شهدت بعض مناطق شمال غزة، وتحديدا حي الزيتون وجباليا المدينة والمخيم، معارك شديدة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، نتج عنها سقوط ما يقرب من 20 ما بين قتيل وجريح من قوات الاحتلال خلال الأسبوع الأخير.
وبلغ عدد قتلى جنود الاحتلال في القطاع منذ بداية شهر أيار/ مايو الجاري 25 قتيلا، على الرغم من بدء عملية رفح في التاسع من الشهر الجاري، مع إطلاق مزاعم السيطرة على الشمال.
قدرة المقاومة على التكيف
وكان الاحتلال كان قد أكد أنه قضى على عدد كبير من كتائب المقاومة في شمال القطاع، إلا أن المعارك العنيفة الأخيرة في حي الزيتون وجباليا أثبتت عدم صحة كلامه، ما يدفع للتساؤل عن معنى تجدد المعارك بشدة هناك.
الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد، قال إن "عودة القتال الشرس لشمال قطاع غزة يعني عدة أمور، أولها أنها مؤشر قوي على أن المقاومة لا يزال لديها القدرة على التكيف والتأقلم مع منطقة عمليات قطاع غزة".
وتابع أبو زيد في حديث خاص لـ"عربي21"، "ثانيا، هي خطوة تشير إلى أن المقاومة تتبع تكتيكات واضحة وصريحة، بحيث أنه بالتزامن مع قيام الاحتلال بفتح جبهة في الجنوب باتجاه رفح قامت هي بفتح جبهة الشمال، الأمر الذي أجبر جيش الاحتلال على سحب جزء من وحداته المُجمعة والمُجهزة لعملية رفح، تحديدا فرقة المظليين 98، والزج بها باتجاه جباليا".
وأوضح أن "هذا الأمر أحدث خللا في توازن القوات المُجمعة لعملية رفح، وبالتالي أربك حسابات قوات الاحتلال الإسرائيلي، الذي على ما يبدو أنه اعتقد بأن عملية جباليا قد تكون عملية جراحية لن تطول كثيرا لمعالجة جيوب المقاومة في الشمال، إلا أن المقاومة نجحت في جر الاحتلال إلى عمليات طويلة نوعا ما".
وأكمل: "بالتالي، مُجمل شكل العملية، سواء في الجنوب أو الشمال، يوحي ويؤكد ما كنا نقوله سابقا وما أكده الناطق باسم المقاومة أبو عبيدة في كلمته الأخيرة، حينما قال إن العمليات تتجه باتجاه عمليات استنزاف، علما أن الجيوش النظامية ومنها جيش الاحتلال أكثر ما تخشاه هي عمليات الاستنزاف؛ لأن هذا النوع يُوقع خسائر كبيرة في قواتها".
وأكد أبو زيد أن "الأمر الأهم هو أن المقاومة تنجح في جر الاحتلال إلى داخل مخيم جباليا وتُبادل الجغرافيا بالزمان من أجل إيقاع خسائر بقوات الاحتلال، وفي عمليات جباليا الأخيرة كان هناك أمر ملفت جدا، وهو استخدام صاروخ سام 7 ضد مروحية أباتشي، حسبما أعلنت المقاومة".
وأوضح أن "هذا الأمر يُفسر أننا منذ بدء العملية العسكرية في تشرين أول/ أكتوبر الماضي لم نشهد وجود الطائرات المروحية بشكل كثيف في العمليات بقطاع غزة، رغم حاجة هذا النوع من العمليات للمروحيات لتقديم ما يُعرف بالإسناد الجوي المباشر".
"إلا أن المقاومة جردت الاحتلال من هذه الميزة، والسبب في ذلك خشيته من وجود صواريخ مضادة للطائرات، وهي صواريخ حرارية فتاكة اتجاه الطائرات المروحية، وهذا ما حصل باستخدام المقاومة لهذه الصواريخ في جباليا"، وفقا لأبو زيد.
إرباك خطط الاحتلال
وكان الاحتلال قد بدأ عملية رفح عبر اجتياح بعض المناطق شرقا والسيطرة على المعبر بين قطاع غزة ومصر، إلا أن عمليات المقاومة في جباليا وحي الزيتون أربكت الاحتلال، ما دفعه لسحب بعض قواته من رفح وتوجيهها للشمال.
الخبير العسكري نضال أبو زيد قال، إن "فتح الجبهة بقوة في شمال قطاع غزة، تحديدا في جباليا وحي الزيتون، يعني أن الاحتلال سيحدث عنده خلل وإرباك في خطة العمليات الخاصة برفح".
وعزا أبو زيد سبب هذا الخلل إلى أن "الاحتلال اضطر لاستخدام جزء من القوات المخصصة لهذه العمليات، وهي فرقة المظليين، 98 والزج بها في جباليا، وهذا أدى لحدوث خلل في خطة رفح لأنه جمع لها فرقة المدرعات 162 وفرقة المظليين 98 ولواء جفعاتي".
وتابع: "ولكن الآن عندما يسحب فرقة كاملة وهي المظليين والزج بها في الشمال هذا يُحدث عنده خلل، فلذلك قام الاحتلال بمحاولة تعويض هذا النقص في القوات عبر الزج بلواء جديد وهو لواء كوماندوز 89، ولكن هناك محاذير لهذا العمل أيضا، لأن هذا اللواء قاتل سابقا في خانيونس، وبالتحديد في غربها بمنطقة مجمع حمد، وقائد اللواء وهو عومي كوهين قال حينها إننا دخلنا عش الدبابير".
ولهذا وفقا لأبو زيد، "عندما نقول إن الاحتلال عاد وزج بهذا اللواء في عملية رفح مجددا، فهذا يعني أن الاحتلال بات لا يملك ترف الخيارات العسكرية، لذلك أصبح يستخدم بعض الوحدات التي استنفذت في عمليات سابقة، سواء في خانيونس أو شمال قطاع غزة".
ولهذا، يعتقد الخبير أن "هذا الأمر قد يؤخر أو يعيق عملية رفح أو يوقع خسائر أكبر في قوات الاحتلال، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الاحتلال منذ الإعلان عن موعد عملية رفح كل ما فعله هو تقدمه في مناطق شرق رفح، وهذه المناطق بالعرف العسكري تُعتبر رخوة لا تُعطي أفضلية للمقاومة للدفاع عنها، لذلك بادلت المقاومة الجغرافيا بالزمان، وجرّت الاحتلال للدخول باتجاه طريق صلاح الدين شرق رفح".
ويرى أبو زيد أن "الاحتلال الآن أمام ثلاثة خيارات، إما أن يتابع مسيرته باللواء 401 التابع لفرقة المدرعات 162 عبر طريق طه حسين أو عبر طريق العروبة أو الطريق البري المحاذي لمحور فيلادلفيا باتجاه مخيم رفح".
وتابع: "لكن، هل تنجح هذه الخطوة من قبل الاحتلال؟ أنا أعتقد أنه سيدفع ثمنا باهظا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الكتيبة التي سوف يواجهها في مخيم رفح هي كتيبة الشابورة، ولها تاريخ عريق مع قوات الاحتلال، حيث كانت مسؤولة عن عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في عام 2006، وبالتحديد في رفح، وبالتالي أعتقد أن الاحتلال يدرك تماما أن فاتورة التكاليف باهظة، وهذا الأمر الذي قد يدفعه للتأخير والتفكير مليا بالتقدم باتجاه مخيم أو عمق رفح".