رغم قرار لجنة "السلوكيات البرلمانية" في الكنيست الإسرائيلية، بإبعاد ثلاثة نواب من القائمة المشتركة عن جلسات الكنيست لعدة أشهر، إلاّ أن هؤلاء النواب أعلنوا عن إصرارهم على متابعة جهودهم للإفراج عن جثامين الشهداء الفلسطينيين المحتجزة منذ أربعة أشهر في ثلاجات الاحتلال الإسرائيلي، ومع أن النواب سيستأنفون إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، إلاّ أن إمكانية التراجع عن هذا القرار الذي اتخذته "لجنة السلوكيات البرلمانية" بحقهم تبدو معدومة، بالنظر إلى التجارب السابقة، إذ من النادر أن تتدخل المحكمة العليا بقرارات يتخذها الكنيست، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بنواب عرب.
نواب القائمة المشتركة دفعوا ثمناً سياسياً جراء موقفهم الإنساني والأخلاقي والوطني، الأمر الذي دفع الكنيست ونوابها في الغالبية اليمينية المتطرفة وبتدخل مباشر من رئيس الحكومة نتنياهو إلى دفع "لجنة السلوكيات البرلمانية" لاتخاذ قرارها العنصري الشائن، وبشكل انتقامي تحريضي يعبر في جوهره عن أعلى مستويات الفاشية.
ولو لم يقم هؤلاء النواب بما يمليه عليهم الواجب الأخلاقي والإنساني والوطن، لاستحقوا ليس اللوم، بل التجريم باعتبارهم تخلوا عن واجبهم في الدفاع عن مصالح ناخبيهم، خاصة وأن الأمر يتعلق بجثامين شهداء، ارتكبت إسرائيل جريمة إضافية بعد أن أعدمتهم ميدانياً، باعتقال جثامينهم الطاهرة.
قرار الكنيست هذا، بحق النواب جمال زحالقة وحنين زعبي وباسل غطاس، يأتي في اطار الجهود الرامية إلى تشكيل كنيست على أساس عرقي، وذلك من خلال مشروع قانون، اقترحه نتنياهو ومن خلفه كل أحزاب اليمين الفاشي، لطرد أي نائب بالتصويت بأغلبية 90 نائباً، تحت بند "إساءة السلوك"، وفي الشرح ان "أي عنصر يدعم الكفاح المسلح ضد الدولة من قبل دولة عدوة أو تنظيم ارهابي، أو نفى وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية" وهذا يعني مباشرة، أن لا يكون أي متسع لأي وطني عربي بترشيح نفسه من الأصل، والبقاء في الكنيست، باستثناء بعض النواب في أحزاب إسرائيلية يمينية في الغالب، القانون الخاص بالكنيست يمنع طرد أي نائب، باعتباره منتخباً من الجمهور، لكن يمكن تعليق عضويته مع حقه في حضور جلسات التصويت، وهو الأمر الذي تضمنه قرار "لجنة السلوكيات البرلمانية" المشار إليه، لكن مشروع القرار المقترح من قبل نتنياهو، لا يتوقف عند تعليق العضوية مؤقتاً، بل الطرد الكامل والشامل من عضوية الكنيست بشكل نهائي. وأمام القائمة المشتركة فرصة حقيقية، للانطلاق إعلامياً، والتوجه نحو الرأي العام العالمي، بهذا الخصوص، اولاً لجهة التأكيد على الانحطاط الأخلاقي والإنساني لحكومة إسرائيل وبرلمانها اليميني الفاشي، على خلفية احتجاز جثامين الشهداء لأكثر من أربعة أشهر، الأمر الذي يعتبر من كافة الزوايا، جريمة بحق الإنسانية، حتى بمعزل عن الجانب السياسي لها، وهو الأمر الذي من المتوقع أن يعكس ردود فعل لدى الرأي العام العالمي، وثانياً، لجهة التأكيد على أن حملة القوانين التي سنها اليمين الفاشي، وتلك التي تقدم بمشاريع قرارات لقوانين عنصرية لإقرارها، إنما تهدف إلى عرقلة وصول "الأقليات" بشكل عام إلى البرلمان ـ الكنيست، والمستهدف أساساً من هذه المشاريع، حوالي 21 بالمئة من المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، وهي نسبة مؤثرة، المراد اقتلاعها عن وطنها من خلال قوانين، تجعلهم غرباء في وطنهم.
وعلى خلفية قرارات الكنيست الأخيرة التي تتعلق بتقييد حركة الجمعيات التي تعمل لدى تيارات المجتمع المدني، والتي تقدمت بمشاريع قوانين الى الكنيست وزيرة العدل الإسرائيلية، واستهداف "مجتمع اليسار" في إسرائيل، فإن إمكانية التشبيك مع هذه الجمعيات من شأنه أن يرسل رسالة قوية إلى الرأي العام العالمي، خاصة بعدما تقدمت مجموعة من نواب البرلمان الأوروبي، برسالة قوية إلى الكنيست تنتقد فيه هذه القوانين، وتدعو إلى عدم التصويت لصالح إقرارها، الأمر الذي يؤكد أن المسألة تتعلق بالطبيعة الفاشية العنصرية لحكومة نتنياهو، ضد الفلسطينيين أولاً، وهذه القوى المناهضة لاعتداءات اليمين الفاشي في المجمع الإسرائيلي.
لقد قامت القائمة المشتركة، بواجبها الوطني والأخلاقي، لكن ذلك غير كاف إذا ظلت الجهود تتركز على "المقاومة الداخلية" ذلك أن الأمر يتطلب الانطلاق إلى مستويات أرحب من هذه المقاومة، من خلال تأثيرات الرأي العام العالمي!!