تعيد لنا مشاهد انتفاضة الأقصى التي انطلقت في الثامن والعشرين من سبتمبر من العام 2000م إلى الأذهان حجم المآسي التي مر بها شعبنا الفلسطيني على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما مشهد (قتل الطفل محمد الدرة) الذي كان أحد أسباب إشعال فتيلها نتيجة الدور الإعلامي الذي عمل على تأجيج الرأي العام ضد الاحتلال، الذي ما زال يستهدف الحجر والشجر والبشر، ويمارس أبشع الجرائم الفاشية والعنصرية في وقتنا هذا دون رادع من المجتمع الدولي المكتفي ببيانات الإدانة والاستنكار، كما يعيش دور المتفرج على معاناتنا كفلسطينيين، وفي ذات الوقت يُسمع الاحتلال ما لذ وطاب حين يدافع شعبنا عن نفسه، بل يمنحه الحق في قتل المدنيين الفلسطينيين دون وجه حق.
إنه المشهد الصعب، والرواية الصادقة، كيف لا والمشهد كان يراه العالم على شاشات التلفاز والطفل يحاول أن يختبئ في حضن أبيه من زخات الرصاص المسعورة، التي استقرت في جسده النحيل، وحولته إلى منظر يبكي القلب ويدمع العين، ويعجز اللسان عن وصفه إلى أن أنهى والد محمد هذا المشهد بعبارة «الولد مات».
فكانت الرسالة حينها أكثر تأثيرًا وهي تصطحب صورة الشبان المنتفضين بوجه دبابات وترسانة الاحتلال العسكرية، ومحاولة صد عدوانه البربري على شعب أعزل، رغم بساطة الإمكانيات الإعلامية، فقد كانت تجيش الرأي العام لصالح الفلسطيني وتحرج إسرائيل أمام العالم، كما تقدم الرواية الفلسطينية على حقيقتها رغم محاولة الاحتلال حرفها عن أساسها وهي الصراع على الأرض، لا أن يتم التعاطي مع المسألة كما يريدها الاحتلال الذي يتغطى بشعارات الإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
جاء هذا الفعل الجماهيري العظيم في ظل بيئة سياسية وميدانية مُلتهبة، وردا على اقتحام ارئيل شارون رئيس وزراء الاحتلال الأسبق للأقصى، وليفاجأ الاحتلال والرأي العام الدولي بعد توقيع اتفاق أوسلو الذي قزم قضيتنا الوطنية وكبل شعبنا بالتزاماته الأمنية والاقتصادية وتخطى البرنامج الوطني المرحلي لـ(م.ت.ف)، الذي شكل خارطة طريق أمام العالم المُنحاز للاحتلال بمواقفه وينكر حقوق شعبنا في الحرية والعودة وتقرير المصير.
فكان الإعلام الفلسطيني السلاح القوي الضعيف في نقل الحقيقة وصورة الانفجار الشعبي ليقول للعالم أننا متشبثون في هذه الأرض، وماضون على درب الشهداء الذين رسموا بدمائهم لنا الطريق.
هذا السلاح الذي نعيش ذروة نهوضه وتطوره، مواكبةً للتكنولوجيا التي تغزو المجتمعات، لكن من المؤسف أن نتحدث عن واقعنا المرير والمشتت في الرواية والهدف، في حين يعزز الاحتلال روايته ويستغل الانقسام الداخلي الذي أهدر طاقاتنا.
فرغم الإمكانيات الهائلة والمساحة الافتراضية المُتاحة أمامنا لننقل معاناتنا للعالم، إلا أننا سنبقى ضعفاء أمام رواية الاحتلال التي تسوق وفقا لرؤية وإستراتيجية إعلامية موحدة، لها أساليبها وأدواتها الفاعلة في ضوء هذا الفضاء الرقمي، والوسائل الإعلامية الحديثة والمتنوعة.
علينا أن نفكر معا ونسأل، هل إعلامنا قادر أن يسوق روايتنا الفلسطينية ويتجاوز مسألة الانقسام؟ وما شكل الإستراتيجية الإعلامية التي نحتاجها لمواجهة رواية الاحتلال التي تقوم على الخداع والتدليس والتضليل.. أعتقد أن هذه الخطوة بحاجة لتحرك حكومي وفصائلي ومؤسساتي مجتمعي يضغط على طرفي الانقسام، فهي مسؤولية كل فلسطيني حر أن نجد إستراتيجية وطنية إعلامية.