لكل شيء كما يقال تحت الشمس وفي السياسة وقت وأوان. تقول السيدة فيروز في القصيدة «آن الكرم يعتصر»، لكن هل حان الوقت الآن ؟ والجواب لقد كان مطلبا وضرورة قبل سنة وقبل سنتان وفي كل وقت مضى، اذا كانت الوحدة الوطنية لحركة تحرر في مثل أوضاعنا او صراعنا من اجل خلاصنا، لا تمثل ترفاً سياسياً وإنما ضرورة حاسمة وشرطاً ذاتياً لانتصارنا.
لكن هل كنا سنخرج عن القاعدة، عن السنن والقوانين وعوائد الشعوب وحتى حركات التحرر والأسر والعائلات في الحياة العادية، وقد تطاول صراعنا في العمر والزمن الى هذا الحد اكثر من اللازم، ان ننجو من هذه السنن؟ وحيث في البداية يكونون موحدين تؤطرهم راية جامعة وفي أزمة منتصف العمر كوارث الأربعينات، فإنهم لا يلبثون ان يتفككوا وينقسموا وكأنما القانون دوما يقتضي هذه الجدلية الثلاثية، التي تظل تتراوح بين هذين القطبين: الفك والتركيب الوحدة ثم الانقسام ثم استعادة هذه الوحدة التحالف والائتلاف من جديد.
ولقد شرحنا هذه الجوانب والأبعاد الخصوصية والمتفردة في الازمة الفلسطينية ولكن الخفية والمعقدة اكثر من مرة، والتي يمكن إعادة اختصارها بصلابة وانسداد التوازن بين حركة فتح التي تمثل دور الشيخ الطاعن في الحكمة والدهاء والعمر، وحماس التي تؤدي في هذه القصة دور الفتى الذي يختزل قوة وعنفوان طاقة الشباب.
ان الشيخ الآن الذي يحتكر السلطة لا تبدو عليه ظهور علامات قرب الاندثار او الموت، وان أوديب او البطل مردوخ لا يستطيع ان يعاود تكرار مشهد القتل في الإطاحة المأساوية الإغريقية كما البابلية في الانقلاب على السلطة الأبوية والأمومية، وبصورة موازية فأن هذه السلطة لا تملك القدرة او القوة لطرد او نفي او إخراج هذا الابن المشاكس من المملكة.
لقد آن الوقت لأن المعادلة التي تطرحها ازمتاهما لا تطرح أمامهما سوى هذا الحل التاريخي، والذي يقوم على مبدأ الشراكة كما التنازلات المتبادلة وصولا الى تطبيق القاعدة اللبنانية الأثيرة «لا غالب ولا مغلوب».
هل دارت الحية على نفسها في غضون هذه السنوات الثماني من تبادل السجال والدخول في التجربة، حتى أصبحت قادرة ان تعض ذيلها؟ كناية عن بلوغ الطرفين هذا المستوى السياسي والفكري الناضج واختمار الفكرة. بحيث آن الكرم بعد الصيف ان يعتصر؟ والجواب نعم. لكن هذا التوصيف ليس الا نصف المسألة، اذا كان التحليل لا يمكن ان يكتمل ما لم نر الى المتغير الرئيسي او عنصر الضغط الحاسم الذي حرك فجأة المياه الراكدة، فلماذا اذن الآن؟. ما هو العامل الطارئ الجديد الذي حتى تحت تأثير قوته لم يذهبوا الى مصر وانما الى الدوحة وتحت راية قطر والسعودية وتركيا، فهل وراء الأكمة ما وراءها؟ وهذه هي المسألة في الواقع التي تحل اللغز.
ان المتغير الحاسم في المشهد العربي كان قد حدث مع تولي الملك سلمان بن عبد العزيز سدة الحكم في السعودية، الذي أعاد الاعتبار للدور القومي العروبي للمملكة سيرا على التقاليد التي ارساها المغفور له الملك فيصل في سنوات الستينات ومنتصف السبعينيات. ومع هذا التحول الذي سيكون له اثر كبير وملموس على التوازن الإقليمي في المنطقة والقضية الفلسطينية، تبلور او نشوء المثلث او التحالف السني ممثلا بالسعودية وتركيا وقطر، وهو التحالف الذي سيكبح منذ الآن ولا سيما مع الثورات المضادة في المنطقة، الانحلال والتدهور في المواقف والسياسات الإجمالية على المستوى الرسمي العربي مع غياب مرجعية تضبط هذا الأداء. مرجعية وازنة تملك إرادة اتخاذ القرار وملكية هذا القرار النابع من قوتها الممثلة للإجماع .
ان التحرك الآن لإغلاق ثغرة الانقسام الفلسطيني يجب ان ننظر اليه كامتداد لمفاعيل ونتائج هذا المتغير الكبير في البيئة الاستراتيجية، مع عزوف وتراجع الدور التقليدي لمصر. وقد يبدو هذا التحرك الثلاثي باتجاه إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، كجزء من الصراع الذي يخوضه هذا التحالف السني في مواجهة التمدد الإيراني او التحالف المقابل الإيراني السوري، وإسقاط ادعائه الأيديولوجي انطلاقا من الورقة الفلسطينية حول ما يسميه بالمقاومة الإسلامية والممانعة. وهذا الافتراض صحيح ولكنني اظن انه لا يشكل تفسيرا متكاملا لحل اللغز. حتى وإن أضفنا الى هذا الدافع رغبة وإرادة هذا الحلف في حراكه نحو المسألة الفلسطينية ككل، بما في ذلك الانخراط في عملية حلها وتسويتها، إظهار قوته التمثيلية لمجموع الملفات والقضايا التي تهم العالم السني في المنطقة من العراق الى سورية ثم فلسطين.
على أهمية هذه المسألة فإن المسألة بالاخير قد لا تكون هنا أيضا بالمجمل، وارى هنا ان الجانب الخفي من المسألة ربما هو الأهم والعامل الحاسم مما يبدو من ظواهر الأمور. وهنا أرى ان هذه المصالحة الفلسطينية إنما هي جزء محوري الآن من صراع أشمل وأكبر، على تقرير التوازن الإقليمي في المنطقة. وهي بهذا المعنى جزء لا ينفصل عن الانخراط في عملية أشمل لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وربما محاولة استمالة إسرائيل وكسبها في وقت لاحق في إطار الاصطفاف أو الاستقطاب الإقليمي، في مواجهة التمدد الروسي الإيراني.
وكل ذلك في اطار صفقة شاملة عنوانها المبادرة العربية للسلام، تزال بموجبها المظلومية الفلسطينية. ويتم التطبيع السني والتحالف مع إسرائيل، ازا علمنا ان جزءا من استهداف هذه المصالحة هو حل العقدة الغزية امام ترميم العلاقات التركية مع اسرائيل التي هي المقدمة .
- See more at: http://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=108704b5y277284021Y108704b5#sthash.Rjk0Zc3R.dpuf