مع ازدحام الحياة وتعدد المسؤوليات وكثرة الضغوطات النفسية والعصبية التي تواجهنا يومياً، نتعرض بشكل لا إرادي للمزيد والمزيد من التشتت الذهني والعقلي ما يتبعه بالضرورة تسرع في اتخاذ بعض القرارات التي قد تعود سلباً على حياتنا ومستقبلنا.
وحتى نتجنب الوقوع في مثل هذا التسرع والقرارات الخاطئة علينا التفكير بشكل علمي يضمن لنا ترتيب أفكارِنا وأولويات حياتنا.
واستعمال “الخريطة الذهنية” هي إحدى الوسائل الإبداعية التي تساعدنا على تنظيم معلوماتنا وأفكارنا بطريقة فعالة، كما تمكن الدماغ من تشغيل الفص الأيمن والأيسر، فالفص الأيمن منوط به عمليّة التخيّل البصري والألوان والصور والأبعاد والإبداع، أما الأيسر فهو مرتبط بالمنطق والكتابة والتحليل والتسلسل والأرقام.
طوني بوزان، عالم النفس البريطاني المعروف بأستاذ الذاكرة ومؤلف كتاب “العقل أولا” و “استخدم عقلك”، يعرِّف الخريطة الذهنية على أنها إحدى وسائل التفكير وهي على حد تعبيره تجسيد بصري ملموس لما يجري بالدماغ أثناء قيامه بعملية التفكير، وهي تقنية مثالية لمواكبة الوظائف الذهنية والعقلية ويمكننا استخدامها لتجسيد أفكارنا وتحفيز ذاكرتنا وتنمية إبداعنا، كما تساعدنا الخريطة الذهنية على التعلم واتخاذ القرارات.
وتستمدّ الخريطة الذهنيّة فعّاليّتها كتقنيّة تفكير من كونها تحاكي نظام عمل الدّماغ البشري عن طريق بعض التساؤلات والخطوات العلمية، فما الذي يجعل الخريطة الذهنيّة تقنيّة فعّالة للتفكير؟
يفسر بوزان فعالية الخريطة الذهنية كوسيلة حديثة للتفكير عن طريق عدة جوانب، منها أن الدماغ يطبق آلية التفكير الإشعاعي، حيث يقوم باتباع فكرة أساسية ينطلق منها لأفكار فرعية متعددة الاتجاهات، وهذه الفروع تعكس طريقة تفكير العقل البشري وهي متعرجة وواضحة وتتشكّل بحريّة على عكس الوسائل الأخرى التي تستخدم الخطوط المستقيمة والمنظّمة، التي تتطابق في الشكل.
وينصح بوزان بأن نجسد فكرتنا الرئيسية عن أحد المواضيع في وسط ورقة بيضاء ثم نرسم منها فروعاً متعرجة يحمل كل فرع فكرة ثانوية وهي طريقة سهلة ومسلية يسهل تنفيذها.
ومن الجوانب الأخرى التي اعتمد عليها أستاذ الذاكرة طوني بوزان، هي أن الدماغ يعتمد على التخيل البصري والربط خلال عملية التفكير فمثلاً، إذا أردنا أن نفكّر بكرسيّ فإننا نتخيّله أمامنا ثم نربطه بالعديد من الأفكار، وهذه الطريقة العمودية في التفكير طريقة تقليدية ولا تتناغم مع طريقة عمل الدماغ ولا تسمح بالربط اللازم للتفكير ما يؤدي بالنهاية إلى النسيان وعرقلة التفكير.
ويبرهن بوزان على كفاءة الخريطة الذهنية عن طريق أن الدماغ البشري يهتم بالجمال ويفضل الفروع المتعرجة بديلة عن العمودية وهذه الفروع في الخريطة الذهنيّة دائما متعرّجة وهي الطريقة المعتمدة في الطبيعة من حولنا، أمّا اذا أتت الفروع على شكل خطوط مستقيمة على حدّ تعبير بوزان، فتكون صلبة ومتشابهة ومملّة، ولا تجذب الدماغ بل تشعره بالكآبة عند النظر إليها.
وينصحن بوزان بعدم كتابة أكثر من كلمة واحد على الفرع الواحد لتقليل عدد الترابطات التي قد تنتج نتيجة كتابة أكثر من كلمة واحد على الفرع الواحد، وحتى يتسنى لنا التفكير بحرية ووضوح وإبداع وعدم التشتت في التحليل.
الخريطة الذهنية استراتيجية العباقرة في التفكير، فالدراسات التي أجريت بجامعة لندن أظهرت أن الأشخاص الذين يعتمدون استخدام الألوان والصور أثناء عملية التخيل يتقنون عملية التعلم والتذكر بفعالية أكثر من غيرهم.
كما يعتبر بوزان أن كبار العباقرة أمثال “بتهوفن” و”ليوناردو ديفنشي” قد استخدموا عملية الربط البصري التحليلي كتقنية إبداعية لصناعة تحفهم الإبداعية الخلّاقة.