لا مجال الآن لصفقة حقيقية

D2EE8231-76C0-4BE1-866C-C276BEEBC922-e1601304572733.jpeg
حجم الخط

بقلم عبد المجيد سويلم

 

 

قبل «انتهاء» معركة خان يونس لا مجال لأيّ صفقة.
ومعركة خان يونس لا مجال أن تنتهي قبل فشلٍ إسرائيلي كبير، وأكبر من الإخفاقات التي مرّ بها الجيش الإسرائيلي في مدينة غزّة، وفي وسط القطاع وشماله.
وبهدف قطع الطريق على المطالبين بإنجاز الصفقة الآن، والآن على الفور، طرح نتنياهو معركة قادمة في رفح.
والذهاب إلى معركة رفح سيحتاج إلى تفاهمات ليست واردة مع مصر.
كلّ هذا الخداع، وكلّ هذه المداورات والمراوغات من أجل تحويل الصفقة إلى كمينٍ عسكري، وكمينٍ سياسي يمنع فصائل المقاومة من الظهور بمظهر المنتصر، أو الذي صمد، أو الذي أفشل أهداف بنيامين نتنياهو، وكذلك حكومته والائتلاف الذي يقوده.
نتنياهو وقع في «أسر» الجناح «الكهاني»، وهو رهينة لدى هذا الجناح، وهو أمرٌ أحبّ إليه من أن يصبح رهينةً لحكومة جديدة، أو انتخابات جديدة، ولهذا كلّه فإنّ الصفقة التي يمكن أن يوافق عليها، والوحيدة التي يمكن أن يقبل بها هي الصفقة التي تستثني بالكامل أيّ مسمّى قريب أو بعيد عن [وقف إطلاق النار، أو إنهاء الحرب]، وإنّما هدنة تطول أو تقصر، لمرحلتين أو أكثر، بتبادل تدريجي موازٍ للمراحل، وليس صفقة كاملة، أو تبادلاً كاملاً، مقابل وقف نهائي لإطلاق النار.
الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي.
فإمّا أن ينسحب بيني غانتس وأنصاره، وأن يصمّم من هدّدوا بالاستقالة على استقالاتهم، وأن تؤيّد الولايات المتحدة الأميركية هذا التوجّه، علناً ودون مواربة، أو أنّ نتنياهو «سيفرض» شروطه على الجميع، ويتهرّب من الصفقة، وتنهار التفاهمات التي ألمحت مصر وقطر، وكذلك واشنطن وباريس إلى أنّها أصبحت موضع قبولٍ عام.. إمّا هذا أو يتمّ بموافقة الولايات المتحدة «الانقلاب» على نتنياهو، ويتمّ الانسحاب، وتتمّ الاستقالات، وتفقد حكومة نتنياهو كلّ دعمٍ داخلي فاعل ومؤثّر، وبحيث يصبح الذهاب إلى الانتخابات هو الخيار الوحيد الممكن تحت ضغطٍ هائل من الشارع الإسرائيلي.
فصائل المقاومة يمكن أن «تتنازل» قليلاً هنا وهناك، ويمكن أن يتحوّل الوقف الشامل لإطلاق النار إلى شكلٍ من أشكال التحصيل الحاصل في ضوء توالي وتتابع الهدن للمراحل المقترحة، أو حتى لاقتراحات جديدة، لمراحل جديدة.
هذا هو الحدّ الأعلى الذي يمكن أن تتنازل عنده فصائل المقاومة، وهو حدّ لن يقبل به نتنياهو إلّا إذا فُرض عليه فرضاً، وإلّا إذا وصلت الولايات المتحدة إلى قناعةٍ نهائية بشأنه.
ما زال البعض في «الليكود» يراهن على تفادي الوصول إلى هذه النتيجة، وما زالت «حماس» تأمل بذلك، أيضاً، وما زالت كلّ قوى «الوسط» و»يمينها» تراهن من حيث الجوهر على هذا التفادي، لكن الواقع يقول إنّ هذه هي رهانات خاسرة، بل وشبعت خسارة، وأنّ نتنياهو يخوض معركته الوجودية، والتيار «الكهاني» يعصره بشدة، ويراهن على نقاط ضعفه القاتلة.
كلّ نقاط ضعف نتنياهو باتت معروفة، ومكشوفة ولم تعد خافية على أحدٍ في إسرائيل، وفي الإقليم، وفي العالم، أيضاً. عدم الذهاب إلى الانتخابات، وعدم تغيير الحكومة، وعدم «التضحية» بـ»الكهانيين»، والاستمرار في الحرب حتى ولو على شكل مناوشات، وافتعال جبهات جديدة داخل القطاع وخارجه.
الذي لا يصرّح به نتنياهو، ولا وزير دفاعه غالانت، ولا بقية «الجوقة» في «الليكود»، وفي التيار «الكهاني» هو أن يد نتنياهو لم تعد طليقة كما كانت فيما يتعلّق بالضغط من خلال مجازر جديدة كبيرة كما كانت طوال الفترة السابقة كلّها، ولم تعد يده طليقة بافتعال حربٍ على جبهة الجنوب اللبناني، كما كان يلمّح ويصرّح، ويهدّد ويعربد.
و»الغرب» بات في وضعٍ لا يتوافق فيه مع أطماع نتنياهو وأهدافه الخاصة، وباتت هذه الأهداف والطموحات تتناقض كلياً مع أهداف «الغرب» بعد قبول محكمة العدل الدولية لدعوى جنوب إفريقيا، وردّ الدعوى الإسرائيلية.
و»الغرب» بات، على قناعةٍ بأنّ استراتيجية نتنياهو ستؤدّي إلى توسيع الحرب لا محالة، وأنّ «الردع» «الغربي» الذي قامت به الولايات المتحدة ضدّ فصائل العراق واليمن لن يغيّر في معادلة «الانزلاق» نحو توسيع الحرب قيد أُنملة.
و»الغرب» بات على قناعة بأنّ «استقرار» الإقليم بات مستحيلاً في ظلّ استراتيجية كهذه، وبالتالي لم يعد أمامه ــ إذا أراد أن لا ينزلق الإقليم إلى حربٍ مدمّرة ــ إلا أن يرمي بثقله وراء مشروع جديد في جوهره هو إنهاء للحرب، وفي شكل التعبير عنه هو وقف شامل لإطلاق النار، وفي آلية الوصول إليه هو عدّة مراحل متتالية، ومتتابعة لا تسمح بالعودة إلى الحرب مطلقاً.
هذا هو موضوع الصفقة، وهذا هو جوهرها، وهذا هو مربط الفرس فيها.
لم يعد هناك الكثير من الوقت للمناورة، لا أمام نتنياهو، ولا أمام الولايات المتحدة و»الغرب»، ولا حتى أمام دول الإقليم، وطبعاً لا وقت أمام فصائل المقاومة.
إما صفقة تنهي الحرب، وتؤدّي إلى وقف إطلاق نار حقيقي، وإمّا لا مجال لأي صفقة، بصرف النظر عن الوسيلة التي ستؤدّي إلى إنهاء الحرب.
والشيء الذي لا يريد نتنياهو أن «يصارح» به الجمهور الإسرائيلي، هو أن جبهة الجنوب اللبناني ستتوسّع في الأيّام القادمة، وستصل على ما يبدو إلى حافّة الهاوية، وإلى أشكال من الاشتباك، لم تشهدها بعد، وربما استخدام أسلحة لم يتمّ استخدام مثلها قبل هذه المرحلة، وربما تحويل عودة «المهجّرين» من كلّ القطاع المحاذي والقريب من جنوب لبنان إلى مستحيل سياسي، وربما تفاقم هذه الأزمة وتوسُّعها، وتحوّلها فعلاً، لا قولاً فقط إلى ضغوط هائلة تضع القيادات الإسرائيلية أمام خياراتٍ صعبة، أو لنقل إلى خياراتٍ أصعب من بعضها البعض.
الولايات المتحدة و»الغرب»، ودول الإقليم يعرفون حقّ المعرفة أنّ الأمور تسير بهذا الاتجاه.
ويعرفون أنّ الحرب إذا اندلعت بصورةٍ شاملة على جبهة الجنوب اللبناني فإنّ شهوراً طويلة ستكون أيّامها وساعاتها هي حالة من التدمير المتبادل، وأنّ الحسم فيها أصعب بكثير من الحسم الذي فشل في قطاع غزّة، وبالتالي سيتبخّر كلّ ما خطّطت له الولايات المتحدة و»الغرب» كلّه حول واقع ومستقبل الإقليم.
المهمّ أنّ نتنياهو يضع الجميع أمام أخطر لحظات حافّة الهاوية، والجميع ينتظر الخطوة القادمة من لعبة حافّة الهاوية دون أن يبادر إلى وقف هذه المهزلة، ودون أن يتحمّل مسؤولية الإقدام على وقف التدهور في كامل الإقليم.
العرب يستطيعون أن يوقفوا هذا المسار هائل الخطورة، ويستطيعون أن يوقفوا مهزلة مجاراة نتنياهو من قبل الإدارة الأميركية، ومن قبل «الغرب»، ويستطيعون ــ إذا أرادوا ــ بموقفٍ حازمٍ واحدٍ أن يغيّروا الواقع الذي وصل إلى حافّة هاوية لم يسبق أن وصل إليها الإقليم.
فماذا ينتظرون؟
نتنياهو لن ينتصر، والولايات المتحدة و»الغرب» خسروا الرهان، وكلّ من يراهن على عكس ذلك سيخسر نفسه، وسيخسر دوره، وربّما يُغامر بوجوده.
والله من وراء القصد.