هارتس : يحتفلون بتدمير "أوسلو" ويعرّضون وجود إسرائيل للخطر

عوزي برعام.jpeg
حجم الخط

بقلم: عوزي برعام

 

 



هل أدركنا في ذاك اليوم من آب 1993، عندما علّقنا الآمال على جلسة الحكومة، بأننا سنلمس التاريخ؟
هل عرفنا المسؤولية الضخمة التي حملناها على أكتافنا؟ هل نعترف بأن عملية "أوسلو" لاقت في النهاية الفشل الذريع؟
سأجيب عن السؤال الأخير دون مواربة. إذا كان "فتيان التلال" هم الآن سادة "المناطق" المحتلة، وإذا كان بتسلئيل سموتريتش هو المسؤول عن الأمن فيها، فإننا حققنا فشلاً مهيناً. لا يوجد أي تعريف آخر للانقلاب النظامي والفكري الذي حدث هنا بين الأعوام 1993 – 2023.
يتحدث هواة الرياضة دائماً عن اختبار النتيجة. المتطرفون من بينهم يقولون إنه لا يوجد أمر مهم عدا النتيجة.
أنا شخصياً، بصفتي أشجع الرياضة، دائماً اعتقدت أن الاستمتاع بالمباراة يرتبط أيضاً بمستواها وبالتراث وبالألعاب الرياضية. ولكن المشجعين أيضاً مثلي يدركون أهمية اختبار النتيجة.
انضممتُ لمؤيدي ترشح إسحق رابين لرئاسة الحكومة في الانتخابات التمهيدية في 1992. وكأحد الحمائم في حزب العمل فقد وقفت أمام اختيار صعب.
هل رابين، صاحب مقولة "سنحطم عظامهم"، هو الذي سيأتي بالحل السياسي؟ مع ذلك، أقنعتُ آريه لوبا الياف بالانضمام.
رابين، الذي التزم بالعملية السلمية، لم يرسم في أي يوم خطوطها. لقد كانت لنا في حينه خطوط واضحة، وأردنا الدفع قدماً باتفاق سياسي مع الفلسطينيين، وعرفنا أن هذا يمكن أن يكون التفاوض مع م.ت.ف. وقد اعترفنا بأن رابين لا يعتبر شريكاً في رؤيتنا العامة، ولكننا آمنا بأنه سيفوز في الانتخابات وستحدث انعطافة.
بشأن الاتصالات في "أوسلو"، ليس في المراحل الأولى، عرفت من شمعون بيريس. وطُلب مني محاولة تليين موقف رئيس الحكومة بخصوص الاتصالات التي كان جوهرها غائباً عني، باستثناء الاتصال مع رجال م.ت.ف. ومنذ اللحظة التي تولى فيها رابين القيادة أدركنا أننا نحاول تغيير مسار التاريخ. جلبت حرب "الأيام الستة" معها الشعور الكبير بالنشوة وبداية الإمبريالية الزاحفة للحاخام موشيه لفنغر وحنان بورات.
حرب "يوم الغفران"، مع المفاجأة والتضليل والضحايا الكثيرين والفشل السياسي، أوجدت مناخاً مشبعاً بالتشكك من العرب.
بين الأمرين عرضنا "أوسلو". كانت الأجواء التي سادت في حينه في الحكومة جيدة.
فرغم التوتر بينهما إلا أن رابين وبيريس قاما بإدارة الحوار المستمر، ومن ناحية معينة كمل أحدهما الآخر. كلمتا "مناخ جيد" ليست نكتة. فقد ساد شعور من عمل الطاقم ومن المسؤولية المتبادلة، كان نادراً جداً في حينه.
آريه درعي، الذي هو الآن شريك في الحكومة الأسوأ التي عرفناها، بالتأكيد لن يتفاخر بقول ذلك، فقد كان عنصراً مهماً في ذاك الطاقم، وأقنع الحاخام عوفاديا يوسف. وقد قدره رابين ليس فقط لأنه جلب له دعم أصوات المتدينين، بل بسبب إسهامه المتميز في العملية.
الفشل الواضح لـ "أوسلو" نبع أيضاً من التوقعات المتناقضة في الطرفين.
قادة م.ت.ف كانوا على قناعة بأن الاعتراف بإسرائيل سيؤدي إلى العودة إلى حدود 1967. ولكن لم يكن لديهم أي احتمالية لتحقيق هذا الهدف طالما استمرت الاختلافات بين الفصائل الداخلية وطالما لم تتوقف العمليات.
جميعنا التقينا في حينه مع أعضاء م.ت.ف. أنا شخصياً التقيت مع ياسر عرفات ومع قادة آخرين في المنظمة في رام الله وفي بيت لحم وفي قطاع غزة. وقد تولد لدي الانطباع بأن معظمهم أدركوا أنه لا يمكنهم القضاء على إسرائيل، وراهنوا على النهج السياسي، لكن توقعاتهم كانت مختلفة عن توقعاتنا.
لا أعرف إلى أين كانت الأمور ستتجه لو لم يقتل رابين. هل كان سيتبنى رؤية الدولتين التي لم يعلن عنها في أي يوم؟ هل العدو الفلسطيني كان يعتبره زعيماً موثوقاً به يمكن عقد اتفاقات مستقبلية معه؟ هل العمليات القاسية بعد قتله تركت أي إمكانية للاستمرار في العملية؟.
ما أعرفه وبحق هو أنه في كل مرة دخلنا فيها إلى قاعة الاجتماعات أدركنا كبر المسؤولية الملقاة علينا، وسمعنا التساؤلات التي طرحها قادة الجيش، وكل واحد منا وازن موقفه بحرية. من الواضح لي، ليس فقط بأثر رجعي، أن رابين قاد حكومة ممتازة، جدية ومسؤولة.
حكومة اليمين المطلقة هي العكس لحكومات رابين – بيريس. هي تحتفل بتدمير عملية أوسلو من خلال إيصال إسرائيل إلى أزمة وجودية لم تعرفها منذ إقامتها.

عن "هآرتس"