أصبحتُ مقتنعاً بفرض العقوبات الدولية على إسرائيل

22
حجم الخط

في الإعلام الإسرائيلي يسمونها انتفاضة الأفراد. لكننا جميعاً نعلم أنها في الأساس انتفاضة شبان. 
تنظر النخبة السياسية في إسرائيل إلى هذه الظاهرة وكأنها ثمرة تحريض، وكل من يحاول أن يكون صادقاً مع نفسه يعرف أن الأسباب الحاسمة لموجة الهجمات الحالية هي استمرار الاحتلال، الإذلال اليومي، الفقر الشديد، والشعور بانسداد الأفق. 
على مسافة قصيرة من الحياة الطبيعية في تل أبيب أو حيفا، يعيش منذ قرابة نصف قرن عدد كبير من السكان محرومين من حقوق الإنسان ومن حقوق المواطن الأساسية. 
نحن الإسرائيليين، نعمل، نتعلم، نحلم ونعشق بحرية كاملة، وليس بعيداً عن شعبنا هناك أشخاص يخضعون لقسوة قلوب جنود وجشع مستوطنين مدعومين من الحكومة للأرض. 
في كل مرة أسمع في الأخبار عن فتى او فتاة فلسطينيين ضحيا بحياتيهما من أجل قتل إسرائيليين، يصدمني هذا العمل، لكن في الوقت عينه لا يمكنني إلا أن أتذكر الكلمات القاسية للشاعر ألكسندر بِن [1906-1972]: «يغضب ويشتعل غضباً ويصعد إلى المذبح كي يحرق عار عبودية لافحة». بالطبع المقاومة المسلحة ليست بحد ذاتها شيئاً نبيلاً وسامياً بصورة خاصة. إنها قاسية وفي بعض الأحيان قبيحة. نساء وأطفال أبرياء يصابون وحتى يقتلون. لكن الذين يقومون بهذه الأعمال لم يولدوا قتلة. ففي ظروف تاريخية مختلفة كان من الممكن لهؤلاء الفتيان والشبان الذين يستلون سكين مطبخ أو بلطة أو سيارة مستعملة ويحولونها إلى سلاح قاتل، أن ينهوا تعليمهم، ويتعلموا مهنة لائقة، وأن يصبحوا آباء وأمهات يربون أولاداً ويتقدمون في السن بسلام.
لكن شيئاً في تاريخهم أصابه الخلل وتضرر بشدة، وشيء ما في تاريخنا الإسرائيلي يتحول إلى شيء بشع. في لقاءاتي مع زملاء في الخارج كثيراً ما يسألونني كيف يمكن لأحفاد اليهود المضطهدين أن يتحولوا إلى أشخاص يضطهدون الآخرين من دون رادع؟ جوابي أن الاضطهاد لا يُكسب حصانة تلقائية ضد قسوة القلب وعدم الاكتراث بمصير الآخر. لكن إذا كان استيطان لاجئين نبذتهم أوروبا يمكن أن يشكل مبرراً تاريخياً واهياً (ففي نهاية الأمر لم يكن على السكان المحليين أن يدفعوا ثمن جرائم الحضارة المسيحية ضد آبائنا أو أجدادنا)، فإن مواصلة أبناء هؤلاء اللاجئين الذين حققوا استقلالهم الاستيطان، ظلم لا مبرر له.
إن أغلبية المجتمع الإسرائيلي الساحقة تدعم ظلم الاحتلال، أو تقف منه موقفاً لامبالياً. جزء من الإسرائيليين يعتقدون أن هذا هو الثمن الذي يجب أن يدفعوه مقابل التحرير البطيء للوطن الموعود الذي وعدنا به الكتاب المقدس، والبعض الآخر يستفيدون من العقارات ومن المساعدات السخية، أما الأغلبية فمن الأسهل بالنسبة إليها عدم معرفة ما يجري بالقرب منا. أشياء كثيرة تمنعنا من النظر وفهم لماذا يتحول فتيان إلى قتلة. لماذا فتيان في الـ13 و14 و15 من أعمارهم فقدوا، كما يبدو، رغبتهم في الحياة، ولذلك هم مستعدون بدافع من الكراهية لحرمان آخرين من الحياة.
لا أكتب للمستوطنين الواثقين من أنفسهم ولا لمؤيديهم المتحمسين. ولا أحاول تغيير رأي السياسيين الشعبويين الذين يسبحون في بحر من التلاعب الاستقوائي. إنني أتوجه إلى أولئك اللامبالين سواء بدافع من الكسل أو لأن التجاهل أكثر راحة. إن موجة «الارهاب» في الأشهر الأخيرة لم تمنع مواصلة نمط الحياة العادية. ولا يزال من الممكن مواصلة العيش داخل أوهام زائفة انطلاقاً من الافتراض أنه في النهاية كل شيء سيكون على ما يرام. نحن الإسرائيليين نجحنا في تخطي جميع الحروب والانتفاضات التي قامت ضدنا حتى الآن، وبالتأكيد سنتخطى المحن القادمة.
هل أعتقد أن كتابتي الساذجة يمكن أن تساعد؟ في الحقيقة، كلا. إنني مقتنع أكثر فأكثر أن فرصة أن تظهر في إسرائيل قوة معارضة سياسية تغير التوجه، وتعلن أن إسرائيل لا تتطلع إلى أية سيادة خارج حدود 1967، وأنها مستعدة لإعادة المستوطنين إلى موطنهم السابق، وأن الأماكن المقدسة يجب ألا تبقى تحت سيطرة إسرائيلية حصرية، وأن القدس يجب أن تكون عاصمة دولتين - هذه الفرصة تساوي الصفر. من المحتمل، إذا تعاظم «الإرهاب»، وإذا - لا سمح الله - انضم إلى الشبان «الانتحاريين» المزيد من البالغين «الانتحاريين» إن لم يكن في هذه الجولة ففي الجولة المقبلة، أن يكون هناك المزيد من الإسرائيليين الذين سيكرهون حقاً الاحتلال. لكن إذا تحققت هذه النبوءة فإنها ستحدث بعد سفك دماء كثيرة لا ضرورة لها من الطرفين.
ومثلما أعارض الاحتلال وحرمان الآخرين حقوقهم، فإنني أيضاً أمقت «الإرهاب» وأرفضه، ولهذا توصلت للأسف الشديد إلى خلاصة حتى الآن رفضت التعبير عنها علناً وهي: لا أستطيع الاستمرار في انتقاد استخدام الضغط الدولي على حكومة إسرائيل. لقد عارضت لسنوات طويلة فرض عقوبات ومقاطعة. لكنني أصبحت أكثر فأكثر مقتنعاً بأنه مثلما أثّرت العقوبات على جنوب أفريقيا وعلى إيران، فيمكنها أن تؤثر على إسرائيل. 
ويجب أن نتذكر أن العقوبات لم تدمر جنوب أفريقيا وإيران، كما أنها لن تدمر إسرائيل. إنني أعارض مبدئياً عقوبات تستهدف تغيير الحكم ونمط الحياة في إسرائيل، إذ لا يحق لأي طرف غير الإسرائيليين أن يفعل ذلك. لكن عقوبات هدفها منع استمرار سيطرة إسرائيل على حياة آخرين حرمتهم منذ 50 عاماً حقهم في تقرير مصيرهم والدفاع عن أرضهم، لا تتعارض مع المبدأ الديموقراطي بالسيادة المستقلة. والعكس هو الصحيح، إنها توسعه. ثمة احتمال غير ضئيل بأن تنقذ هذه العقوبات الفتيان الانتحاريين وضحاياهم على حد سواء. والأهم من هذا كله، أنها يمكن أن تنقذ إسرائيل من الفخ الذي في كل يوم يمر يتأكد أنها غير قادرة على التخلص منه بقواها الذاتية. في رأيي كل من يحب حقاً هذا المكان ويعارض «الإرهاب» فهو لا يستطيع أن يسمح لنفسه بمواصلة الاحتجاج ضد الضغط والعقوبات التي تصبح أكثر فأكثر شرعية.