قبل خمسين سنة وفي السادس من أكتوبر 1973 فاجأت القوات المصرية إسرائيل باقتحام التحصينات في سيناء وحطموا خط بارليف المنيع، وكانت مفاجأة أذهلت الجيش والاستخبارات الإسرائيلية وكانت خارج حسابات المراقبين والمحللين السياسيين، لأنها لم تكن متوقعة بعد سنوات من حرب الاستنزاف على جبهة القناة وكانت إسرائيل تعتقد انه استقر لها الأمر وأن مصر لن تحارب خصوصا في ظل أوضاع اقتصادية سيئة وبعد ان قطعت مصر علاقاتها العسكرية مع الاتحاد السوفييتي وانفتحت على واشنطن والغرب.
بعد اقتحام الجيش المصري لخط بارليف قام جيش العدو باختراق وفتح مغبر على قناة السويس في منطقة الدفرسوار (ثغرة الدفرسوار) حيث حاصر جيش الاحتلال وحدات من الجيش الثالث المصري واستعمالها لاحقا كورقة قوة في المفاوضات. وكانت نتيجة هذه الحرب والانتصار العسكري الجزئي، وهو أول انتصار لجيش عربي على عدو خارجي، دخول مصر واسرائيل بمفاوضات برعاية أمريكية قادها هنري كسنجر وزير الخارجية الأمريكية آنذاك-سياسة الخطوة خطوة- وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد ١٩٧٩ ومرابطة قوات دولية في سيناء التي انسحبت منها إسرائيل بشروط بعد ثمان سنوات في عام ١٩٨١.
في حرب أكتوبر الأولى كان تنسيقا بين مصر وسوريا وبعض الدول العربية على حرب لتحرير الأراضي العربية المحتلة عام ١٩٦٧ ولكن التحالف والتنسيق توقف بين سوريا ومصر وجرى حديث ان هدف السادات من الحرب القيام بحرب تحريكية لمفاوضات من موقع القوة وهذا ما تم بالفعل.
في حرب أكتوبر الفلسطينية/ الحمساوية، كانت إسرائيل تعتقد أنها طوعت حركة حماس والمقاومة في غزة كما أضعفت السلطة الفلسطينية في الضفة وحولتها لسلطة واهية فاقدة المصداقية والقدرة على فعل شيء حتى في إطار مشروعها للتسوية السياسية الأمر الذي أطلق سراح الحكومة اليمينية والمستوطنين لممارسة كل أشكال العنصرية والعربدة في الضفة وتهويد المسجد الأقصى، وأن تطبيع العربية السعودية ودول أخرى كفيل بإنهاء الصراع وحسمه لصالح دولة الكيان ... إلا أن نخبة من مقاتلي حركة حماس فاجأت الجميع وقامت بهجوم مفاجئ لوحدها دون تدخل أو تنسيق مع محور المقاومة وحتى مع حركة الجهاد الإسلامي حتى الآن، وحطمت خط بارليف على حدود غزة (غلاف غزة) والذي أنفق العدو المليارات لتحصينه بالأسلاك الشائكة والخنادق والحواجز والمعيقات الإلكترونية والكهربائية والقبة الحديدة واحتلوا سبع مستوطنات باعتراف العدو وقتل وأسر المئات مع إطلاق آلاف الصواريخ على عدة مدن.
ما قامت به حركة حماس أثار إعجاب وحالة عاطفية متأججة عند غالبية الشعب الفلسطيني وخصوصا في الضفة الغربية والقدس، وكيف لا يكون ذلك وقد وصلت عربدة بن غفير وسموترتش ونتنياهو والمستوطنين مداها في استفزاز مشاعر الشعب الوطنية والدينية، وسنسمع من الغرب وإعلامه إدانات للعملية و لبعض المشاهد التي صاحبت اقتحام المستوطنات، ولكن على الغرب أن يتذكر الجرائم والإرهاب الصهيوني من مجزرة دير ياسين وقبية وبحر البقر وقانا إلى إحراق عائلة الدوابشه وقتل الأطفال والنساء على الحواجز و احتجاز جثامين الشهداء و مقابر الأرقام وخمسة آلاف اسير بينهم أطفال ونساء وجرحى.
ولكن ماذا بعد؟ وما الذي تهدف له حركة حماس من هذه الحرب (طوفان الأقصى) ؟ وما هي ردة الفعل المتوقعة من العدو؟ وما هي انعكاسات الحرب على قطاع غزة وعلى السلطة الفلسطينية وعلى القضية الوطنية بشكل عام؟ وهل يمكن اعتبار هذه الحرب (حرب تحريكية) كحرب أكتوبر المصرية ستفتح المجال لتدخل دولي وليس مصري وقطري فقط لفتح مفاوضات مباشرة بين حركة حماس وإسرائيل وقد تؤدي لمرابطة قوات دولية على حدود القطاع؟
إن كان من السابق لأوانه توقع نتائج هذه الحرب التي تجري الى الآن ت داخل الأراضي المحتلة وهذا يحدث لأول مرة بعد حرب أكتوبر 1973 ولم تبدأ الحرب على غزة التي هدد بها رئيس وزراء العدو، إلا أنه في حالة عدم دخول محور المقاومة - حزب الله وايران وسوريا -في الحرب من خلال إطلاق صواريخ من جنوب لبنان وإيران وسوريا على مدن العدو، وهذا من غير المتوقع، وفي حالة عدم انفجار الوضع في الضفة وداخل الخط الأخضر بمقاومة شعبية شاملة، فالحرب ستكون حرب إسرائيل وقطاع غزة، ومن المتوقع وبعد التعامل مع المقاتلين الذين احتلوا أو حرروا المستوطنات سيقوم العدو بردة فعل دموية قوية ضد القطاع تسبق أي مفاوضات هدنة تختلف عن غيرها من الهدن السابقة..
وعلينا انتظار ما ستأتي به الساعات والأيام القادمة، وربنا يستر.