غزة هزمت إسرائيل: ماذا بعد؟

thumb (1).jpg
حجم الخط

بقلم أشرف العجرمي

 

 

 

الهجوم الذي شنه مقاتلو حركة «حماس» والذي شارك فيه كذلك مقاومون من فصائل عديدة في غزة لاحقاً، شكل هزيمة ساحقة غير مسبوقة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، لدرجة أن «حماس» نفسها تفاجأت بحجم انهيار الجيش وقوى الأمن الإسرائيلية المختلفة، وربما ساهم هذا الانهيار في توسيع رقعة الانتشار الفلسطيني في تجمعات غلاف غزة والعدد الكبير جداً من القتلى والجرحى والأسرى الإسرائيليين. لدرجة أن مواطنين عاديين دخلوا إلى القرى والكيبوتسات والقواعد العسكرية المسيطر عليها. وهذا الهجوم المخطط بدقة والذي أذهل الإسرائيليين والعالم بأسره بمستواه الذي يفوق مستوى مجموعات مسلحة تمارس حرب العصابات إلى مستوى جيوش نظامية قوية تمتلك مقدرات عسكرية كبيرة وتقنيات عالية وتنسيق متناغم بين مختلف المقاتلين والوحدات المشاركة.
الهزيمة الإسرائيلية التي تعترف بها إسرائيل والتي ستخضع بدون شك لتحقيقات معمقة بعد انتهاء الحرب كانت على مستويات عديدة، أولها المستوى الاستراتيجي المرتبط بتقدير الموقف تجاه حركة «حماس». فالمستوى السياسي الإسرائيلي كان يعتقد أن «حماس» تفكر فقط ببعض التسهيلات والحصول على الأموال القطرية. وبالتالي جرى ترويضها إلى درجة أنه يمكن تحييد قوتها مقابل بعض الامتيازات الهامشية التي لا تكلف إسرائيل شيئاً. واتضح من خلال هذا الاجتياح أن الأمور ليست كما يعتقدون وأن «حماس» تفكر بأمور أكثر استراتيجية وهي تبحث عن انتصار يعزز صورتها ويجعلها تساوم على قضايا سياسية مثل الإفراج عن الأسرى والتراجع عن إجراءات إسرائيلية في القدس المحتلة، وكذلك رفع الحصار المفروض على غزة.
والمستوى الثاني من الفشل كان استخبارياً، بمعنى أنه لم تحصل إسرائيل على معلومات أمنية دقيقة حول التحضير الفعلي للهجوم وموعده، على الرغم من أن «حماس» كانت تجري تدريبات ومناورات تظهر نواياها باقتحام التجمعات السكانية والقواعد العسكرية في غلاف غزة. ولكن القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية كانت تنظر بخطورة وجدية لاستعدادات «حزب الله» لاجتياح الشمال، وكانت تراقب مناورات وتدريبات قوة «الرضوان» الخاصة التابعة للحزب وتستبعد قيام «حماس» بمثل هذه المغامرة.
كما أن هناك فشلاً عملياتياً وتكتيكياً في الاستعداد وجاهزية الجيش الإسرائيلي الذي لم يستعيد زمام أموره إلا بعد مرور ثلاثة أيام على الهجوم الفلسطيني. وأظهرت عملية الاجتياح هشاشة الجيش وترهله وفقدان القدرة على تحمل ضربة كبيرة ومفاجئة على غرار الاجتياح لغلاف غزة. ويضاف إلى ذلك هبوط وانهيار الروح المعنوية لجنود وضباط الجيش الإسرائيلي الذين لم يتحملوا الصدمة ولم يستطيعوا لملمة صفوفهم واظهروا ضعفاً كبيراً مقابل مقاتلي الفصائل الفلسطينية.
ما حصل في غلاف غزة كان صدمة كبيرة أدت إلى شعور الإسرائيليين بالفاجعة وبالهزيمة المرة، إلى درجة أن بعضهم بدأ يفكر بمغادرة البلاد بدون رجعة وبعضهم فعل ذلك فعلاً. ولا شك أن هذه الهزيمة ستطيح برؤوس سياسيين وأمنيين كثر وقد تؤدي إلى نهاية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سياسياً ونهاية عهد حكومة أقصى اليمين العنصري المتطرف. ولهذا يشعر المسؤولون الإسرائيليون في الحكومة والمعارضة على السواء أنهم بحاجة لترميم صورة إسرائيل وجيشها الذي تحول إلى مهزلة ومادة للسخرية والتندر. وهذا لا يمكنه أن يتم بدون تحقيق انتصار كاسح وحاسم على «حماس».
الحرب التي أعلنتها إسرائيل على غزة، والتي هي غير مسبوقة بحجم دمويتها وتدميرها وخاصة تجاه المدنيين والبنى التحتية، وصولاً إلى إعلان قطع كل الإمدادات الإنسانية عن غزة من ماء وكهرباء ومواد غذائية وطاقة وحتى المواد الطبية، وهو ما اعتبرته منظمة «هيومن رايتس ووتش» جريمة حرب تتطلب تدخل المحكمة الجنائية الدولية، يراد منها استعادة ثقة الإسرائيليين بجيشهم وقيادتهم. ولا يهم كم سيقتل من المدنيين الفلسطينيين وحتى من العسكريين والمدنيين الإسرائيليين.
هذه المرة لن تكترث إسرائيل بعدد الذين يسقطون في صفوفها على خلاف المرات السابقة التي كانت تحجم فيها عن شن حرب برية على غزة خوفاً من سقوط عشرات من القتلى الإسرائيليين. فبعد سقوط أكثر من ألف قتيل إسرائيلي، وآلاف الجرحى وأكثر من مئة أسير لم تعد الأرقام ذات أهمية أمام حجم الذل والهوان الذي لحق بها. ويخطئ من يظن أنها تكترث لمصير الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، فهؤلاء أضحوا مجرد ارقام. ولهذا فعلى الأغلب ستذهب لحرب برية طاحنة ضد غزة بهدف تحقيق الانتصار على «حماس» وفصائل المقاومة وتجريدها من قوتها العسكرية. وقد تتورط في مستنقع غزة، وقد تتوسع الحرب لتشمل جبهات أخرى، ولكن إسرائيل لا يمكنها أن تتوقف لأن الهزيمة ستتحول إلى كارثة وجودية.
في كل الأحوال ومهما كانت نتائج الحرب المعلنة على غزة، ما بعد «طوفان الأقصى» ليس كما قبله، والدول الغربية التي تمنح إسرائيل رخصة لقتل الفلسطينيين وعلى رأسها الولايات المتحدة ستقف مجدداً أمام استحقاقات سياسية جدية في فترة ما بعد الحرب. كما أن هذه الهزيمة أيضاً فتحت الباب واسعاً أم الجمهور والنخب السياسية الإسرائيلية للتفكير بأن القوة واستمرار الاحتلال لا يمكنهما حماية أمن إسرائيل وضمان وجودها وأنه لا بد من البحث عن حل سياسي.