هارتس : 30 عاماً على توقيع "أوسلو": محضر مصادقة الحكومة الإسرائيلية على الاتفاق

B228EAB0-737E-4736-B275-D6DA8682C316.jpeg
حجم الخط

بقلم: عوفر اديرت

رابين: الاستيطان كان هدفه سياسياً لا أمنياً، وإسرائيل ستقدم
للفلسطينيين، بموجب الاتفاق، أكثر مما ستحصل عليه


بيريس: القدس خاضعة للمفاوضات، و"يهودا والسامرة" ليست
ياميت، والعام 1993 ليس العام 1982


عشية التوقيع على اتفاق أوسلو في البيت الأبيض، الذي سيمضي عليه ثلاثون سنة، الشهر القادم، قال رئيس الحكومة، اسحق رابين، إن إسرائيل تعطي اكثر مما تحصل عليه من الفلسطينيين، وحذر من أنه "يوجد القليل جدا من الالتزام لديهم"، واعترف بأنه غير واثق تماما من أن الفلسطينيين سيتخلون عن "الإرهاب". وحذر وزير الخارجية في حينه، شمعون بيريس، من سيناريو فيه "سيكون لدينا نوع من (إيران حمساوية)، وحذر رئيس الأركان في حينه، ايهود باراك، من "ضرر كبير جداً" بالقدرة على مكافحة "الإرهاب" وحماية المستوطنين. تظهر هذه الأقوال في محضر جلسة الحكومة التاريخية التي عقدت في 30 آب 1993، والتي في نهايتها صادق أعضاء الحكومة على "مسودة إعلان المبادئ المشتركة مع الفلسطينيين". نشر أرشيف الدولة محضر الجلسة، الذي ما زالت أجزاء منه سرية، أول من أمس.
على الأجندة في حينه، كانت مطروحة المصادقة على اتفاق أوسلو الذي كان من شأنه أن يوقع في 13 أيلول 1993 على العشب الأخضر في البيت الأبيض تحت اسم "إعلان مبادئ عن اتفاقات مؤقتة لحكم ذاتي"، في الاحتفال الذي تصافح فيه رابين ورئيس "م.ت.ف"، ياسر عرفات. "أريد أن أبدأ كلامي بالقول إن هذا اتفاق غير سهل"، هكذا استهل رابين أقواله في جلسة الحكومة. "من الواضح أننا لم نكن نجري محادثات مع انفسنا. أنا على ثقة بأن الصياغة كانت افضل بكثير. هناك في الصياغة أيضا أمور غير مريحة. أقوم بصياغة أقوالي بحذر". مع ذلك تحفظ وأوضح قائلا، "نحن مضطرون إلى رؤية كل المكونات المختلفة بنظرة أوسع وأكثر شمولية".
في جزء آخر في الجلسة، توجه رئيس الحكومة للوزراء وتوسل اليهم من اجل المصادقة على الاتفاق وقال، "أيها الأصدقاء، هذه العملية هي عملية معقدة جدا... هناك أمور لا توجد لها حلول جزئية في مثل هذا الواقع. كل فكرة الحكم الذاتي، الاتفاق المؤقت، معقدة"، قال رابين وانتقد مشروع الاستيطان. وحسب قوله، "الاستيطان اليهودي، بالأساس في المناطق المأهولة، عمل على تعقيد الحياة، وهذا كان هدفه السياسي. كان هذا استيطانا سياسيا وليس أمنيا بدون أي إسهام امني".
في التطرق لبنود الاتفاق، قال رابين، إن وزير الخارجية في حينه، شمعون بيريس، قال له، إن الاتفاق سيشمل إعلاناً من الفلسطينيين عن "وقف الإرهاب مع التوقيع عليه". ولكنه سارع إلى التحفظ على أقواله. "لا أعرف كيف ستكون صياغة ذلك وبأي درجة سيكون ذلك جزءا من الموضوع"، قال رئيس الحكومة. عندما قال بيريس، إن الأمر يتعلق بالإعلان "عن وقف النشاطات العنيفة"، قال رابين، "آمل أن يكون هذا شرطا ويجب علينا رؤية ما هو هذا الإعلان. هل هذا شفوي؟ من الذي سيعلن ذلك؟ هل هذا سيكون أيضا خطيا؟ مرفقا بالموضوع؟ هذا لم يتم الاتفاق عليه حتى النهاية".
وحذر بيريس أيضا من سيناريو الفشل. "يجب القول إنه توجد إمكانية بأن كل هذه الصفقة مع (م.ت.ف) ستنهار، وسيكون لدينا نوع من (ايران حمساوية). أيضا يجب علينا الحذر. لا يوجد أي يقين بأنهم سيصمدون، مع كل التمردات ومع كل البخل وكل الضغوط وكل الأمور الموجودة. أقول إن هذا أمر جدي جدا. أنا ببساطة لا أرى أي بديل في الشارع العربي"، قال وزير الخارجية.
وزير الداخلية في حينه، آريه درعي، سأل في الجلسة: ما هي الإجابة حول موضوع "الإرهاب" – هل هذا شرط من حكومة إسرائيل؟". رد بيريس عليه، "قلنا إنه بدون ذلك لن يكون إعلان مبادئ". بعد ذلك سأل درعي: "وإذا لم يعلنوا؟". أوضح بيريس، "عندها لن نوقع".
في الجلسة، تطرق رابين أيضا إلى مسؤولية إسرائيل عن امن مواطنيها الذين يعيشون في "المناطق"ـ بعد التوقيع على الاتفاق، الذي في إطاره سينسحب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة ومن أريحا. وأكد على أن المسؤولية عن عدم الحاق الضرر، حسب تعبيره، بمواطني الدولة في هذه الأماكن توجد في يد إسرائيل. مع ذلك أضاف، إن "هذا تفسير سنضطر إلى تثبيته على الأرض". في تطرقه لذلك وجهت وزيرة الإعلام في حينه، شولاميت الوني، انتقادا له وقالت، "هل ستركض خلفه إلى أريحا؟"، في تطرقها لـ"المخرب" الذي سيمس بمواطن إسرائيلي. أجاب رئيس الحكومة، "بالتأكيد، إذا قاموا بالاعتداء على إسرائيل".
تطرق بيريس أيضا لقضية المستوطنات وأوضح بأن الاتفاق لن يشمل إخلاءها. "أريد التحدث بصراحة وأن أقول أيضا ما في قلبي. ليس لدي ما أخفيه"، قال. "ما الذي خفنا منه؟ من أنهم (الفلسطينيين) سيبدؤون بموضوع المستوطنات"، أكد. "أيها الأصدقاء، (يهودا والسامرة) ليست ياميت والعام 1993 ليس العام 1982"، قال أثناء تطرقه لإخلاء ياميت في شبه جزيرة سيناء بعد التوقيع على اتفاق السلام مع مصر. "البدء اليوم بإخلاء عشرات آلاف المستوطنين، حسب رأيي هذا سيؤدي بنا إلى وضع غير محتمل، سواء أخلاقيا أو ماديا. من ناحية الفكر التاريخي كان هذا إحدى المواجهات التي حسب رأيي، هكذا أيضا أجرينا المفاوضات، يجب علينا تجنبها؛ إلى درجة أنهم وافقوا على بقاء المستوطنات كما هي حتى في قطاع غزة".
وقال بيريس، إنه في بداية المفاوضات: اقترح الفلسطينيون بأن تعتبر المستوطنات مناطق تجارة حرة يعيش فيها يهود وفلسطينيون. تصلبنا في موقفنا (رفضنا)، وأنا سعيد جدا بأن الأمر انتهى بهذا الشكل"، أوضح بيريس وأضاف، إنه كان راضيا أيضا عن كيفية التطرق للقدس في الاتفاق. "الطرف الثاني وافق على أنه في فترة الحكم الذاتي لن تكون هناك مشكلة القدس".
وزيرة العمل والرفاه في حينه، أورا نمير، اعتقدت أنه يجب وضع قضية القدس على الطاولة، والتوضيح للجمهور ما معنى موضوع أنه في هذه المرحلة لن تتم مناقشة الموضوع. غضب رابين. "لماذا؟ أنا اطلب، هنا هذا موضوع جوهري"، قال. "لماذا لا نذهب إلى الحل الدائم على الفور؟ بسبب أمر واحد وهو القدس. طرح موضوع القدس يشكل انفجارا نوويا مع بداية المفاوضات. من لا يعرف ذلك فهو لا يعرف ألف باء المفاوضات مع العرب". لم ترتدع نمير وواصلت: "اقترح أن نعثر على الطريقة التي سنشرح فيها بصورة واضحة اكثر". تدخل بيريس وقام بإلغاء الاقتراح تماما. "لا توجد حاجة. أن نشرح الأمر هذا يعني أن نطرح أسئلة غير ضرورية. ما هو هذا الشرح؟ هل أن آتي واتوارع؟ لماذا؟"، أضاف واقتبس عن رئيس الحكومة السابق، مناحيم بيغن، الذي قال، "أيضا القدس خاضعة للمفاوضات".
رئيس الأركان في حينه، ايهود باراك، الذي شارك في جلسة الحكومة، عبر عن تخوفاته من التداعيات الأمنية لعدد من بنود الاتفاق. "من القراءة الأولية ألاحظ وجود مشكلات صعبة جدا في تطبيق المكون الأمني في هذا الاتفاق"، قال، وأكد على أن خوفه الأساسي يتعلق بتضييق حرية عمل الجيش في "المناطق". "هذه مشكلة غير بسيطة، كلما تعمقنا فيها وبحثنا في جوانبها المختلفة نرى أن طريقة العمل الحالية لا يمكن تطبيقها. يجب أن نعرف ذلك باستقامة، لأن أسلوب العمل الحالي هو عامل مركزي في القدرة على مكافحة الإرهاب في (يهودا والسامرة) وغزة".
أوضح باراك أيضا بأنه حسب الجيش الإسرائيلي فإنه يجب التعامل مع العمليات "الإرهابية" أيضا بعد التوقيع على الاتفاق، الذي سيكون من الصعب عليه تأمين الشوارع التي يسافر فيها الإسرائيليون في الضفة وفي القطاع. "هذا الموضوع سيعاني من قيود صعبة جدا ستؤثر بدورها على نجاعة الأمن على مفترقات الطرق. وكما قلت، من ناحية تقنية لا يمكن ضمانه"، قال باراك. "نشاطاتهم ضد السكان وعلى مفترقات الطرق ستكون ناجعة جدا. يجب أن نعرف وباستقامة بأن هذه مشكلة أمنية معقدة جدا، ليس لها حل كامل". حتى أن رئيس الأركان شكك في قدرة أجهزة الأمن الفلسطينية على إحباط النشاطات "الإرهابية". "يوجد هنا افتراض قوي جدا بخصوص النية الحسنة والنجاعة لدى الشرطة الفلسطينية"، قال.
اليكيم روبنشتاين، سكرتير الحكومة في حينه والذي اصبح بعد ذلك نائب رئيس المحكمة العليا، عبر هو أيضا عن الخوف من صيغة الاتفاق ومن تطبيقه. "تطبيق الاتفاق لن يكون حديقة ورود"، قال وأضاف، "هناك مكان واسع جدا للتفسير والضبابية". وحسب رأيه فإن التفسير الذي تم تقديمه في أوراق تفسير الاتفاق، التي تم وضعها أمام أعضاء الحكومة، "جاء ليرى الأنباء الجيدة والتفسيرات الإيجابية للأمور، لكن يجب القول بنزاهة إنه نظرا لوجود تفسير آخر فمن المحتمل أن تكون المفاوضات ضد تفسير مختلف للطرف الثاني".
تطرق روبنشتاين أيضا إلى أراضي الدولة الموجودة في "المناطق" وقال، "يوجد لي سؤال متشكك حول التفسير الذي اعطي في أقوال التفسير التي قيلت هنا". مع ذلك الاقتباسات الكاملة له في هذا الشأن تم حجبها، وسيكون بالإمكان الاطلاع عليها فقط بعد عشرين سنة.
طرح وزير الداخلية درعي الصعوبة في إقناع جمهور ناخبي "شاس" لدعم الاتفاق. "هذا الاتفاق يتم تفسيره في نظرهم وكأننا ضيوف، سواء أكنا مرغوبين أو غير مرغوبين في ارض إسرائيل. بالنسبة لهم فإن "يهودا والسامرة" وغزة ارض إسرائيل. ولا يهمهم إذا كانت هذه أراضي محتلة أم لا. بالنسبة لهم هذه البلاد وعدوا بها منذ سنوات كثيرة". وأكد على أن الزعيم الروحي لـ"شاس"، عوفاديا يوسيف، يستخدم "كل قوته الأخلاقية والتوراتية" من اجل الشرح بأن الاتفاق "أمر حيوي للحفاظ على الحياة". ولكن حسب قوله فإنه "كي نستطيع أن نشرح لماذا توجد هنا ضرورة فإنه يجب توضيح درجة الخطورة التي قمنا بمنعها هنا". ضمن أمور أخرى اقترح الشرح للجمهور بأن الاتفاق سيحسن وضع إسرائيل الأمني أمام الدول العربية.
مع ذلك، تحفظ درعي وقال، "سنضطر إلى إعطاء أجوبة. هل من اجل الدخول إلى هذا الوضع ألا ندخل بذلك اكثر من مئة ألف يهودي إلى وضع خطير على حياتهم؟". رئيس الوزراء وبعض الوزراء لم يتنكروا لحقيقة أننا لا نعرف اليوم إعطاء رد حول أمن هؤلاء اليهود. أنا على ثقة بأن الجيش والشرطة سيبذلان كل ما في استطاعتهما لتأمين ذلك. ولكن الأسئلة بقيت مفتوحة. أنتم الناس الذين تعيشون اليوم في (يهودا والسامرة) وغزة تريدون إجابات. باستثناء المشكلة الحساسة التي تتمثل في أننا نتنازل عن مناطق، هناك توجد مشكلة وجودية – ما الذي سنفعله من اجل الأولاد الذين يذهبون إلى المدارس؟ لا توجد إجابة عن ذلك".
وقد شارك في النقاش أيضا يوسي سريد (ميرتس) الذي كان في حينه وزير جودة البيئة. وقد حذر من أنه إذا لم تعرف الحكومة كيفية الدفاع عن الاتفاق فهي لن تجد الكثير من المتطوعين للدفاع عنه. عبّر سريد عن خوفه من أن الجمهور سيتولد لديه الانطباع بأن الاتفاق إشكالي وقال، "نعرف من التجربة بأنه حتى لو أن الأشياء الدقيقة لم تظهر إلا أن المناخ سيظهر. وإذا انقشعت الأجواء فعندها سأقول إنه كانت هناك درجة معينة من المعوقات والكثير جدا من المشكلات". وحسب رأيه: "أم المشاكل هي مواجهة الرأي العام". وحسب قوله، "لنفترض أن الرأي العام توجد له هوية معينة فيها نوع من التجسد، وهي تجلس هنا وتسمع، دون ذكر أسماء – أ، ب وج. عندها سيحصل الرأي العام على الكثير من التراخي".
وزير الصحة في حينه، حاييم رامون، اقترح في الجلسة أن يتم إخلاء المستوطنات من القطاع على الفور، وهي عملية نفذها في نهاية المطاف ارئيل شارون بعد 12 سنة، عند تطبيق خطة الانفصال في 2005. إذا كانت توجد مستوطنات في قلب غزة... مع ثلاثين شخصا، من اجل الدفاع عنهم يجب فعل الكثير من الأمور فإنه يجب بشجاعة فحص ماذا سنفعل مع هذه المستوطنات"، قال رامون. "بخصوص غزة لا توجد لدينا مشكلة من ناحية الرأي العام. هناك دعم مطلق بأننا يجب ألا نكون في غزة... دعم مطلق، بما في ذلك إخلاء مستوطنات في غزة. ما يمنعنا من الخروج من غزة بشكل كامل هو المستوطنات التي توجد هناك. لو أنه لم تكن هناك مستوطنات فإننا فعليا كنا سنخرج من كل غزة لأننا لسنا بحاجة إليها"، أضاف.
وطرح رامون للنقاش أيضا قضية حرية التعبير لمعارضي الاتفاق ودعا إلى "الحرص على أنه ليس فقط من حقهم التظاهر واستخدام كل الوسائل المشروعة، بل يجب على الحكومة حماية هذا الحق لهم". رئيس الحكومة رابين تحفظ وقال، "لا يجب المبالغة". رد رامون، "اقترح المبالغة لأن هذه معركة على الديمقراطية – في الديمقراطية يجب السماح للمواطن بالتظاهر بطرق مشروعة، ويجب على الحكومة أن تسمح له بفعل ذلك". صمم رابين، "لكن يجب ألا يشكل ذلك إزعاجاً لا يتوقف. المشكلة هي ما هي الوسائل المشروعة؟".
في إجمال الجلسة قال رابين، "ستكون المشكلات صعبة وأنا مضطر إلى القول إنه في كل حكم ذاتي هذه المشكلات ستكون أصعب مما هي اليوم، لأنك، اليوم، أنت تسيطر بشكل كامل، في حين أنه في الحكم الذاتي أنت في شراكة، والامتحان سيكون حول هذه الشراكة. لا اقترح طمس ذلك"، قال وأضاف، "رغم كل ذلك أؤمن بأنه يجب السير في هذه الطريق".

عن "هآرتس"