معاريف : حرب "يوم الغفران" ترسم لنا إشارات تحذير

تنزيل (17).jpg
حجم الخط

بقلم: تومر بار

 



كُتب هذا المقال خلال تشرين الأول 2023 على مكتبي، مكتب قائد سلاح الجو. وإلى جانب المكتب، كان يجلس أيضاً الجنرال بيني بيلد، قائد سلاح الجو خلال شهر تشرين الأول 1973. وهذا هو المكتب عينه الذي استعمله منذ ذلك الوقت جميع قادة سلاح الجو الذين جاؤوا من بعده، كلٌّ بحسب شخصيته وطريقته في القيادة. على هذه الطاولة، طاولة العمليات في قيادة سلاح الجو، تم اتخاذ القرارات المفصلية والمصيرية في تلك الحرب، وعلى مدار الأعوام حتى اليوم.
جميع قادة سلاح الجو، الذين سبقوني منذ حرب "يوم الغفران"، حملوا معهم إسقاطات هذه الحرب. ومنذ ذلك الوقت، تم بناء هذه الاستخلاصات لبِنة فوق الأُخرى. وعلى مدار الأعوام، واظب سلاح الجو على البحث والتعلم، وفحص وطبّق الاستخلاصات التي برزت في تلك الحرب الصعبة. حتى العام الماضي، استمر سلاح الجو في التعلم منها من جديد. قمنا بإجراء لقاءات مع المقاتلين سابقاً، ووزعنا التحقيقات التي قام بها السلاح لتعميق الوعي لدى الجنود وتذكيرهم بقتلانا الكثُر، وبالمصابين، جسدياً ونفسياً.
في المسلسل المهم "الواحدة" الذي نشرته هيئة البث العام "كان 11"، قال برعاد مئير شاني، طيار في السرب 201، وكان مقاتلاً في حرب "يوم الغفران": " إن فكرة أن هناك مَن يقف خلفك، أي دولة إسرائيل، تمنحك قوة كبيرة. أنت لست وحدك كما كان والدي وحده حين فقد عائلته كلها في المحرقة النازية".
هذه الأقوال هي أساس وجودنا. هذا هو أيضاً التفسير الأفضل للانقلاب الذي جرى خلال الحرب. هذا هو المحرك للجيش ودولة إسرائيل، اللذين انتقلا من حالة المفاجأة الكبيرة، ومن موقع دوني، إلى النصر الواضح في حرب متعددة الجبهات ضد مصر وسورية في الوقت نفسه. في رأيي، أقواله تتضمن مكونين، لا يمكن من دون وجودهما خوض الحرب. الأول هو الثقة، والثاني هو تضحية المقاتلين. الثقة هي سلسلة طويلة مؤلفة من حلقات كثيرة، ووحده الارتباط القوي ما بين جميع الحلقات هو الذي يضمن قوة سلسلة الثقة.
الثقة تربط بالأساس الحلقات بين مَن أرسل المقاتلين إلى المهمات، بغض النظر عن صعوبة وخطورة هذه المهمات. ويجب أن تكون موجودة بين الضابط والجنود، وبين المقاتلين أنفسهم، وبين الزملاء داخل غرفة القيادة، أو الطاقم المشارك في المهمة. ويجب أن تكون موجودة أيضاً بين الطواقم التقنية التي تجهز الطائرة، وبين الطيار الذي يرد لهم التحية العسكرية.
الثقة هي المكوّن الذي يستمد منه المقاتلون في البر والبحر والجو شجاعتهم. وتتضمن التضحية، وأخوّة المقاتلين والالتزام بينهم الذي لا مثيل له. يجب أن يكون هناك ثقة بين الطيارين مع أنفسهم وبين الأسراب المختلفة ووحدات الإنقاذ. وكذلك الأمر بين مكتب القيادة العملانية الذي يقرّ المهمة ويخطط لها ويسيطر عليها، وبين الأذرع المختلفة، التي عليها العمل بالتعاون، ومن مبدأ مسؤولية مشتركة من أجل نجاح المهمة.
المركّب الثاني هو التضحية العظيمة، تلك التي برزت لدى المقاتلين في يوم الغفران. الجنود ذهبوا إلى الحرب وهم يعلمون بأنه من الممكن ألّا يعودوا، هم وأصدقاؤهم، إلى عائلاتهم. وأظهروا شجاعة كبيرة ومبادرة في ظروف الحرب، وأثبتوا أنهم يستطيعون التعامل معها.
هناك استخلاصات كبيرة تعلُّمها سلاح الجو من تلك الحرب، كما تم تعميق هذه الاستخلاصات كل عام إزاء جيل مختلف من الطيارين والطواقم على اليابسة خلال سياقات التعليم التي نقوم بها. حددنا التعافي من الفشل كمكون أساسي في السلاح خلال الحرب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التواضع المطلوب بشأن قدرتنا على توقُّع كل ما هو مخفيّ عن العين، والمرونة في مواجهة أي تحدّ والتكيف معه، هذا بالإضافة إلى الالتزام العميق في الشراكة، إن كان في المناورة، أو بمساعدة القوات على اليابسة كما جرى في مرات كثيرة خلال الأعوام الأخيرة.
بالنسبة إلينا، تُعَد أحداث الحرب بمثابة أضواء إنذار واضحة، وتعلمنا كيف نشكك في كل ما نراه ونعتقد أننا نعرفه حقاً. ننظر إلى الواقع الموجود أمامنا من جميع الجبهات. نحن نعلم بأن جميع تلك الجبهات يمكن أن تلتقي معاً في الحرب القادمة وتتحدانا. وبصفتنا الذراع الاستراتيجية للجيش، سيستمر سلاح الجو في الاستعداد للدفاع وإحباط التهديدات في أجواء الدولة وخارجها أيضاً-وذلك بالشراكة الكاملة مع الأذرع الأُخرى للجيش وأجهزة الأمن.
العبرة الأهم التي أحملها معي كقائد لسلاح الجو هي الحاجة إلى التكاتف الذي يحفظ الثقة لدى الجيش وفي داخله، وأيضاً في سلاح الجو. علينا أن نبقى متكاتفين، وأن نشعر بأن الشعب برمته متكاتف خلفنا في المهمات التي يقوم بها المقاتلون، وتتضمن مخاطرة كبيرة وتضحية بالنفس لا توازيها أي تضحية. علينا أن نعلم، كما قال مئير شيني، بأنه "يوجد مَن يقف خلفنا-دولة إسرائيل".
أحيّي كل مَن شارك في تلك الحرب، أنظر في عيون مقاتلي سلاح الجو حالياً بفخر، وأعلم بأنه هناك مَن يمكن الاعتماد عليه. وكما نهضنا، ووقفنا على أرجلنا خلال أحداث "يوم الغفران"، هكذا سنعرف مرة أُخرى كيف سننهض ونستمر في الدفاع عن دولة إسرائيل، حتى لو كان يبدو أن بعض الأوتار قد قُطع، لكن "هذه النغمة لا يمكن إيقافها"، وسنواصل إسماعكم إياها جيداً في جميع الأماكن. سرّ قوتنا هو تكاتفنا، وبهذا التكاتف سننجح.


عن "معاريف"