إن الأخلاق تُعتبر من أهم القيم المعنوية في حياة الفرد المسلم، وهي من أهم المقومات الحضارية، بل من أهم الأسس الإنسانية لنجاح الفرد في المجتمع ولأن النفوس جُبلت على حب من أحسن إليها وكرهت من أساء إليها، فالأخلاق هي شكل من أشكال الوعي الإنساني، كما أنها تُعتبر مجموعة القيم والمبادئ التي تحرك الأشخاص والشعوب، بحيث ترتقي إلى درجة لتصبح مرجعية ثقافية لتلك الشعوب لتكون سنداً قانونياً تستقي منه الدول - الأنظمة والقوانين - وهي السجايا والطباع والأحوال الباطنة التي تُدرك بالبصيرة والغريزة، وبالعكس يمكن اعتبار الخلق الحسن من أعمال القلوب وصفاتها وأعمال القلوب تختص بعمل القلب بينما الخُلق يكون قلبياً ويكون في الظاهر وهو مخالف للقيم السامية.
أما أخلاقيات الإدارة في العمل أو في الحياة بشكل عام ، فهي مجموعة من القواعد المنظمة والأسس التي يجب على الإنسان التمسك بها والعمل بمقتضاها، ليكون ناجحاً في قيادة نفسه أولاً وتعاملاته مع الأخرين ثانياً، وناجحاً في مهنته ما دام قادراً على اكتساب ثقة الأخرين.
ولكن للأسف يَظن الكثيرون منا أن الإدارة والعمل لا علاقة لها بالأخلاق، إذن فأين تكون الأخلاق؟ إن لم يكن العمل مرتبط بها فأين نلتزم بالأخلاق؟ فكيف تكون أميناً إن لم تكن أمينا في عملك؟ فهل يقال عنك أنك صادق إن كنت صادقاً مع أهلك وأصدقائك وكاذباً في عملك؟ ألا من يخون الأمانة ليس بخائن؟ ألا يقال لمن يغش في البيع أنه غشَّاش؟ ألا يقال لمن يُطفف في الكيل والميزان بأنه من المُطففين؟ وهناك من يعتقد أنه من السَذَاجة أن نتحدث عن الأخلاقيات في مجال العمل والتجارة ويستشهد على ذلك بمقولة: هذا عمل وتجاره وكل شيء مباح فيها أهذا منطق للتفكير العاقل، وكأنه يبرر ذلك ويقول أن التجارة والعمل هما في مفهوم الأجانب لا علاقة لهما بالأخلاق وبالعواطف ، وفي الحقيقة فإن هذا خلاف الواقع ففي الكثير من الجامعات الغربية والعربية تهتم بتدريس مادة تتعلق بأخلاقيات العمل والإدارة لدارسي الإدارة بل وفي التخصصات الأخرى مثل الطب والهندسة والقانون و ... ، فالأخلاق في الإدارة هي أمر مطلوب في العالم المتحضر بل وأي مخالفة لذلك تقابل باستهجان كبير من الشخص العادي.
الكثيرون ما ينظرن إلى الأمور في الإطار الضيِّق فيقول: يا أخي هذا أمر بسيط ولا توجد مشكلة من التلاعب فيه، في الواقع فإن أي مخالفة أخلاقية صغيرة تؤدي إلى مشاكل كبيرة.
ويجب أن نعلم جميعاً بأن الإدارة لا تفترض أن الموظفين ليس لديهم أي مشاعر أو أنهم ليسوا بشراً، بل الإدارة تتعامل مع طبائع البشر واحتياجاتهم على حد سواء، فكيف تستطيع تحفيز العاملين إن لم تتعامل معهم كبشر فلهم احتياجاتهم الخاصة ومشاعرهم؟ هل تتصور أن عدم احترام العاملين هو شيء مقبول لأنه يأتي في إطار العمل؟ .
إن العملٌ عمل.. بالتأكيد، ولكن ما معنى هذا؟ معنى هذا أن تعطي كل ذي حق حقه فلا تجعل مشاعرك تجاه شخص ما تتحكم في قراراتك في العمل، لا تتحامل على شخص ما لأنه لا يخالف لوائح عمله لكي يُرضيك، لا تتنازل عن حقوق شركتك لكي تُجامل الآخرين، العمل يهدف للربح ولكن في الإطار الأخلاقي، فليس معنى العمل أن تخدع أو تخون الأمانة أو ترتشي أو تسرق أو تكذب أو تظلم أو تتلفظ بالبذيء من الأقوال أو ترتكب الشنيع من الأفعال لا سمح الله.
فأخلاقيات العمل تعتبر حاجة ملحة في مواجهة الفساد والمفسدين في بلادنا.
إن الإدارة بالأخلاق فلسفة إدارية يتفق عليها ومعها الجميع لأنها تمثل أهم الركائز ومتطلبات العمل والتعامل الإنساني كالاستقامة والتسامح والوفاء والصدق والإخلاص والانتماء والنجاح والعدالة والرضى وغيرها من الأخلاق والقيم النبيلة والسامية التي قامت عليها الأخلاق الإنسانية، وإن الاحتكام إلى هذه القيم يؤدي إلى الأداء والإنجاز والتميز.. وعليه يجب على الجميع العمل بروح الفريق الواحد والبحث عن هذه القيم وهي موجودة في داخلنا وما علينا إلا إيقاظها وتفجيرها والعمل بها لأن الفرد الاجتماعي والثقافي والأخلاقي القيمي يستطيع أن يساهم في حل مشكلاته ومشكلات مجتمعه وأن يساهم في حركة الإصلاح الإداري وإعداد وتهيئة أسس سلوكية ترصد أفعال الناس في حياتهم الخاصة وفي أماكن العمل بهدف الوصول والنجاح والاتصال والارتباط والمشاركة والاندماج وإعطاء الحياة قيمة وأهمية، لذلك فإن الإدارة بالأخلاق والمثل مرساة للنجاح ونحن اليوم في أمس الحاجة لها أكثر من أي وقت مضى، لأننا نعيش اليوم مرحلة تحديثية وتطويرية جديدة ونحن بأمس الحاجة إلى القيم وإلى الرؤية التطويرية وأن من يستلمون المواقع الأمامية في المجتمع الفلسطيني يجب عليهم أن يشكلوا عامل القدوة في ممارستهم الإدارية، فالقيم موضع احترام من قبل الجميع وهي التي يلتقي حولها الناس كجماعات وأفراد وهي تدفعهم للعمل معاً بغية الوصول إلى أهداف مشتركة خلاقة، والقيم بمثابة القوة الجاذبة، وهي المنظومة التي تملك تأثيراً على الجماعات والأفراد.
نحن أمة لا تنقصنا ولله الحمد قيم ولا مبادئ أخلاق.. فنحن نفاخر اليوم بما لدينا من قيم وأخلاق رائعة وعريقة والأروع كونها محل اتفاق وإجماع البشرية أجمع وأن هذه الأخلاق والقيم هي مضمون مشروعنا التحديثي والتطويري الذي يجب أن يكون بالمستقبل القريب.. وما علينا إلا تحويلها إلى سلوك يومي في حياتنا الخاصة والعامة وفي مؤسساتنا وبيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا، وتقوية وعي الناس كل الناس بأهميتها، وكذلك تعليمها للأجيال حتى تسود وتصبح هي السمة الغالبة على طبائعنا وهي إن احتاجت فهي تحتاج إلى مزيد من الاقتداء والعمل المنظم.