تابعنا الإعلان عن استكمال مراحل المصالحة المجتمعية في المؤتمر الصحفي الذي عقدته اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية والتي تضم حوالي ثمانية فصائل فلسطينية بمدينة غزة، والذي يؤكد نية غالبية الأطراف الفلسطينية المضي قدماً لجهة إنجاز المصالحة المجتمعية التي تعمل ضمن مقتضيات العدالة الانتقالية.
إن البيانات الدقيقة تفيد ان عدد ضحايا الانقسام الفلسطيني إبان الأحداث المؤسفة التي شهدتها المحافظات الجنوبية الفلسطينية ما بين عامي 2006-2007 بلغت حوالي 585 وقاة توزعت على النحو التالي 47 امرأة و45 طفل، بالإضافة إلى وقوع أكثر من 2220 إصابة، كما حدثت أضرار بالممتلكات والمنازل والمرافق العامة والخاصة.
إن استمرار قطار المصالحة المجتمعية بمفهوم جبر الضرر والتعويض المادي والمعنوي والاعتذار عن تلك الاحداث للضحايا وذويهم، يعتبر خطوة مهمة ومتقدمة لجهة الشروع في مسارات العدالة الانتقالية ومتطلباتها.
كما أنَّ انطلاق المرحلة الثانية للمصالحة المجتمعية لـ100 حالة جديدة يعتبر تقدم نوعي واختراقة جديدة تحسب للأطراف الراعية لهذا المسار والتي تنم عن وعي جديد وعلامة فارقة في المشهد السياسي الفلسطيني بعد أن كانت قد حققت إنجاز كبير في المرحلة الأولى والتي بلغ عدد حالات المصالحة المجتمعية فيها 174 عائلة من بينهم 7 سيدات ليصبح إجمالي عدد الحالات التي تم إنجازها 274 حالة بتكلفة مالية 13 مليون دولار أمريكي ضمن التعويضات المادية للضحايا وذويهم والتي تكفلت فيها دولة الإمارات العربية المتحدة. كما أن هناك 100 عائلة تقدمت بنفسها بطلب لجبر ضررها.
إن مسارات العدالة الانتقالية تتطلب أيضاً التعويض المعنوي للضحايا وذويهم وما تقوم بها لجان المصالحة الوطنية الاجتماعية من خلال اللجان المحتمعية والأهلية والعشائرية في المحافظات عبر الزيارات والنقاشات مع أسر الضحايا وصولاً إلى الاتفاق على الصفح والتسامح والعفو وتجاوز المرحلة السابقة وآثارها المؤلمة عبر جبر الضرر وتوقيع صكوك العفو والتسامح واللحمة الداخلية وإسقاط كافة الحقوق عن الأطراف يُعتبر مقدمة لتسوية الملفات ورفع كافة العقبات والحواجز أمام سير قطار المصالحة المجتمعية في محطاته المتعاقبة وصولاً لتحقيق الهدف الأسمى والأكبر وهو فتح الأبواب وتشريعها أمام تحقيق العدالة الانتقالية والتي تستوجب على الأطراف السياسية والأهلية والمجتمعية المعنية إصلاح منظومة المؤسسات الوطنية الفلسطينية وخاصة تلك المتعلقة بالإطار البنيوي للنظام وفي مقدمتها المؤسسات الأمنية والقضائية والتشريعية المناط بهم إقرار وتشريع واعتماد التصديق على كافة مراحل ومحطات المصالحة المجتمعية وضمان حماية تلك النتائج التي ترتبت عليها والتي تقودنا إلى معالجة أثار الانقسام السياسي والجغرافي الحادث بين شطري الوطن.
إن عمليات التعويض وجبر الضرر عن الأرواح والممتلكات والأذى الذي لحق فيهم جراء الخلافات المسلحة وغيرها من الأحداث المؤسفة التي قوضت البنية الاجتماعية والجبهة الداخلية وهددت السلم الأهلي وأثقلت واقع السكان هي بمثابة اعتراف صريح بالخطأ الذي تم ارتكابه سابقا ومحاولة لإعادة الحقوق كخطوة أولى في مسار العدالة الانتقالية.
إن كافة لقاءات واجتماعات اتفاقيات المصالحة الفلسطينية بين القوى والفصائل قد توافقت على تشكيل اللجنة الوطنية العليا للمصالحة المجتمعية وعلى وجه الخصوص اتفاق المصالحة الفلسطينية في عام 2009 الموقع بالقاهرة أقر تشكيل هذه اللجنة ضمن اللجان الخمسة الأساسية في اتفاق المصالحة وقد تم تحديد مهام هذه اللجنة للعمل على تسر ثقافة التسامح والمصالحة والشراكة السياسية وحل جميع الانتهاكات التي نتجت عن الانقسام بالطرق الشرعية والقانونية بوضع برنامج لتعويض المتضررين من الانقسام، إضافة إلى إيجاد الآليات والسبل التي تكفل عدم تكرار تلك الأحداث المؤسفة.
إن إحاطة هذه الجهود في الإطار الجماهيري والعشائري والمجتمعي يشكل ضمانة حقيقية للاعتماد عليها والاستمرار بهذا المسار ولكن يجب أن يتبعها فوراً مجموعة من التدخلات الإضافية لتكون المظلة القانونية عن طريق إقرار قانون ضمان حماية جبر الضرر والذي تم تقديمه للمجلس التشريعي ولكنه لا يزال ينتظر الموافقة عليه.