لا تُنسى تلك الأيام المؤلمة التي مررنا بها في شمال ومدينة غزة حين مارس الاحتلال الإسرائيلي النازي "حرب التجويع والتعطيش" بحق المدنيين منذ بداية العدوان على القطاع من خلال فرض الحصار وتدمير البنى التحتية والمراكز التجارية، وكان آخرها الأسواق.
بات الجوع يطفو على سطح الأزمات التي تعصف بواقع الحياة الغزية التي تحولت إلى جحيم وتفاصيل يومية شاقة. ان حرب التجويع التي تمارس بحق أكثر من 700 ألف مواطن يعيش في محافظتي غزة والشمال تحمل رسالة واضحة أن حرب الإبادة الجماعية لن تتوقف وتأخذ اشكالا متعددة، وهذا ما جعل الاحتلال يواصل حربه الدموية.
رُبما شعر المواطن بالتنفيس ما قبل اجتياح معسكر جباليا، وهو الأكثر حيوية وبقاءً في ظل العدوان الذي طال جميع مناطق مدينة غزة وشمالها الصامد، لكن الأمر بات مختلفا على كل من يعيش في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة، العظيمة بتضحيات أبنائها وصمودهم الأسطوري.
في المرحلة الأولى من اشتداد عملية التجويع التي أثرت سلبا على حياة الأطفال والنساء والشيوخ بشكل كبير، استشهد أكثر من 30 طفلا بسبب سوء التغذية وانتشار الأمراض الناجمة عن محاربتهم بسلاح الجوع ومنع دخول المساعدات اللازمة لضمان استمرار البقاء على قيد الحياة وما يمنح اجسادهم القوة والصمود أمام ترسانة الاحتلال العسكرية.
ففي ظل الصمت الدولي على جرائم الاحتلال واستمرار الاستهداف المباشر لكل الجوانب الإنسانية، عاد شبح الجوع يخيم من جديد على الذين تحولت أماكن سكناهم إلى مناطق غير صالحة للسكن، خاصة بعد انعدام الأفق في إيجاد حلول تُنهي هذه الكارثة الإنسانية كالرصيف الأمريكي العائم، وهذا ما أعلن عنه برنامج الأغذية العالمي بوقف إدخال المساعدات لغزة بسبب "مخاوف أمنية".
هذا يعني أن المساعي التي تدعيها الإدارة الأمريكية عبارة عن كذبة كبيرة تهدف إلى تجميل صورتها أمام العالم وتدعي حرصها على إنهاء المأساة داخل غزة، دون إتخاذ إجراءات أو خطوات حاسمة. وبعد مرور 8 شهور على العدوان المتواصل، ما زال الموقف الأمريكي يترنح بين الدعوة وبيانات الاستنكار، ويتضح ذلك بإستمرار دعوة المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن لإسرائيل باتخاذ تدابير في حماية المدنيين!!
بلا شك يتعمد الاحتلال في منع دخول المساعدات كالخضار واللحوم والفواكه وغيرها من الأشياء الضرورية، وهذا ما يستدعي أن نسأل عن الموقف الدولي إزاء هذه الجريمة التي تنتهك مبادئ الإنسانية، وهل بات الضغط على إسرائيل أمرا مستحيلا بوقف جرائمها التي تقودها الحكومة الأكثر تطرفا؟!
المواقف التي صدرت عن بعض الدول خلال مجزرة النصيرات الأخيرة والتي راح ضحيتها أكثر من 270 شهيدا تعكس حالة التماهي مع السلوك الإرهابي لجيش الاحتلال الذي استخدام شاحنات المساعدات على مرأى ومسمع العالم خلال ارتكاب المجزرة، وهذا ما أكده الهلال الأحمر الفلسطيني.
لذلك تتحمل إسرائيل وحليفتها في المنطقة الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية الكاملة عن حياة المدنيين بعد ظهور مؤشرات المجاعة وارتفاع معدلاتها في القطاع لا سيما في الشمال دون مراعاة حجم الكارثة. بات مطلوبا الإسراع في فتح المعابر البرية، والسماح بدخول كل أشكال المساعدات المختلفة التي يحتاجها المواطن بعد موجة الإرهاب التي قام بها مؤخرا في احتياج جباليا، ناهيا عن ضرورة إدخال احتياجات القطاعات الخدماتية كالمنظومة الصحية والبلديات والدفاع المدني.