هل من انعطافة غربية ضد إسرائيل؟

تنزيل.jpg
حجم الخط

الكاتب: هاني عوكل


 

هل كان قطاع غزة بحاجة إلى حادثة مؤلمة كحادثة مقتل سبعة عاملين من منظمة «المطبخ المركزي العالمي» حتى يخرج العالم عن صمته، وتتسع الضغوط الدولية التي تطالب إسرائيل بكف الأذى عن الفلسطينيين ووقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الغذائية والضرورية إليهم؟
ستة أشهر والاحتلال الإسرائيلي يرتكب أفظع الجرائم بحق الفلسطينيين ويلاحقهم في كل مكان، ولم يتحرك العالم بالشكل المطلوب، سوى دعوة إسرائيل لأخذ الحيطة والحذر في تجنب استهداف الفلسطينيين وفتح الباب أمام تدفق المزيد من المساعدات الإنسانية.
أكثر من 32 ألف فلسطيني استشهدوا ومعهم آلاف القصص المحزنة للغاية حول ملابسات تعذبيهم وقتلهم بأبشع الطرق وبكل أدوات القتل الوحشية، وبسبب غياب الإرادة الدولية تواصل إسرائيل عدوانها بدون رقيب أو حسيب، ضاربة عرض الحائط كل القرارات والأعراف الدولية التي تدعوها لتجنب استهداف المدنيين وقت الحرب.
استهداف العاملين في «المطبخ المركزي العالمي» جاء في وقت حسّاس مرتبط بفتح قنوات جديدة لتأمين وصول المساعدات المستعجلة لسكان القطاع المحاصرين في شماله وجنوبه، مع دعوات الأمم المتحدة المتكررة بشأن سرعة إيصال المساعدات لأن غزة على حافة مجاعة حقيقية.
إذاً، يمكن القول، إن توقيت الاستهداف مع إضافة جنسيات العاملين في هذه المنظمة والمحسوبين على دول صديقة لإسرائيل هي الولايات المتحدة الأميركية وكندا واستراليا وبريطانيا وبولندا، تشي بأن إسرائيل ظلت ولا تزال تنفرد في غزة وتتعامل معها كأنها قطعة معزولة عن العالم أو «حاكورة» خاصة بها.
ثم إن هذا الاستهداف يبين أن كافة المؤسسات الدولية وغير الدولية هي تحت مرمى النار الإسرائيلي، والإحصائيات تبرهن صحة هذا القول حين يصل عدد القتلى العاملين في المجال الإنساني إلى حوالى 196 شخصا حسب المتحدث باسم الأمم المتحدة.
إسرائيل لا يمكنها التنصل أبداً من هذه الحادثة، لأن أي مركبة تابعة لمؤسسة دولية تعبر قطاع غزة وتتحرك في فضائه الجغرافي تحصل على إذن مسبق من المستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي، والمركبات الثلاث التي جرى استهدافها بغارة جوية كانت قد أبلغت الجانب الإسرائيلي بإحداثياتها وخطوط تحركها.
الكثير من الدول أبدت غضبها وانزعاجها من هذه الحادثة، خصوصاً أنه سبقها حوادث كثيرة أطلقت فيها إسرائيل القنابل والرصاص المباشر على الفلسطينيين العزل الذين هرعوا لتلقي المساعدات شمال قطاع غزة، لكن غضب الحكومات الغربية لم يكن ليأتي لولا غضب الرأي العام في هذه الدول كما يحدث الآن مع بريطانيا التي تدرس إعلان إسرائيل دولة منتهكة للقانون الدولي.
أما الولايات المتحدة الأميركية الدولة الأبرز والداعم الأهم لإسرائيل، فهي غير مرتاحة لهذا النقد المتزايد للدولة العبرية، وكما يصور الإعلام الغربي أن الرئيس جو بايدن وبخ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على حادثة مقتل العاملين الدوليين في غزة، فإن ذات الإعلام يذكر أن واشنطن مع حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وستبقى تدعمها وتقدم لها كل أنواع الحماية.
في الحقيقة، قد يضغط بايدن على نتنياهو لإجراء تحقيق فوري ومحاسبة المسؤولين عن هذا الاستهداف، وقد يطلب منه فتح «ماسورة» تدفق المساعدات الإنسانية، لكن كل ذلك يأتي لحماية إسرائيل ومحاولة امتصاص تصاعد موجة الغضب الدولي منها.
حتى أن المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب وهو صديق مقرب جداً من نتنياهو، نصحه بضرورة وقف إطلاق النار الفوري، لأنه - ترامب - يعتقد أن سمعة إسرائيل بدأت تتأذى كثيراً على مستوى العالم، وقلبه عليها ولا يريد لها أن تخسر العالم بحربها على غزة.
ثم إن واشنطن لا تزال ترى أن من حق إسرائيل توسيع الحرب باتجاه محافظة رفح، لكن بشرط أن تكون هناك خطة إسرائيلية محكمة تؤمن وصول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين وكذلك تأمين نقلهم إلى مناطق آمنة وتجنب استهدافهم.
في كل الأحوال، يدرك نتنياهو أين الخطوط المسموحة له، ولذلك يلحظ أنه أخذ بنصائح الرئيس الأميركي وأوعز لرئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي بإقالة قائد لواء «ناحال» الذي قتلت قواته عمال «المطبخ المركزي العالمي» في منطقة دير البلح وسط القطاع.
كذلك أمر بفتح مؤقت لمعبر بيت حانون «إيريز» الحدودي لإيصال المساعدات إلى سكان شمال غزة، وقد يتخذ بعض الإجراءات لتطمين واشنطن والدول الغربية الصديقة لإسرائيل، بأنها تستوعب الانتقادات الدولية وستأخذ بالحسبان تجنب استهداف الفلسطينيين قدر الإمكان.
واهم من يعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ودولا غربية صديقة ستتخلى عن إسرائيل، لكن الفكرة تأتي بالضغط عليها حتى تحميها من نفسها، ثم إن هذه الدول تهتم بمصالحها وتنظر بقلق إلى تنامي غضب الرأي العام عندها إزاء ما يحدث في قطاع غزة، وهو الأمر الذي يُحرّكها حتى تحمي نفسها وإسرائيل.