الحرب في غزة.. حقائق لا تقبل المساومة

تنزيل (3).jpeg
حجم الخط

بقلم : عمرو حمزاوي

 

في لحظة كالتي نمر بها اليوم والحرب في غزة تسقط المزيد من الضحايا المدنيين وترتفع كلفتها الإنسانية ويتصاعد دمارها، ثمة حقائق لا ينبغي أبداً تجاهلها أو الخوف من التعبير عنها.

• • •
أولاً، كل اعتداء على أشخاص مدنيين في إسرائيل وفلسطين مدان ويعد من جرائم الحرب وأعمال الإرهاب، إن إرهاب دولة أو إرهاب حركة.
يدعي الجيش الإسرائيلي أنه يمارس حق الدفاع الشرعي عن النفس، بينما هو جيش احتلال في الضفة الغربية والقدس الشرقية وجيش احتلال وسفك دماء ودمار وحصار في غزة.
تمنع إسرائيل المياه والكهرباء والغذاء وتحول دون وصول المساعدات الإنسانية إلى أكثر من مليونين من الفلسطينيات والفلسطينيين، وتتنصل بذلك من مسؤوليتها كسلطة احتلال يلزمها القانون الدولي بالحفاظ على الأرواح والممتلكات.
أما حماس، فتخلط بين أعمال المقاومة الشرعية للاحتلال الجاثم على أرض فلسطين وبين ممارسة العنف بحق المدنيات والمدنيين الإسرائيليين وجرهم إلى أتون الحرب على نحو يحد من عدالة قضية فلسطين ويفقدها الكثير من التعاطف الإنساني مع مصاب شعب تمارس ضده ومنذ عقود طويلة كافة صنوف القتل والتشريد والاضطهاد والفصل العنصري وتنتهك حقوقه في الحياة والأمن وتقرير المصير من قبل آلة العنف الممنهج للمحتل.
ومثلما ستظل المشاهد المروّعة للقتل والدمار ولجرائم الاحتلال في غزة عالقة في الأذهان لفترة طويلة، ستظل أيضاً مشاهد قتل وخطف المدنيات والمدنيين في إسرائيل حاضرة في الفضاء العام العالمي وقابلة للتوظيف المشروع للحصول على تعاطف إنساني مستحق مع المجتمع الإسرائيلي وللتوظيف غير المشروع لتمرير وتبرير جرائم الاحتلال ونزوعه الطاغي للانتقام.
ثانياً، لم تكن الحرب الراهنة بين إسرائيل وبين حركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى، شأنها هنا شأن كافة الحروب السابقة، لتشتعل لولا استمرار الاحتلال والاستيطان في الضفة والقدس وتواصل الحصار على غزة وبقاء الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني الذي حرم من حق تقرير المصير والدولة المستقلة وترك لممارسات العنف الإسرائيلي الممنهج ولسياسات الفصل العنصري دون حماية دولية أو اعتراف عالمي قاطع بشرعية مقاومته للاحتلال أو أفق لحلول عادلة قريبة الأمد.
الأصل في الأمر، إذاً، هو فعل الاحتلال والاستيطان والحصار والفصل العنصري الصادر عن إسرائيل منذ تأسيسها، وليس رد فعل الشعب الفلسطيني ومقاومته للمحتل.
الأصل في الأمر، إذاً، هو العنف الممنهج والمستمر للاحتلال ضد الفلسطينيات والفلسطينيين الذين يقتلون ويشردون ويعاقبون جماعياً وتهدم بيوتهم وتنزع ملكياتهم ويطردون من أراضيهم لكي تتسع رقعة الاستيطان على مدار العقود الماضية، وليس رد فعل حماس وفصائل أخرى لها حق مقاومة الاحتلال بأدوات عسكرية حال غياب الأدوات السلمية والتفاوضية وتحيد عن الحق المشروع وتلحق الضرر بقضية فلسطين حين تقتل وتعتدي على المدنيات والمدنيين في إسرائيل.
• • •
ثالثاً، لم تكن الحرب الراهنة بين إسرائيل وبين الشعب الفلسطيني لتنفجر لولا التطرف المقيت الذي تعاملت به حكومات اليمين الإسرائيلي مع حق فلسطين في تقرير المصير والدولة المستقلة.
لم ترغب حكومات اليمين المتعاقبة سوى في التنصل التام من الحق الفلسطيني بتفتيت الضفة الغربية والقدس الشرقية من خلال بناء المزيد من المستوطنات وبترويع الناس عبر اعتداءات المستوطنين المتطرفين وبإهانتهم يومياً وهم يشاهدون مقدساتهم يعتدى عليها وبحصار غزة وعقاب أهلها جماعياً.
انقلبت حكومات اليمين على مبدأ التسوية السلمية وفقاً لقاعدة «الأرض مقابل السلام»، وانسحبت من كافة أشكال التفاوض مع السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس باستثناء مفاوضات التنسيق الأمني، وسعت إلى تصفية قضية فلسطين. بل عملت هذه الحكومات (والتي قاد عددها الأكبر بنيامين نتنياهو) على تجاهل فلسطين وحق تقرير المصير والدولة المستقلة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وهي الأسس التي استندت إليها مبادرة السلام العربية في ٢٠٠٢ كشروط للتطبيع العربي مع إسرائيل، عملت على تجاهلها والوصول إلى الانفتاح على العرب عبر اتفاقيات تطبيع ثنائية (المعاهدات الإبراهيمية) إمعاناً في تصفية القضية الفلسطينية وترك الشعب الفلسطيني تحت رحمة مزيج الاحتلال والاستيطان والحصار والفصل العنصري والاعتداءات العسكرية المتكررة على غزة والعنف المستمر في الضفة والقدس.
رابعاً، لم تكن الحرب الراهنة لتحدث ولا لتحصد كل هذه الأرواح البريئة وتسبب كل هذا الدمار لولا غياب الأفق السياسي لحل سلمي يضمن الحق الفلسطيني والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في ١٩٦٧ ويعطي إسرائيل الأمن والاندماج الإقليمي.
وتقع مسؤولية الغياب على التطرف المتصاعد لحكومات اليمين الإسرائيلي، وعلى القوى العظمى التي تجاهلت قضية فلسطين وابتعدت عنها، وعلى القوى الإقليمية في الشرق الأوسط التي انشغلت إما بنزاعاتها البينية أو بالتطبيع الثنائي مع إسرائيل أو بقضاياها الداخلية.
تركت القوى العظمى إسرائيل تمارس عنفها الممنهج والفصل العنصري دون محاسبة، وتركت الشعب الفلسطيني لمصيره الصعب مع تقديم بعض المساعدات الإنسانية، وتفاعلت مع قضايا الشرق الأوسط الأخرى بحثاً عن النفوذ.
أما القوى الإقليمية، فانصرفت عن فلسطين هي أيضاً أو اكتفت ببيانات التضامن والتنديد حين كانت ضرورية أو سارت على دروب التطبيع الثنائي مع إسرائيل غير عابئة بتصفية القضية.
واليوم، وبعد اشتعال الحرب تعود الولايات المتحدة والقوى الغربية لانحيازها المطلق لإسرائيل، وروسيا والصين إلى الدعوة غير الفعالة إلى تسوية سلمية، وبلدان كالهند إلى مواقف متعجلة وغير متوازنة. ويكتفي العدد الأكبر من القوى الإقليمية بالبيانات المعتادة وغير الفعالة.
• • •
خامساً، في المحيط العربي تبتعد عن السلبية الدبلوماسية الأردنية والقطرية في محاولة للوساطة لوقف التصعيد والتفاوض بشأن صفقات محتملة لتبادل الرهائن الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين وإدخال مساعدات إنسانية لغزة. وتبتعد عن السلبية أيضاً الدبلوماسية المصرية التي تعمل على تجنيب أهل غزة المزيد من القتل والدمار وعلى وقف فوري للتصعيد ــ وحكومة الحرب في تل أبيب متعطشة للدماء ــ وعلى فتح الباب بعد انتهاء الحرب أمام العودة إلى مفاوضات سلام على أساس حل الدولتين الذي يعطي إسرائيل الأمن وفلسطين الدولة المستقلة.
سادساً، تعي مصر الرسمية والشعبية خطورة الحديث الأميركي والإسرائيلي المتواتر خلال الأيام الماضية عن فتح ممرات آمنة لأهل غزة لمغادرة القطاع إلى سيناء لكيلا يسقط المزيد من الضحايا المدنيين.
تدرك الحكومة وكذلك مكونات المجتمع المدني في مصر خطورة مثل هذا الحديث الذي يشكل تجاوزاً سافراً ومرفوضاً بحق السيادة الوطنية، ومحاولة لمكافأة إسرائيل على جرائم الحرب وممارسات العقاب الجماعي التي ترتكبها بحق غزة بتمريرها عبر حديث الممرات الإنسانية الآمنة وتحميل مصر المسؤولية ظلماً إن لم تقبل، ومسعى جديداً لتصفية القضية الفلسطينية بتعريض أهلها لمزيد من التهجير وفقدان الأرض.
ولا يعني الرفض الرسمي والشعبي هنا عدم اهتمام مصر بحماية أهل غزة وتجنيبهم المزيد من ويلات الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة لهم عبر معبر رفح والتي تعوقها السلطات الإسرائيلية.