هارتس : حذَّرَنا لايفوفيتش من "الصهيونية النازية" ولكن لم نسمع

تنزيل (16).jpg
حجم الخط

بقلم: أبراهام بورغ*



ضجت البلاد عندما صفع لايفوفيتش الإسرائيلية بمقولته "الصهيونية النازية" المشهورة. كانت الطريقة السهلة في حينه تجاهل هذه الأقوال باعتبارها تحريضاً واستفزازاً من قبل البروفيسور المتحدي. قلائل كانوا مستعدين للنظر بعيداً مثله، كي يروا هذه الأيام - أيام حكم نظرية العرق اليهودي – وقلائل جدا أرادوا النزول إلى عمق هذه الأقوال وفهم ماذا كان يقصد.
كان لايفوفيتش في المقام الأول شخصا مهما. وقد تربى في ألمانيا بين الحربين العالميتين، ودرس فيها وشاهد نقاط قوتها وضعفها. نبع جزء كبير من رؤيته الدينية من سنوات الازدهار والموت لألمانيا ولليهودية، وأيضا تخوفاته الحقيقية من القوة الضارة للقومية. بصرخته في حينه أراد التحذير من العمليات والتوجهات التي نضجت في هذه الأيام. كانت تلك صرخة محب. بصورة ربما ستصم بعض الآذان الحساسة، كان لايفوفيتش من كبار محبي إسرائيل، ولذلك كان مستعدا للتشاجر على رؤوس الأشهاد من اجل إصلاح عيوبها.
لم يعارض لايفوفيتش القومية كإطار سياسي، لكنه عارض بشدة الدمج الفظيع بين القومية واليهودية – البيولوجية حسب تعريف دولة إسرائيل. دولة نعم، لكن ليس كقيمة، بل كأداة في يد مواطنيها، كل مواطنيها.
كتحذير اقتبس في اكثر من مناسبة عن فرانس غريلفرستر، وهو من أبناء القرن التاسع عشر والذي اعتبر خلال سنوات الشاعر القومي في النمسا، حيث قال، "هناك طريق تصل بين الإنسانية مرورا بالقومية إلى الحيونة". عندما كنا نرى قومية نشطة وصحية، فقد كان لايفوفيتش يسمع بالفعل زمجرة الوحوش القومية الجارحة لدينا. فقد أدرك قبل الجميع بأن سؤال الكارثة ليس كيفية الدفاع عن الشعب اليهودي من كارثة أخرى - لا سمح الله - بل كيفية الدفاع بالذات عن انفسنا من النازية التي تكمن على باب كل مجتمع إنساني. "التعليم الذي يركز كل مسألة الهوية على الكارثة اصبح وسيلة لتبرير القومية، وهو من شأنه في نهاية المطاف تحويل القومية إلى قيمة بحد ذاتها. المضمون، الذي يجده مفكرون يهود كثر في يهوديتهم، هو الاشتغال بالكارثة. بالنسبة لهؤلاء اليهود فإن الكارثة أصبحت بديل اليهودية".
اليوم، يمكن توسيع الأمر أكثر. فالكارثة والقوة وحكم شعب آخر والأرض، كل تلك أصبحت جوهر اليهودية. وأمامها يتم إقصاء القيم الأخرى. في هذه الأيام القومية العنصرية توجد في الحكومة، التي تتحدث عن نفسها وعن نظرياتها ولا يوجد من ينكر ذلك، بل العكس.
الأمور التالية صعبة على الاستيعاب لكن يجب قراءتها. هاكم تعريفات القومية الاشتراكية في ألمانيا: "حركة سياسية يمينية – متطرفة، عملت في ألمانيا في النصف الأول من القرن العشرين، وتمت قيادتها خلال معظم سنوات وجودها على يد أدولف هتلر. كانت للحزب عقيدة منظمة أسسها النازية والقومية الألمانية والعنصرية، مع التأكيد على اللاسامية، ومناهضة الليبرالية والديمقراطية والشيوعية". أوجدوا الفرق بينها وبين حركة يمينية متطرفة تعمل في إسرائيل في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، وتقاد طوال معظم هذه السنين من قبل بنيامين نتنياهو، مع نظرية مرتبة ومنظمة أسسها القومية والقومية اليهودية المتطرفة والعنصرية مع التأكيد على أنها مناوئة للعرب – بيتار نقية إلى الأبد (فصل النساء أثناء الولادة في المستشفيات ومحو حوارة)، ومناهضة الليبرالية (مسيرة البهائم وإضعاف حراس العتبة)، ومناهضة الديمقراطية (الانقلاب التشريعي وتقييد حرية الحركة) ومناهضة المساواة الاقتصادية والاجتماعية.
القومية المتطرفة بطعم المحافظة الدينية للأسف توجد في كل مكان في الحكومة وفي الكنيست وفي وسائل الإعلام وعلى قمم التلال وفي شوارع المدن. في العام 2023 هناك أمر واحد واضح وهو أن لايفوفيتش كان على حق، وصدى أقواله يتردد منذ ذلك الحين وحتى الآن. "عندما تصبح الأمة وسلطة الدولة قيم عليا فلن تعود هناك أي قيود على سلوك الإنسان. هذه العقلية سائدة بيننا أيضا. نحن نتصرف بالفعل في المناطق التي قمنا باحتلالها في الضفة الغربية وفي قطاع غزة وفي لبنان مثلما تصرف النازيون في المناطق التي قاموا باحتلالها في تشيكوسلوفاكيا وفي الغرب. نحن لم نقم بإنشاء معسكرات إبادة مثلما فعلوا في الشرق، لكن كم هو فظيع أننا مجبرون على طرح هذه الحقيقة باعتبارها ما يميزنا عن النازيين"، ("عن العالم وما يوجد فيه"، محادثة مع ميخائيل سسار، منشورات كيتر في 1987).

عن "هآرتس"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*رئيس كنيست أسبق.