مأزق المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي

حماده الفراعنه
حجم الخط

على الرغم من الامتيازات التفضيلية التي يتمتع بها المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي في مواجهة المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، بدءاً من تفوق العامل الذاتي سياسياً وبشرياً واقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً واستخبارياً على العامل الذاتي الفلسطيني الذي يعاني من الضعف والتمزق والتشتت، مروراً بعامل المواجهة العربية الذي لا يقل سوءاً وانحداراً عن العامل الفلسطيني حيث الحروب البينية بين العرب في لبنان وسورية رغم وجع الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، والاعتداءات المتكررة على السيادة اللبنانية، والاحتلال للجولان السوري والتطاول على كامل السيادة السورية بالطيران والصواريخ والمؤامرات، وكذلك في العراق واليمن والصومال وليبيا والسودان. 


إضافة إلى ضعف العامل الدولي وانحياز قطاع واسع مؤثر لديه للاحتلال الإسرائيلي والتغطية عليه، وعدم قدرته على ردع العنصرية الإسرائيلية، والاحتلال الكولونيالي، وتشريد نصف الشعب الفلسطيني خارج وطنه، وتمزيق أرضه من خلال الاستيطان، وإفقاره المتعمد، وفرض الحصار عليه بتجويعه المنهجي، ورغم الإخلال بقرارات الأمم المتحدة وعدم الانصياع للشرعية الدولية، والسلوك الشائن بما يتعارض وقيم وحقوق الإنسان، ورفض تل أبيب تطبيق القرارات ذات الشأن والنيل منها، بدءاً من قرار التقسيم 181، وقرار حق اللاجئين بالعودة 194، وقرار الانسحاب وعدم الضم 242، وقرار حل الدولتين 1397، وخارطة الطريق 1515، فلا تجد إسرائيل من يردعها عن غلوها وتطرفها وعنصريتها وانتهاكاتها لكل المعايير والقوانين والأعراف وقرارات الشرعية الدولية. 


إذاً، على الرغم من امتيازات التفوق الإسرائيلي محلياً في مواجهة الشعب الفلسطيني، وفي مواجهة العرب، وفي مواجهة المجتمع الدولي، إلا أنه في مأزق، ومأزق كبير لن يخرج منه معافى من المسؤولية، ومن التراجع، وصولاً نحو الهزيمة لأنه ضد إرادة الشعب العربي الفلسطيني، وضد إرادة الشعوب العربية المحيطة بها، وضد المجتمع الإنساني الدولي الذي لا يسعى للتكيف معه، فالشذوذ والخصوصية والامتيازات عوامل مؤقتة أنية متدحرجة قابلة للتغيير، فبريطانيا لم تكن تغيب الشمس عن مستعمراتها، والمعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفيتي كان القوة الكبيرة التي تفرض الثنائية والتوازن الدولي، وقبل أفغانستان والعراق كانت الولايات المتحدة تتمتع بالقوة الوحيدة المنفردة لإدارة العالم، وها هي تصل لتفاهم ومن ثم لاتفاق مع إيران التي كانت عنواناً لـ»الشر والتطرف» وها هي تتقاسم معها المصالح في منطقتنا العربية، على حساب أصدقائها الخليجيين. 


وإسرائيل نفسها رضخت لمصالح الشعب العربي الفلسطيني و»كوعت» أمام نضاله وبسالته لمرتين، الأولى في مواجهة الانتفاضة العام 1987 حينما قبل اسحق رابين العام 1993 بنتائج مفاوضات أوسلو وأقر الاعتراف بالعناوين الثلاثة: بالشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير وحقوق الشعب الفلسطيني، وانسحب من مدينتي غزة وأريحا أولاً على طريق الانسحاب التدريجي المتعدد المراحل، و»كوعت» مرة ثانية حينما رضخ شارون لنتائج الانتفاضة المسلحة العام 2000، وقرر ترك قطاع غزة كاملاً بعد فكفكت المستوطنات وإزالة قواعد جيش الاحتلال العام 2005. 


مأزق المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي يكمن بعامل واحد أساسي ورئيسي وجوهري وهو وجود شعب عربي فلسطيني على أرض فلسطين سواء في مناطق العام 1948 في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، أو مناطق العام 1967، في الضفة الفلسطينية والقدس والقطاع، فقد استطاع المشروع الصهيوني طرد نصف الشعب الفلسطيني من وطنه، ولكنه فشل في طرد نصفه الآخر وأخفق برنامجه التوسعي على تشريد ما تبقى منهم داخل وطنهم، رغم المحاولات المستميتة لجعل الأرض الفلسطينية طاردة لأهلها وشعبها بالإفقار والتجويع والقمع والحصار والإذلال والحواجز ومنع مقومات الحياة الطبيعية عن الإنسان. 


شعب فلسطين الباقي الحي، يرفض إسرائيل ومشروعها وسياستها وكيانها وبرنامجها سواء في مناطق 48 أو مناطق 67، ولا أدلل على ذلك أكثر من استعراض ثلاث مقالات نشرت في يوم واحد يوم 11/2/2016، في صحيفة «هآرتس» العبرية. 


المقالة الأولى كتبتها راوية أو ربيعة وهي من منطقة النقب البدوية، تحت عنوان «نحن فلسطينيون» وتخاطب نتنياهو بقولها، «سيدي رئيس الحكومة، نحن فلسطينيون وليس لدينا نية للاعتذار عن ذلك»، وتتحدث عن إخراج الحركة الإسلامية من القانون ومعاقبة ثلاثة نواب كنيست من القائمة البرلمانية العربية اليهودية المشتركة وينتمون لحزب التجمع الوطني الديمقراطي بعزلهم المؤقت من البرلمان، ومحاولة إخراجهم عن القانون كنموذج لحجم العنصرية الإسرائيلية في تعاملها مع الشعب الفلسطيني الذي بقي على أرض وطنه في مناطق 48.

 
والمقالة الثانية كتبها دمتري شومسكي تحت عنوان «الدوس على حقوق الشعب الفلسطيني» رداً على مقالة كتبها رئيس الوكالة اليهودية ناتان شيرانسكي الذي كرسها لمهاجمة إحدى المنظمات الجماهيرية العاملة ضد الاحتلال واسمها «نحطم الصمت» ومحاولة شيرانسكي نفي الصفة القانونية والوظيفية لمنظمة «نحطم الصمت» على أنها منظمة سياسية وليست منظمة حقوق إنسان لأنها تدافع عن نضال الشعب الفلسطيني وتهاجم وتُعري وتكشف ممارسات جيش الاحتلال، ولأن البرلمان الأوروبي منح منظمة «نحطم الصمت» جائزة حرية التعبير «تقديراً لشجاعة القائمين عليها وانحيازهم للفلسطينيين الغلابى ورفضهم لمنطق القوة الإسرائيلية وتعرية لعنف جيش إسرائيل ضد الفلسطينيين. 


والمقالة الثالثة كتبها الصحافي أري شبيط تحت عنوان «غزة أولاً» وقال فيها، «يعيش في قطاع غزة 1.8 مليون فلسطيني، ليسوا إخوتنا ولكنهم جيراننا، جزء كبير منهم من اللاجئين، ولأسباب أخلاقية وسياسية لا يمكننا أن نكون غير مبالين بمصيرهم، ولا نستطيع أن نكون عميان أمام حقيقة أنه ليس عندهم ماء ملائم للشرب، ولا كهرباء، ولا يوجد لديهم أمل» ولهذا فهو يدعو لخطة مارشال شاملة لإنقاذ غزة من الحصار الإسرائيلي. 


المقالات الثلاثة تعكس حالة الوعي الإسرائيلي، واليقظة على مشهدين متضاربين، مشهد التفوق والعنجهية والاحتلال الإسرائيلي وممارساته العنصرية، ومشهد الوجع الفلسطيني وحاجته السياسية والإنسانية للكرامة والمساواة والحرية والعودة للعيش على أرض وطنه أسوة بكل القوميات والشعوب المتحضرة. 
مأزق المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي لا يكمن فقط في هذا العامل، بل ثمة عامل أخلاقي فقده يحتاج لوقفة أخرى.