الاستيطان يدفن الدولة الفلسطينية

تنزيل (3).jpeg
حجم الخط

بقلم : هاني عوكل


 

 بدايةً، ليس هناك ما يسمى مستوطنات شرعية وأخرى غير شرعية في الضفة الغربية، التي تسعى إسرائيل يوماً بعد يوم إلى ابتلاع أراضيها وتهويدها، كما هو حال القدس الشرقية التي تتكثف فيها المشروعات الاستيطانية غير الشرعية لتضفي عليها تحولات في طبيعتها الجغرافية والدينية والديمغرافية.
منذ 1967 عام احتلال الضفة الغربية، لم تكل كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من ابتداع قوانين تسمح بالاستيطان فيها، وتشجيع المهاجرين اليهود على الاستيطان تحت إغراءات وحوافز كثيرة، حتى بلغ عددهم، اليوم، أزيد من 700 ألف مستوطن.
المشكلة ليست في عدد المستوطنين الذين يتنامون يوماً بعد يوم فحسب، وإنما في عدد المستوطنات والبؤر الاستيطانية التي زاد مجموعها على أكثر من 300 مستوطنة وبؤرة، حوالى 176 مستوطنة و186 بؤرة غير شرعية.
في الأساس، تهتم إسرائيل كثيراً بالضفة الغربية وتعتبرها حديقتها الخلفية وامتدادها الأمني، وتتمنى لو كان بمقدورها ترحيل الفلسطينيين عنها، غير أنها تستولد الخطط التي تجعل من الحياة في الضفة صعبة جداً ومكلفة على المستويات الاقتصادية والمعيشية والأمنية.
الفلسطينيون في الضفة يعيشون في جغرافيات مقطعة الأوصال بسبب المستوطنات غير الشرعية ومشروعات تسمينها، وفي كل مرة، تخترع إسرائيل طرقاً غير قانونية لابتلاع المزيد من الأراضي في الضفة ومصادرتها لحماية المستوطنات والمستوطنين.
هذا الإجراء الإسرائيلي المحسوب والمدروس يمنع قيام أي دولة فلسطينية قابلة للحياة، وهو قرار اتخذته كل القيادات الإسرائيلية سواء في معسكر اليسار أو اليمين، غير أن رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو أكثر السياسيين تشدداً لجهة ضم الضفة الغربية وتهويد القدس.
بسبب سياسات نتنياهو وحكومته المتطرفة، جرى ابتلاع أكثر من 40% من مساحة الضفة الغربية لصالح المستوطنات غير الشرعية، وآخر التقارير الإعلامية تقول، إن الحكومة ستضع يدها على حوالى 13 كيلومترا مربعا من أراضي منطقة الأغوار.
كذلك هناك إجراءات كثيرة استهدفت مصادرة أراضٍ ودونمات تحت بند ما يسمى توسيع المحميات الطبيعية في المنطقة «ج» الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية أمنياً ومدنياً، ناهيك عن مساعٍ حثيثة لبناء 5300 وحدة استيطانية في مستوطنات وبؤر متفرقة في الضفة.
ثمة تقارير إعلامية أخرى جرى تداولها قبل أكثر من أسبوعين تتحدث عن خطة سرية تشرع فيها حكومة نتنياهو لتعزيز السيطرة على الضفة الغربية ومنع قيام أي دولة فلسطينية، تشمل تحويل صلاحيات الجيش إلى سلطة إسرائيلية مدنية.
إسرائيل لا تحتاج إلى خطة سرية لتهويد الضفة الغربية، إذ سبق أن دخلت في خلاف حاد مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما حول مشروعية الاستيطان، ولم تتمكن واشنطن من ثني تل أبيب عن مواصلة مشروعاتها الاستيطانية التوسعية.
ما يحدث حالياً في الضفة خصوصاً خلال الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، هو محاولة لتكثيف الاستيطان والتعويض عن الفشل في تحقيق إنجازات ملموسة على محور غزة، و»شيطنة» أهلنا في الضفة لتسويغ السماح للمستوطنين بحمل السلاح بكثافة وإثارة المشكلات وتخريب ممتلكات الفلسطينيين.
المستوطنون «مستكلبون» ومنفلتون على عقالهم بدعم من حكومة نتنياهو في تنفيذ المخطط الإسرائيلي بشأن تخويف الفلسطينيين ودفعهم للرحيل عن ممتلكاتهم في الضفة، وكل ذلك يجري بغطاء من الجيش الإسرائيلي الذي يُؤمّن تسهيل دخول المستوطنين إلى القرى الفلسطينية.
المشكلة أن المجتمع الدولي عاجز عن منع إسرائيل من مواصلة سياساتها الاستيطانية، ولا يكتفي سوى بالتنديد ورفضها، وكذلك حال الأنظمة العربية التي تدعو لوقف الاستيطان كما هو الحال مع وقف الحرب في غزة، لا يمتلك هؤلاء الإرادة اللازمة لتغيير الوقائع في حالة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
النتيجة، أن إسرائيل ستمضي قدماً في سياساتها الاستيطانية التوسعية دون رقيب أو حسيب، وهي تسير بخطى متسارعة في تغيير معالم الضفة حتى لا تتيح الفرصة أمام قيام دولة فلسطينية مستقلة ومتواصلة جغرافياً وعاصمتها القدس الشريف.
كذلك تستوطن في القدس الشرقية وتسعى لطمس هويتها الدينية والتاريخية وإلحاق أكبر خلل ديمغرافي فيها لصالح المستوطنين، حتى تصبح - القدس - فيما بعد جزءاً من ممتلكات إسرائيل الخاصة، والأعمال الاستيطانية وبناء الوحدات السكنية تشي بذلك وتحدث على قدم وساق.
في خضم مجتمع إسرائيلي يتحول نحو اليمين ويوافق على سياسات حكومته الاستيطانية، يخشى أن تتسارع وتيرة تهويد الضفة على وقع مجتمع دولي لا يدين إسرائيل بالشكل الكافي ويفضحها في المحافل الدولية، إلى أن تصبح النتيجة استحالة دولة فلسطينية.