على أبواب المدارس تجدهم ينتظرون خروج أو قبل دخول الطلبة ليبيعوهم ما لديهم من أشكال وأصناف متعددة من الأطعمة المختلفة التي في الغالب تجدها لا تُراعي شروط السلامة الصحية ولا ينتبه بائعوها لصحة الأطفال والخطر المحدق الذي سيفتك بهم في حال تناولوها.
فهذا يبيع طعام "الإندومي" بوعاء وأيدي مكشوفتين، فيغرف بعضاً من "الإندومي" في كاسات بلاستيكية ويُبقيها دون غطاء حتى يراها الأطفال ويتهافتون عليها فهم لا يقاومونها أبداً ويتنازعون فيما بينهم ويتسابقون على شرائها.
وبائعٌ آخر يبيع حبات الأيس كريم والبراد المليء بالأصباغ الملونة وآخر يعرض صينية كبيرة مليئة بالحلوى العربية أو الكنافة التي صنعها في بيته وتركها مكشوفة يتطاير الذباب والحشرات الأخرى عليها، بالإضافة لبائع آخر يقوم بشوي وطهي الطحال والكبدة والفشة ويقوم بتشويحها على النار ليشتمها الطلاب الجائعون ويُقبلون على شراء ساندويتش لا يزيد سعره عن شيكل واحد، لكِنه مليء بالأمراض التي تُصيب جسد الصغار فيصابوا على الأغلب بنزلات معوية حادة عند تناول أيّ أطعمة مكشوفة أو لا تُراعي سلامتهم وسلامة أجسادهم.
اقتربنا لنرى عن قرب ما يحدث على أبواب المدارس، رأينا بعض من عربات الباعة متسخة ومليئة ببقايا الأطعمة، بالإضافة لتعرضها للتلوث الجوي وحركة السيارات والمارة لأنّها مكشوفة ومُعرضة لأشعة الشمس المباشرة، عدا عن وجود بعض تلك العربات بجانب مكبات النفايات والتي تختلط رائحة ما يقدمونه للطلبة مع رائحة النفايات والحشرات التي تحوم في المكان.
ومن المشاهد المقلقة فعلاً وجود كم هائل من الصغار يتدافعون على عربة بائع البوظة والمثلجات التي ينادي صاحبها على الأطفال بضرورة شرائها للهروب من ارتفاع درجة الحرارة وإنعاش أجسادهم، فيستسيغ الصغار ما يقوله ذلك البائع ويتوجهون لرفع يديهم الصغيرة له لإعطاءه نصف شيكل لشراء ما يعرض لهم، ومن المؤسف جداً أنَّ ذلك البائع يرتدي جاكيتاً متسخاً وعربته أيضاً ليست نظيفة، والعلب البلاستيكية التي يضع فيها المثلجات كانت متسخة جداً من الخارج.
استطلعنا آراء بعض أولياء أمور الطلاب حول ما يتم بيعه على أبواب المدارس، وهل لديهم الوعي الكافي لنصح أولادهم بعدم شراء شيء مكشوف من خارج أسوار المدرسة وكانت كالتالي:
"أم علاء أحمد"، قالت: "لديَّ أربعة أبناء اثنين منهم في المرحلة الإبتدائية واثنين في المرحلة الإعدادية، قبل بدء العام الدراسي ومثل كل سنة أقوم بتوجيه بعض النصائح لهم لحمايتهم ولزيادة الوعي لديهم ومن بين تلك النصائح عدم شراء أيّ من المأكولات والمشروبات الموضوعة على العربات المتنقلة والمكشوفة، وكنت أحرص على تقديم وجبة الإفطار لأولادي قبل خروجهم من المنزل وإعطائهم بعضاً من حبات الفواكه، وعندما أعطيهم مصروفهم اليومي أوصيهم بشراء الأطعمة المغلفة من داخل المقصف المدرسي فقط".
وأضافت: "قبل سنة تقريباً أصيب ابني الصغير بنزلة معوية حادة والتهاب في اللوزتين، أُدخل على إثرها للمستشفى وظل يومين حتى استقرت حالته وانخفضت درجة حرارته، وقد أصيب بتلك الوعكة نتيجة تناوله ساندويش من المرتديلا كان يُباع على باب المدرسة، وبعدها قام بشراء كأس من الأيس كريم المثلج والذي جعله يُصاب بالتهاب حاد في اللوزتين".
ووجهت أم علاء نصيحة لكل أولياء الطلبة بضرورة نصح أولادهم ومتابعتهم كل يوم، لمعرفة ما إذا يقومون بإنفاق مصروفهم على المأكولات المكشوفة أم لا، مُردفةً: "لا يكفي أنّ تقوم بنصح أطفالك وخصوصاً أنهم صغار، ينظرون إلى أقرانهم وأصدقائهم ويشترون مثلهم، وينسون ما قلته لهم في لحظة، لذا يتوجب على الأب والأم أنّ يقوموا بتوصيل أولادهم في أغلب الأوقات إلى مدارسهم ويصفون لهم على أرض الواقع نصيحتهم بعد أنّ يجعلوا أولادهم يروا حجم الخطر الذي يحدق بهم إذا ما تناولوا تلك الأطعمة".
"سعيد رجب" أب لطفلة في السنة الثانية من المرحلة الإبتدائية التابعة لوكالة الغوث، يصف لنا حال بيع الأطعمة المكشوفة للأطفال على أبواب المدارس بالمزرى، مُوجهاً نداء استغاثة لكل مسؤول عن حياة المواطنين بدءًا من المدرسة وانتهاءً بالوزارات ذات العلاقة، وقال: "أولاً أوجه نداء لإدارة المدارس ووكالة الغوث بمتابعة هذا الأمر وخصوصاً أنَّ ما يحدث يكون على أبواب مدارسها وفي حال أصيب أيّ طفل بوعكة صحية أو تسمم غذائي سيكون على المدرسة متابعة الأمر، بالإضافة إلى أنّه لزاماً على وزارتات الاقتصاد والصحة والداخلية ودائرة حماية المستهلك مع التعليم أنّ تُتابع ملف الباعة المتجولين وتقوم بكل يوم بالنزول للتفتيش ومتابعة ما يبيعونه هؤلاء، وفي حال تم رصد أحد الباعة يتجاوز شروط السلامة ويُعرض حياة الأطفال للخطر ولا يقوم ببيع الأكل الصحي والنظيف لهم، فعليهم ملاحقتهم وتوقيع أقصى العقوبة عليهم، لأنَّ حياة أطفالنا ليست مشاعاً أو رخيصة".
وحينما سألناه عما إذا رأى أيّ تجاوزات لبعض البائعين، أجاب: "نعم لقد شاهدت في يوم كنت أوصل ابنتي لمدرستها، البائع كان يقف أمام باب المدرسة المجاورة، وكان يبيع الإندومي للأطفال وكان يضعها في وعاء مكشوف ويقوم بسكبها للأطفال وأثناء سكبها سقطت بعض منها على العربة فقام بإزالتها بيديه المتسختين ووضعها في الكأس التي سقطت منها في مشهد مُقرف ومُقزز جداً، بعد ذلك المشهد كان لزاماً عليَّ أنّ أقوم بتقديم شكوى وطلب للمدرسة التي تتعلم بها ابنتي".
وأكمل: "توجهت للمدرسة وتحدثت مع مديرتها وأخبرتني أنَّ شكواي مهمة ولكن مهمة المدرسة تكمن في متابعة الطلبة داخل أسوار المدرسة لا خارجها، وهم يُوفرون المقاصف التي تتبع شروط السلامة، بالإضافة إلى أنّهم يقومون بتوزيع التعليمات على مربيي الفصول لتوعية الطلاب بمخاطر ما يتناولونه من أطعمة مكشوفة وغير صحية، وكذلك يجب توجيه هذه الشكوى لوزارة الداخلية والمسؤولين عن سلامة المواطنين لمتابعة هذا الأمر".
وختم حديثه بالقول: "صحيح أنا لم أتوجه لأيّ وزارة بعد، لكِن من خلال الإعلام أتوجه لجميع الوزارات ذات العلاقة لمتابعة هذا الأمر وضرورة ملاحقة كل من تُسول له نفسه وضع حياة أولادنا في خطر ويتسبب في إلحاق الأذى بهم، وضرورة أنّ يكون هناك لجان صحية وتفتيشية دورية ومفاجئة على هؤلاء الباعة وكل من يتم تحرير محضر بحقه بعدم الالتزام بشروط السلامة والنظافة ضرورة معاقبته وسحب عربته منه ومصادرتها".
فقراء ولكن...!
"خليل زملط"، يقول لمراسلة "خبر": "الأرزاق على الله، والوضع الاقتصادي في غزّة صعب جداً، وهؤلاء الباعة يفتحون منازلهم من وراء هذه العربات وهذه الأطعمة التي يصنعونها في منازلهم، ولكِن بعضهم وليس الجميع لا يُراعوا الله فيما يُقدمونه للناس وخصوصاً الأطفال الصغار، فبعض الأطعمة يتم تصنيعها في أماكن غير نظيفة وطريقة عرضها تكون غير سليمة وليست مغلفة، والأدهى من ذلك أنّ تكون العربة متسخة ويقوم بغسلها وتنظيفها كل شهر أو شهرين".
وتابع: "حين تذهب للحديث مع هؤلاء الباعة لكي يراعوا الله فيما يعرضون ويبيعون، يهاجموننا وكل حجتهم تدور حول أنّنا لا نُريد لهم أنّ يعيشوا وبأننا نُحارب أرزاق الفقراء، للأسف هؤلاء بالذات هم الأخطر على الناس لأنهم لا يعترفون بالكارثة وبحجم المصيبة التي يفعلونها بصحة الناس، أما من يستجيب للحديث ويستمع لنا ويقوم بتنظيف وتغطية الأطعمة هذا يملك ضميراً صاحياً ونرجو أنّ يوسع الله في رزقه".
مراقبة ذاتية
توجهنا بحديثنا لبعض البائعين، بعضهم رفض الحديث معنا ربما لانشغاله في بيع ما يعرض للطلاب والبعض الآخر لأنّه لا يتبع كثيراً شروط السلامة من حيث تغطية الأطعمة أو تنظيف عربته، فقرر عدم الظهور في الإعلام لكي لا يتم محاسبته، لكن من استجاب لنا كانوا يبيعون المأكولات التي لا تُشكل خطراً على صحة الأطفال، والذين اتبعوا شروط السلامة وقاموا بتغطية تلك المأكولات.
"محمد" وهو بائع "غزل البنات" يقوم بصناعتها على عربته وعبر ماكينة صغيرة يضع فيها السكر وبعض من ألوان الأطعمة المختلفة، ويضع الحلوى حول عود خشبي ويُقدمه فوراً للأطفال، يقول: "أنا أبيع ما أقوم بتقديمه وإطعامه لأولادي تماماً، وأقوم يومياً بعد انتهاء العمل بتنظيف العربة وتنظيف ماكينة غزل البنات، بالإضافة إلى أنني لا أصنع الحلوى وأضعها على العربة مكشوفة لأنّها لا تتحمل درجة الحرارة العالية لذلك حين يتجمهر الصغار حولي أقوم بتشغيل الماكنة وأصنعها لهم فوراً، إضافةً إلى أنّني قمت بصناعة بعض منها في المنزل وغلفتها في باكيتات بلاستيكية محكمة لمن لا يود الانتظار فيقوم بشراء المغلف ويُغادر".
وعن رأيه في الموضوع المطروح في هذا التقرير، أوضح أنّه يجب متابعة هذا الأمر، مُضيفاً:"هناك استهتار كبير لدى بعض الباعة في حياة الناس، بعضهم يتبع السلامة والنظافة ظاهرياً أو حين يعلم أنّ هناك مفتشين يقومون بالتجول بيننا، أما في الأيام الأخرى حدث ولا حرج، فالمهم عندهم الكسب لا أكثر وذلك على حساب صحة المواطنين، فمن لا يمتلك الضمير أو لديه رقابة ذاتية، ولا يهمه إنَّ كان الطعام الذي يُقدمه صحياً من عدمه".