الوفد الفلسطيني الذي يمثل معظم فصائل العمل الوطني والإسلامي والذي يقوم بزيارة للعاصمة الإيرانية، تتجاوز أهمية دعوته، المشاركة في الذكرى السابعة والثلاثين للثورة الإيرانية، إلى البحث في الأبعاد الاستراتيجية والسياسية لمثل هذه المشاركة.
المشاركة الشاملة من قبل كافة الفصائل من ينتسب منها إلى برنامج المقاومة الذي حظي بدعم إيراني، ومن ينتسب إلى برنامج البحث عن السلام والمفاوضات، والنضال السياسي، تضع الفلسطينيين وغير الفلسطينيين أمام تجديد في رؤية إيران الاستراتيجية تجاه التطورات العاصفة في الإقليم، والأولويات التي تراها إيران.
وفقاً لرؤية سابقة محدودة الأفق حاولت إيران استمالة حركة حماس لقطع علاقتها مع السعودية والتحالف الذي أعلنته ضد الإرهاب، حيث عرضت إيران عليها الاعتراف بها كممثل للشعب الفلسطيني، واستئناف تقديم الدعم المالي واللوجستي لها، وكان من أسباب ذلك العرض، معاقبة السلطة والمنظمة وحركة فتح.
وحين لم تقبل حماس العرض الإيراني، كان بإمكان إيران أن تتصرف بردة فعل سلبية، دون أن يلومها أحد، لكنها عادت لتمدّ يدها لكل أطياف السياسة الفلسطينية بما في ذلك من تخالفهم الرؤية السياسية.
على الطرف الآخر أظهرت الحركات الفلسطينية الأساسية رغبة في أن ترتقي بالقضية الفلسطينية وأهلها فوق عمليات الاستقطاب غير أن المشهد تغير، خصوصاً خلال الأسابيع الأخيرة، حيث أدى التدخل العسكري الروسي، والدعم الإيراني، إلى ما يمكن اعتباره "تنظيف" ريف حلب الشمالي المحاذي للحدود مع تركيا.
إسرائيل بدأت تعبر عن مخاوفها من أن نجاح النظام السوري وحلفائه في الشمال، من شأنه أن ينقل عملية "التنظيف" في منطقة الجولان، التي تشير دلائل كثيرة إلى أن حزب الله، والمقاومة عموماً قد بدؤوا منذ بعض الوقت لتحضيرها.
ومن الواضح أن صلابة كفّة الصراع والتوازن داخل سورية لصالح النظام وحلفائه، وقدرته على تجاوز المحاولات الدولية والإقليمية لإزاحة الرئيس الأسد عن المشهد السياسي. نقول مثل هذا التطور يشكل مصدراً لقلق إسرائيلي حقيقي.
في هذه الحالة يترتب على إسرائيل أن تجد نفسها أمام جيش أصبح على درجة عالية من التدريب، فمنذ أربع سنوات وأكثر وهو يخوض حرباً حقيقية، ومناورة كل الوقت، ما يجعله أقدر على استيعاب أنواع من الأسلحة المتقدمة التي تستعد روسيا لتزويد النظام بها. ليس هذا وحسب بل ان على إسرائيل أن تتهيأ لتعزيز إيران وجودها المادي والعسكري في سورية، بمعنى أنها ستكون أمام الدبّ الإيراني المدعوم من قبل روسيا، والمعاون القوي للنظام السوري الذي يتوق للانتقام.
ليس هذا وحسب بل ان إسرائيل تخشى من أن تؤدي مثل هذه التطورات إلى مواجهة الخطر الذي تمثله الجبهة اللبنانية، بسبب القوة الهائلة التي يحوز عليها حزب الله، الذي ستتضاعف قوته المادية والمعنوية في حال نجاح النظام وحلفائه في سورية بالسيطرة على الوضع الداخلي. وبصراحة علينا أن نصدق رؤية حزب الله للصراع مع إسرائيل وأنه يضع القضية الفلسطينية في رأس أولوياته، فالصراعات الداخلية في لبنان لا تحتاج إلى كل هذا المخزون من الأسلحة التي يمتلكها حزب الله، حتى يكون سيد الموقف والقرار والفعل. إذا كنا نقرأ جيداً التوجه الإيراني نحو التعامل مع الكل الفلسطيني بمقاوميه وسياسييه، فإن إيران تكون قد تجاوزت النظام العربي الرسمي، بكل مسمياته، نحو معالجة قد تكون آجلة لجوهر الصراع المرتبط بالقضية الفلسطينية والذي يحوز على إجماع الشعوب العربية.
في هذا السياق لا نعتقد أن إيران تستهدف من هذه الدعوة للفصائل، الدخول على خط المصالحة الوطنية كما أشار بعض القياديين الفلسطينيين فهي لن تغامر بالخوض في ملف فشلت فيه للتوّ المحاولات التركية القطرية، ولم تحقق فيه المحاولات المصرية على أهميتها الاختراق المطلوب.
قد يعتبر البعض هذه المقاربة، أقرب إلى قراءة في فنجان، طالما لم يصدر شيء صريح من إيران، ولكن الأيام القادمة ستكشف مدى صوابية أو خطأ هذه التكهنات الجارية في المنطقة، وأن تقيم علاقات متوازنة مع كل الأطراف الفاعلة على مستوى الإقليم.
كان طموح فتح وحماس والآخرين أن يحظوا بعلاقات جيدة مع السعودية ومع إيران في الوقت ذاته، لكن الفلسطينيين يدركون أن تحقيق هذا الطموح ليس بيدهم وحدهم.
وجود الوفد الشامل في إيران قد يكون مؤشراً على تغيير في السياسة الإيرانية أكثر مما هو تغيير في سياسات الفصائل الفلسطينية وهو تغيير يستجيب لرؤية إيران المتفردة في المنطقة والتي تقوم ولو نظرياً على اعتبار أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو أساس وجذر الصراعات في المنطقة.
ففيما معظم العرب يحاولون أن يلبسوا الصراعات العاصفة ثوب الطائفية أو الصراعات السياسية عديمة الجدوى، وتنطوي على أبعاد شخصية أحياناً أو تنساق وراء السياسات الغربية، تتقدم إيران برؤية تتمسك بها، تقوم على العداء المطلق لإسرائيل، والمناهض لمخططات الدول الغربية ذات الطبيعة التقسيمية للمنطقة.
منذ بعض الوقت، تنصح دوائر البحث الإسرائيلية في أولويات السياسة الرسمية، التي تعمل على تأمين السياج المحيط بدولة إسرائيل، والقصد في الأساس كيفية تحويل سورية ولبنان إلى مناطق آمنة، لا تنطوي على تهديدات جدية لأمن إسرائيل. حتى وقت قريب كان بإمكان إسرائيل أن تطمئن لما تسعى إليه.