الوطن العربي .. عشائر تحكم عشائر

lFDcS.png
حجم الخط

بقلم حمدي فراج

تقوم  فلسفة هيغل (1770-1831) المادية ، على عصب أساسي في تتبع التاريخ الإنساني ، هو بحث الانسان عن الحرية ، حريته الشخصية ، الجسدية و الفكرية ، و أظن ، و الله أعلم ، و كذلك فلاسفة التاريخ ، ان هذا العصب ، عصب نشد الحرية ، لا يقتصر على الانسان ، بل على الحيوان أيضا .

خلال بحثه عن حريته ، اضطر الانسان لخوض صراعات متعددة متنوعة لتأمين هذه الحرية ، بما في ذلك صراعاته مع الطبيعة و مع الحيوانات المفترسة و مع الانسان الآخر ، الذي كان يظن ان هذا الانسان بدوره يعكف على عدم نيله حريته ، او منعه من استمرار التمتع بها ؛ أقتله كي لا يقتلني ، أحبسه كي لا يحبسني ، او كما يقول المثل الشعبي : أفطر به قبل ان يتغدّى بي . و من هنا بدأ الانسان يبحث عن نفسه في عشيرته ؛ أولاده ، اخوته ، عمومته .. الخ ، و في خضم تكوين عشيرته ، لمواصلة البحث عن الحرية و تأمين ممارستها و استمراريتها ، فرض قيودا على نفسه و على عشيرته ، و اصبح هناك ما يسمى بالقانون العشائري ، و هو قانون حديدي ملزم و مرعب ، يصل الى فرض المقاطعة على المخل و منع مصاهرته و تزويجه و بيعه او الشراء منه ، و أحيانا منع دفنه في مقابر العشيرة .

إذن ، الأصل في تكوين العشيرة ، هو شأن انساني إيجابي ، و لكنه قانون "نفي النفي" الهيغلي الذي سيفعل فعله في الفرد و العشيرة التي تبحث عن الحرية فتضع قيودا اشد صرامة مما كان عليه الحال قبل تشكيلها .

هل يقتصر الامر على العشيرة في دير الزور السورية التي تقوم اليوم مقام ما يجب ان تقوم به الدولة السورية ؟ اذا كان الامر كذلك ، فلماذا تقوم العشيرة السورية في السويداء بشيء مناقض ضد الدولة السورية ، و لماذا استطاع الكيان الصهيوني منذ بدء تكوين دولته تحييد عشيرة الدروز بل و ضم أبنائها الى صفوف جيشه الدموي . (سلمان ناطور حمّل المسؤولية للشيخ لا للعشيرة في كتابه النوعي "انت القاتل يا شيخ" ) .

في الوطن العربي عموما ، من المحيط الى الخليج ، فإن جوهر العمل السياسي / الحزبي / الفصائلي / الطائفي ، هو عمل عشائري ، الدولة الاموية عمل عشائري كذلك العباسية و الفاطمية و السلطنة التركية التي حكمت باسم الإسلام عموم العرب و المسلمين خمسة قرون . الدولة العربية الحديثة ، في جوهرها عشائرية رغم ادعاء بعضها بالتقدمية ، و هناك دول معاصرة ما زالت تتسمى باسم زعيمها او مؤسسها حتى ساعة هذا النهار . الدين بحد ذاته ، له مكون عشائري ، و لهذا تعددت فيه العشائر "الطوائف" التي لم يقتصر دورها على تقويض الوطن ، بل الدين أيضا ، و كما قال جبران خليل جبران : و طن زادت فيه الطوائف ، قلّ فيه الدين .

ألآن بعد ان تنتصر العشائر في دور الزور ، الامر الذي لم تستطع الدولة القيام به ، ألا يحق لهذه العشائر ان تطالب بنصيبها في حكم الدولة ؟؟؟ فإما ان تستجاب او يتم قصفها .