أبرزها الإنفلونزا والتهاب الحلق

تقرير: الخريف المتقلب.. موسم انتشار أمراض الجهاز التنفسي بين الكبار والصغار

فصل الخريف والانفلونزا
حجم الخط

غزّة - خاص وكالة خبر - مارلين أبو عون

انقضى فصل الصيف هذا العام بكل أيامه ولياليه الحارة والجافة، وها هو فصل الخريف يطل برأسه من جديد لتبدأ أوراق الشجر بالتساقط مُعلنةً عن وصوله، وانخفظت درجات الحرارة قليلاً وبدأت نسمات الهواء الباردة والمنعشة التي تختلف نوعاً ما عن برودة الشتاء الذي يقول خبراء إنّه سيكون قاسياً هذا العام أسوةً بالصيف ولهيبه، ومع اختلاف الطقس وتباين الفصول، تتأرجح حالاتنا النفسية وتتفاوت، ففيما يشعر البعض بالبهجة في الأجواء الباردة، ينتظر آخرين وصول الصيف للاستمتاع بأشعة الشمس، ولا يخلو الأمر من تغير في حالاتنا الجسدية أيضاً.

في الخريف ترتفع فرص الإصابة ببعض الأمراض الموسمية وذلك بسبب التقلبات الجوية التي يشهدها الطقس في هذا الوقت من كل عام، ومن بين تلك الأمراض تتربع "الإنفلونزا" على عرشها بالإضافة لحساسية الأنف واحتقان الحنجرة والتهاب الجهاز التنفسي ولن ننسى الاكتئاب الموسمي الذي يعتري الكثير وخصوصاً النساء.

في هذا التقرير نُسلط الضوء على أهم تلك الأمراض ونصائح يُقدمها مختصون لتجنب الإصابة بها. 

الطبيب إسماعيل علي، أخصائي الأنف والأذن والحنجرة، يقول: "إنَّ التغيرات المناخية والتقلبات التي يُحدثها فصل الخريف تُساعد على زيادة وانتشار الفيروسات، وأكثرها شيوعًا فيروس الإنفلونزا، المعروف بأعراضه وحدته المزعجة والتي تختلف من شخص لآخر، وتشمل ارتفاع حرارة الجسم والعطس والسعال والشعور بآلام عامة".

وأضاف الطبيب علي، في حديثه لمراسلة وكالة "خبر": "من الأمراض المزعجة التي يتركها لنا فصل الخريف ولعل الكثير يُصاب بها ويتأثرون بها وخصوصاُ المصابون بالجيوب الأنفية، هي حساسية الأنف، فبفعل نشاط الرياح المتزايد في فصل الخريف، تنتشر حبوب اللقاح والغبار والأتربة على نطاق واسع في الهواء، وعند استنشاق هذه المهيجات، يصدر عن الجسم رد فعل تحسسي يتسبب في المعاناة من بعض الأعراض الناتجة عن الإصابة بحساسية الأنف، مثل حرقان الأنف وانسداده وسيلانه وصعوبة التنفس".

وأكّد على أنَّ انتشار الغبار والأتربة لا يُسبب حساسية فقط، بل يؤثر على العين أيضاً بالتهاب الملتحمة التي يكون من أعراضها تورم العين وتهيجها وخروج إفرازات منها والحساسية الشديدة اتجاه الضوء.

وأشار إلى أنَّ الخريف لا يؤثر فقط على صحة الجسد فقط، بل يمتد للصحة النفسية للإنسان فيؤثر عليها عند البعض بشكل سلبي فيصابون بالاكتئاب الموسمي، نتيجة قلة التعرض لأشعة الشمس وتغير المناخ وقصر ساعات النهار، ومعظم المصابين به يعانون من انخفاض الطاقة ويميلون إلى العزلة.

وأوضح أنَّ إغلاق الأبواب والنوافذ لتفادي برودة الجو وتقلباته في الخريف، يُساعد على تهيئة بيئة مناسبة لانتشار الفيروسات والبكتيريا، متسببةً بأمراض عدة خاصة الإنفلونزا، لأنَّ هذه الفيروسات ستظل مدة طويلة في الهواء الغير متجدد فسيكون من السهل انتقالها بين أفراد العائلة مسببةً العدوى بينهم وتفشي الأمراض.

وقدَّم علي، مجموعة من النصائح التي يجب اتباعها لتفادي الإصابة بأمراض الخريف، ومن أبرزها اتباع نظام غذائي جيد يشمل كافة العناصر الغذائية من خضار وفواكه ولحوم وما تحتويه من بروتينات وفيتامينات ضرورية للجسم، وذلك لكي يستطيع الجسم مقاومة ومكافحة الفيروسات التي تنتشر في هذا الفصل. 

ودعا الجميع لغسل اليدين والوجه عند العودة للمنزل وتنظيف العين للتخلص من آثار الأتربة والمهيجات العالقة في الجو، بالإضافة إلى شرب كميات لا بأس بها من الماء، علماً بأنَّ الجسم يحتاج للماء في فصلي الصيف والخريف كثيراً للحفاظ على رطوبة الجسم والتخفيف من أعراض الحساسية المختلفة، وعلى مرضى الحساسية الاهتمام بتناول أدوية الحساسية، لتجنب الإصابة بأيّ مضاعفات.

كما وجّه الطبيب علي، نصيحة لمن يُعانون من تقلبات مزاجية سيئة في الخريف ويُصابون بالإكتئاب، بضرورة الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم لتقوية الجهاز المناعي وتحسين الحالة المزاجية.

داخل قسم الطوارئ في مشفى كمال عدوان شمال قطاع غزّة، يوجد عشرات الآباء والأمهات الذين يصطحبون أطفالهم الذين يبكون من شدة الألم، فهذا يصف له الطبيب أدوية لحساسية الحلق والتهاب اللوزتين وآخر يطلب من قسم التمريض أنّ يضعوه تحت جهاز التبخير وذلك لصعوبة مقدرته على التنفس وانسداد مجرى الجهاز التنفسي، وآخر يطلب الطبيب من أبويه أنّ يُبعدوه عن أيّ أحد مصاب بالزكام أو الرشح وذلك لانخفاض مناعته، قدر المستطاع بالإضافة للتأكيد عليهم بشراء أدوية مضادة للحساسية، وداخل حمام المشفى تقف سيدات كل واحدة على صنبور ماء وبين يديها طفلها الذي يصرخ من شدة الألم وارتفاع درجة حرارة جسده، فيقمن بتخفيض تلك الحرارة عبر صب كميات وفيرة من الماء البارد على أجساد أطفالهن الموجوعين. 

هذا المشهد يترك في النفس وجعاً كبيراً، فإصابة الأطفال بالأمراض يؤثر كثيراً في النفس عن إصابة الكبار.

"قلبي ع ابني زي النار"

"أم تامر" التي أرهقها سهر الليالي الطويلة التي قضتها بجوار ابنها ذو الأحد عشر شهراً، وهو يُعاني من ارتفاع حاد في الحرارة والتهاب في الدم بالإضافة لالتهاب الحلق، تقول: "الي 4 أيام وأنا بزور المستشفى، بعطي ابني تبخيرة وبقول الي الدكتور ما اله علاج لو استمرت الحرارة بترجعيه تاني، بيمر ساعات برجع تاني وبيكتبله على محلول علاج لساعات بعطيه لابني في قسم الطوارئ وبروح على بيتي وفش فايدة، حتى بالآخر طلب الدكتور نعمله تحاليل، الي بين فيهم أنه ابني عنده التهاب في الدم وهي الي بتخلي درجة الحرارة مرتفعة طول الوقت ."

وتابعت في حديثها، مع مراسلة "خبر": "بعد ما طلعت نتيجة التحاليل وتبين فيها سبب المرض كتبوا له على بيات في قسم الأطفال، لأنه حالته تستدعي البيات، لازم ينحط إله محلول وإبر تقضي على الالتهاب".

وحول سبب تدهور الحالة الصحية لطفلها، تُجيب: "ابنتي الكبيرة مرضت وصابتها الإنفلونزا في الروضة، وعلى ما يبدو أجتها عدوى من طفل معها، حاولت أبعدها عن أخوها لكن وين تروح احنا عايشين بغرفة وحدة كلنا بنتنفس من نفس الهوا وبننام جنب بعض وطبيعي تنتقل العدوى لابني تامر، يا رب ابني يشفى لإنه بقطع قبي كل ما أطلع فيه وهو لاحول له ولا قوة". 

"عمرها شهر ومصابة بالتهاب حاد"

والدة الطفلة "تسنيم" التي لا يتعدى عمرها أيام معدودة، بدأت حديثها بسؤال وهو "من أين يأتي لابنتي الرضيعة التهاب وهي بعيدة عن كل البشر وأحرص دائماً على عدم الاقتراب منها سواء من من الأقارب والأهل، لأنَّ مناعتها لمقاومة الأمراض تكاد تكون معدومة ؟"، وعن هذا السؤال توجهت مراسلة "خبر" لطبيبها في قسم الاستقبال الذي أجاب قائلاً: "إنَّ انتقال الفايروسات لا يحتاج لإنسان فهو بالعادة ينتقل بالهواء وهذا الهواء المحمل بالأمراض في فصل الخريف يتنفسه الكبار والصغار وتختلف مقاومة المرض بالنسبة للصغار والكبار فتجدها عند الصغار منتشرة أكثر فما بالك بالمواليد الذين لم يتعدى أعمارهم الأيام والذين لم يتناولوا بعد أيّ تطعيمات لتعزيز مناعتهم لمحاربة الأمراض".

الموظفون الأكثر عرضة للإصابة

"إسلام" يقول: "عمري الآن تعدى الأربعين عاماً، وأعمل في مصلحة حكومية يمر على مكتبي من الناس أشكالاً وألواناً وأمسك في يدي العشرات من الأوراق المحملة بالأمراض والفيروسات، بالإضافة لتوافد العديد على مكتبي ولا أدري من هو المصاب ومن هو السليم، رغم اتخاذي التدابير اللازمة ولا أستغني عن وجود المعقمات في مكتبي إلى أنَّ كل ما أفعله عبث".

وأكمل في حديثه لـ"خبر": "لديَّ حساسية مفرطة في الخريف فتبدأ عيني بالتورم والإحمرار وأظل لأيام لا أذوق فيها للنوم طعماً، حتى مع تناولي قطرات وعلاجات للحساسية، إلا أنّه لا يفلح ذلك، فيخف الورم قليلاً وتختفي الحكة فتعود مرة أخرى وتبدأ معاناتي من جديد، عدا عن الرشح والزكام الذي يُصيبنا نحن الموظفين، وذلك لأننا ننتقل من مكان لمكان وتتغير الأجواء علينا من حرارة مرتفعة لغرف مكيفة".

"طول السنة مكتئبين"

"تغريد" التي تقف بالمقربة منا وهي تستمع للحديث، وحين سألناها عن أهم الأعراض التي تشعر بها خلال فصل الخريف، تقول: "بالعادة أنا معظم أوقات السنة أُصاب بالإنفلونزا التي تُجبرني على البقاء في سريري لأيام طويلة، وخصوصاً في الخريف والشتاء، ربما أرتاح قليلاً في فصل الصيف".

وعما إذا كانت تشعر بالضيق والاكتئاب في هذا الفصل بالذات، وخصوصاً أنَّ النساء الأكثر عرضة له، تُجيب ضاحكةً: "أنا طول أيام السنة مكتئبة ولا تقف حالتي على الخريف فقط، فما نعيشه في غزّة يُدخلنا جميعاً في اكتئاب ليس موسمي بل دائم ومزمن أيضاً".