريقها في القطاع المحاصر منذ ما يزيد على ١٧ عامًا، تواجه ابتكارات الطلبة معيقاتٍ كثيرة، أبرزها عدم توفر المستلزمات المطلوبة، وارتفاع ثمن بعضها، ما يدفعهم إلى اللجوء لبدائل أقل كفاءة، ومن هنا لاحظنا مبادرات عديدة واختراعات تلبي حاجات المواطنين يقوم عليها اطفال صغار وطلاب مدارس مثل ابتكار روبوت "زرع البذور الذكي"، الذي يوفر الوقت والجهد للمزارع، ويضمن إنتاج محصول أفضل؛ نظرًا لمراعاته جميع مقومات الزراعة كوصول الشمس والتهوية، والمسافة بين البذرة والأخرى وتم اختراعه في خان يونس العام الماضي بسبب حب التحدي وعدم القبول بــ "العيش تحت الضغط" دون إيجاد الحلول المناسبة، انطلاقا من الظروف غير الآمنة التي يعيشها المزارعون،والروبوت يُمكن أن يساعدهم على توفير الوقت والجهد، فضلًا عن حمايتهم من مخاطر العمل في أراضيهم القريبة من المناطق الحدودية".
ونقلا عن دائرة "مصادر التعلّم" في وزارة التربية والتعليم في غزة فإن "الاهتمام الرسمي بموضوع الذكاء الاصطناعي ودمجه في الأنشطة اللامنهجية لطلبة المدارس في قطاع غزة ظهر منذ نحو ثلاث سنوات، بينما يستحوذ تصميم الروبوتات على اهتمام الوزارة منذ سنوات طويلة" حيث يتم اخضاع عشرات الطلاب الى دورات تكنولوجية متطورة تساهم باستثمار الذكاء الاصطناعي لتحقيق مشاريع واختراعات جديدة وهو الامر الذي ساهم بتطوير مسابقات تحت عنوان الاولمبياد الوطني للريبوت برعاية اليونسكو لتبرز ابداعات مصممي المستقبل ومشاريعهم الريادية .
وتسعى وزارة التعليم لإنشاء "حاضنات تكنولوجية" تضمّ الطلبة المتميزين في مدارسها؛ لاستثارة طاقاتهم بواسطة المناهج، والمعارض، والمسابقات والمشاريع العلمية.
وفي ضوء ذلك، تأمل الوزارة أن "تُصبح هذه الأنشطة ممتدة، بحيث لا ينقطع الطالب عند مستويات معينة، وصولا الى المجالات التعليمية ذات الارتباط الوثيق بالذكاء الاصطناعي وعلوم الروبوت"في الجامعات .
ان ظهور النجاحات والابتكارات والاختراعات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في مدارس قطاع غزة رغم كافة الظروف يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان هذا الابداع يحتاج الى مزيد من الاستقرار والهدوء لينعم طلاب غزة برحلة دراسية جديدة تعد بمستقبل اكثر اشراقا وتوهجا نحو مزيد من الانجازات.